تأكيد على حرص الجزائر على إقامة علاقات متينة مع الدول الإفريقية    القضاء على مجرمين اثنين حاولا تهريب بارون مخدرات بتلمسان    سوق اهراس : وزير الشباب والرياضة يعاين عدة مشاريع ويتفقد قطاعه    اسداء تعليمات صارمة لأجل انجاح عملية استقبال أضاحي العيد    خروج مظاهرات حاشدة في عدة مدن مغربية    الجزائر تستحضر ذكرى العقيد عميروش قائد الولاية الثالثة التاريخية    مؤسسة "نات كوم": تسخير 4200 عون و355 شاحنة    حوادث الطرقات تخلف 6 قتلى و442 جريحاً    هطول أمطار رعدية في 10 ولايات    إشادة بدعم الرئيس جهود قطاعه خدمة لكتاب الله الكريم وقرائه    السيد بوغالي يعزي في وفاة الفنان القدير حمزة فيغولي    مدرب هيرتا برلين ينفي معاناة مازة من الإرهاق    الجزائر تعرب عن تضامنها مع جمهورية اتحاد ميانمار    تحويل صندوق التعاون الفلاحي ل"شباك موحّد" هدفنا    المخزن واليمين المتطرّف الفرنسي.. تحالف الشيطان    عروض مواقع التواصل بديل لاستحضار "بنّة" العيد    تطور كبير في العمل التضامني خلال رمضان    الدرك الوطني يسطّر مخططا أمنيا خاصا بعيد الفطر    ارتفاع قيمة عمورة بعد تألقه مع فولفسبورغ و"الخضر"    صايفي: كنت قريبا من الانتقال إلى نيوكاستل سنة 2004    أنشطة تنموية ودينية في ختام الشهر الفضيل    فنون وثقافة تطلق ماراتون التصوير الفوتوغرافي    بين البحث عن المشاهدات وتهميش النقد الفني المتخصّص    برنامج الغذاء العالمي يؤكد الحاجة "الماسة" لوصول المساعدات الإنسانية لقطاع غزة عاجلا    تقييم مدى تجسيد برنامج قطاع الشباب    بوغالي وقوجيل يعزّيان في وفاة الفنان حمزة فيغولي    مولودية الجزائر : بن يحيى يجهز خطة الإطاحة بأورلاندو بيراتس    الجزائر- قطر: التوقيع على الاتفاقية النهائية للمشروع المتكامل لانتاج الحليب المجفف    غضب جماهيري في سطيف وشباب بلوزداد يكمل عقد المتأهلين..مفاجآت مدوية في كأس الجزائر    اجتماع تنسيقي حول بطولة المدارس الإفريقية لكرة القدم    اللهم نسألك الثبات بعد رمضان    فتاوى : الجمع بين نية القضاء وصيام ست من شوال    منظمات حقوقية: على فرنسا التوقف فورا عن ترحيل الجزائريين بطريقة غير قانونية    وزارة الشؤون الخارجية : نائب القنصل العام المغربي بوهران شخص غير مرغوبا في الجزائر    قيادة الدرك الوطني : مخطط أمني وقائي خاص بعيد الفطر    العيد ربيقة: الجزائر تشق طريق الانتصارات بقيادة الرئيس تبون    المجلس الوطني لحقوق الانسان وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي بالجزائر : اتفاقية تعاون لدعم إنشاء الشبكة الوطنية للنساء الوسيطات    بمناسبة الذكرى المزدوجة ليوم الأرض واليوم العالمي للقدس..حركة البناء الوطني تنظم وقفة تضامنية مع الشعب الفلسطيني    توجيهات وزير الصحة لمدراء القطاع : ضمان الجاهزية القصوى للمرافق الصحية خلال أيام عيد الفطر    تعليمات صارمة للرؤساء المديرين العامين للموانئ لتسريع معالجة حمولات البواخر    مسابقة تاج القرآن الكريم: اختتام الطبعة ال14 بتتويج الفائزين    البطاقة الذهبية ستتحوّل إلى كلاسيكية    تنظيم حفل ختان جماعي    دعوة إلى الالتزام الصارم بالمداومة    الجزائر تُكرّم حفظة القرآن    الجيش الوطني يواصل دحر الإرهاب    عمورة ثاني أفضل هدّاف بعد صلاح    لقد كان وما زال لكل زمان عادُها..    وزارة التربية تتحرّك..    تواصل العدوان الصهيوني على جنين وطولكرم ومخيم نور الشمس    6288 سرير جديد تعزّز قطاع الصحة هذا العام    "سوناطراك" فاعل رئيسي في صناعة الغاز عالميا    أعيادنا بين العادة والعبادة    عيد الفطر: ليلة ترقب هلال شهر شوال غدا السبت (وزارة)    كأس الجزائر: تأهل اتحاد الجزائر ومولودية البيض إلى الدور نصف النهائي    صحة : السيد سايحي يترأس اجتماعا لضمان استمرارية الخدمات الصحية خلال أيام عيد الفطر    قطاع الصحة يتعزز بأزيد من 6000 سرير خلال السداسي الأول من السنة الجارية    رفع مستوى التنسيق لخدمة الحجّاج والمعتمرين    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



التصوف المفترى عليه
نشر في الحوار يوم 05 - 03 - 2009

اختلف الباحثون في سبب تسمية ''التصوف'' وأرجعوها إلى أربعة فروض الأول: أن يكون الصوفي منسوبا إلى ''صوفة'' وهو اسم رجل كان قد انفرد بخدمة الله سبحانه وتعالى عند بيته الحرام واسمه ''الغوث بن مر''.
فانتسب الصوفية إليه لمشابهتهم إياه في الانقطاع إلى الله (ينظر: تلبيس إبليس - ابن الجوزي، ص 161)
الثاني: أن يكون منسوبا إلى ''الصفاء'' لأن أربابه عرفوا بصفاء القلب، والتخلي عن السعادة الدنيوية طمعا بالاتحاد الكامل بالله، وقد عبر عن ذلك أبو الفتح البستي قائلا:
تنازع الناس في الصوفي واختلفوا
فيه وظنوه مشتقا من الصوف
ولست أنحل هذا الاسم غير فتى
صافي فصوفي حتى لقب الصوفي
ولم يرض عن هذه التسمية أبو العلاء المعري فرد على البستي بهذا البيت
صوفية ما رضوا للصوف نسبتهم
حتى ادعوا أنهم من طاعة صوفوا الثالث: أن يكون منسوبا إلى ''سوفيا'' اليونانية، التي معناها ''الحكمة'' وقد ترجمها العرب فسموا الطب حكمة، وكلمة ''حكيم'' لا تزال تؤدي معنى كلمة طبيب، والعرب كانوا مولعين بحفظ ما يدخل لغتهم من الألفاظ الأجنبية، ولو كان التصوف من ''سوفيا'' لنصوا عليه في كثير من المؤلفات وهذا يرد هذه النسبة كما يقول زكي مبارك (التصوف بين الأدب والأخلاق، ص 55)
الرابع: أن يكون منسوبا إلى ''الصوف'' وإلى هذا الطرح مال أكثر الباحثين كابن خلدون في ''المقدمة'' والسهروردي في ''عوارف المعارف'' وبعض المستشرقين ك نيكلسون ونولدكه (ت 1931) NOLDEKE، (ت 1945) NICHOLSON وآخرون يندون عن الإحصاء، مستدلين بأن لباس الصوف كان غالبا على المتقدمين من سلف الصوفية، لأنه أقرب إلى التواضع والزهد، ولكونه لباس الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، وقد جاء أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يركب الحمار ويلبس الصوف. ويؤيد هذا ما جاء في مرثية عمر بن الخطاب رضي الله عنه لرسول الله صلى الله عليه وسلم إذ قال: ''بأبي أنت وأمي يا رسول الله، لقد اتبعك في قلة سنك وقصر عمرك ما لم يتبع نوحا في كثرة سنه وطول عمره، ولقد آمن بك الكثير وما آمن معه إلا القليل، بأبي أنت وأمي يا رسول الله، و الله لو لم تجالس إلا كفؤا لك ما جالستنا، ولو لم تنكح إلا كفؤا لك ما نكحت إلينا، ولو لم تؤاكل إلا كفؤا لك ما واكلتنا، فلقد والله جالستنا ونكحت إلينا وواكلتنا ولبست الصوف وركبت الحمار وأردفت خلفك ووضعت طعامك على الأرض ولعقت أصابعك تواضعا منك) ''ينظر، إحياء علوم الدين، الغزالي، ج ,1 ص ,''123 وهذا النص على جانب عظيم من الأهمية، ومن المحتمل أن يكون الصوفية لبسوا الصوف أول الأمر ليصلح لهم الاقتداء بتواضع الرسول الله صلى الله عليه وسلم. وسئل أبو علي الروزباري، وهو من كبار الصوفية، فقيل له: من الصوفي؟ فقال: ''من لبس الصوف على الصفاء''، فلبس الصوف عنده إشارة إلى الزهد ولكنه لا يغني عن الصفاء. ويؤكد التزام الصوفية للبس الصوف حرصهم على المرقعة -أي الثوب المرقع- فابن الجوزي يرى أنهم لما سمعوا أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يرقع ثوبه وأن عمر بن الخطاب كان في ثوبه رقاع اختاروا المرقعات، وكذلك صارت المرقعة عنوانا عليهم، وروي عن الثوري أنه قال (كانت المرقعات غطاء على الدر فصارت جيفا على مزابل) ''ينظر، تلبيس إبليس، ص ''190 وهذا لما أصاب القوم من انحراف عن الجادة واهتمام بالمظاهر الكاذبة. هذا من حيث النسبة، أما من حيث المضمون: فهو التماس الحق عن طريق تطهير النفس التي تلوثت بأدران المادة عند حلولها في الجسد، بعد أن كانت طاهرة شريفة، وإعدادها لقبوله بالإلهام الإلهي، بمجاهدة النفس والسمو بها إلى الطريق الحق. والتصوف الإسلامي في واقعه تربية علمية وعملية للنفوس وعلاج لها، وغرس للفضائل واقتلاع للرذائل وقمع للشهوات وتدريب على الصبروالرضى والطاعات، فهو مجاهدة للنفس ومحاسبة لها على الأعمال والتروك، وانقطاع عما يعوق السالك في سيره إلى الله، وزهادة في كل ما يلهي عن ذكر الله ويعلق القلب بسواه. وهو توجه إلى الله تعالى وإقبال عليه وعكوف على عبادته، وتعرض لنفحاته وهباته التي يختص بها أولياءه وأحباءه، كل ذلك مع السعي والعمل الصالح في الدنيا بما يتزود به للآخرة، وبما به قوام الحياة والعمران في الحلال الطيب، وهو مطلوب شرعا، حسن ممدوح في كتاب الله ''فامشوا في مناكبها وكلوا من رزقه''، ''وتزودوا فإن خير الزاد التقوى''. وجملة القول فيه -قبل تدوينه كفن وبعده- أنه تربية وتهذيب، وعلم وعمل، ووقاية وعلاج، ودين ودنيا، وعبادة وزهادة، وتقوى طاعة واستقامة وصبر وعلاج، وفرار من فتنة الدنيا وزينتها. وهو لب الشريعة وروحها وثمرتها وحكمتها، وقد كان ذلك شأن جمهور الصحابة والتابعين والسلف الصالح من أئمة الدين، ولا نبعد إذا قلنا أنهم كانوا جميعا صوفية بهذا المعنى الجامع الذي صار موضوع التصوف المدون فيما بعد وغايته ولكن على تفاوت بينهم فيه. ذلك هو التصوف النقي من الشوائب الذي لم يخالطه زيغ ولا شطط ولا جهل ولا ابتداع، وهو تصوف العلماء والزهاد والنساك القائمين على حدود الله، الواقفين عند شريعته أمثال الحسن البصري (ت 110 ه) سيد التابعين، وأبي اسحاق ابراهيم بن أدهم البلخي (ت 161 ه)، وأبي سليمان داود الطائي (ت 165 ه)، وأبي علي الفضيل بن عياض (ت 187 ه)، وأبي الفيض، ذي النون المصري (ت 245 ه)، وأبي الحسن السري السقطي (ت 253 ه)، وأبي محمد سهل بن عبد الله التستري (ت 283 ه)، وأبي القاسم الجنيد البغدادي شيخ الطائفة المقدم (ت 297 ه)، وأبي القاسم عبد الكريم بن هوزان القشيري صاحب الرسالة القشيرية (ت 465 ه)، وحجة الإسلام أبي حامد محمد الغزالي (ت 505 ه) وأبي محمد عبد القادر الجيلاني (ت 561 ه)، وأبي حفص السهروردي صاحب ''عوارف المعارف'' (ت 632 ه)، والإمام أبي الحسن الشاذلي (ت 656 ه)، وأبي العباس أحمد بن عمر المرسي (ت 686 ه)، وأبي الفضل أحمد بن محمد بن عطاء الله السكندري (ت 709 ه)، والقطب أبي البركات أحمد الدردير العدوي (ت 1201 ه) رضي الله عنهم جميعا وغيرهم من المتقدمين والمتأخرين من الأئمة العارفين ولهؤلاء الأئمة وأضرابهم كلام جيد شاف في الأذواق والمواجد التي تنشأ عن المجاهدات، ثم تستقر للمريدين مقامات، ثم يترقون فيها درجات، على تشدد من بعضهم في السلوك وتفاوت بينهم حسب تفاوت أقدارهم في العلم والذوق والعرفان. ولهم اصطلاحات علمية وإشارات ذوقية ورموز دقيقة ومعان علوية وحكم رفيعة يعرفها أهلها، ويتذوقها من وهب رقة الشعور ودقة الإدراك وهم في مجال الإعراب والبيان عن ذلك متفاوتون. وموردهم الذي يستقون منه ذلك كله: كتاب الله تعالى وهدي النبوة وما روي عن العارفين من أئمة الإسلام. وقد اختص هذا النوع من العلم الشرعي في عصر التدوين، كما أشار إليه ابن خلدون في مقدمته باسم''التصوف'' أو ''علم الحقيقة'' كما اختص النوع الآخر منه باسم ''الفقه'' أو ''علم الشريعة'' وهو الخاص بالأحكام العامة في العبادات والمعاملات والعادات، وتساوق العلمان معا في تكوين الشخصية الإسلامية الكاملة ظاهرا وباطنا، حسا ومعنى، روحا ومادة بحيث لا يكمل تكوينهما إلا بهما، فكانا منها كجناحي الطائر. وقد ألف الأئمة كتبهم في كل منهما على حدة، وجمع بعضهم بينهما كما فعل الغزالي في ''إحياء علوم الدين'' وهو موسوعة إسلامية جامعة، وذخيرة ثمينة نافعة، حتى قيل فيه (من لم يقرأ الإحياء فليس من الأحياء) وقديما قالوا في التزاوج بين هذين العلمين (حقيقة بلا شريعة باطلة، وشريعة بلا حقيقة عاطلة)، وهو تصوير دقيق لترابط هذين العلمين الشرعيين وتساوقهما في تكوين المسلم الكامل. هذا هو التصوف الصادق الذي ملأ سمع الدنيا وأمتعها منذ عصر التدوين. وهناك تصوف كاذب وهو الذي انتحله قديما شرذمة من الأفاكين أشربوا تعاليم طائفة من الباطنية الحلولية وتدثروا بدثار الصوفية اجتذابا للعامة وتغريرا، ودسوا في التصوف إلحادهم ومقالاتهم الشنيعة في الدين كأبي سيفين الإشبيلي (ت 669 ه) وأضرابه إفسادا لعقائد العامة من المسلمين، وهؤلاء ليسوا صوفية ولا من التصوف في شيء وإنما هم مرتزقة زنادقة ملحدون. وقد كشف خيبتهم وفند مزاعمهم كثير منهم ابن تيمية (ت 728 ه) وتلميذه ابن القيم (ت 751 ه) رحمهما الله، وهناك آخرون انتموا إلى الصوفية بل احترفوها واتخذوها سمة لهم وتوارثوا فيما بينهم بدعا سيئة وشعارات زائفة وتقاليد منكرة جهلا بالدين الخالص أو تجاهلا، طمعا في متاع الدنيا ثم ظلوا عليها عاكفين لا يأبهون لعلم ولا يستمعون لنصح ولا يخضعون لحكم، وهؤلاء -لا ريب- أدعياء في الصوفية دخلاء في التصوف. وقد انتصب للرد عليهم والتنديد بهم وتبيان بدعهم ومنكراتهم وإرشادهم إلى الحق والهدى كثير من العلماء الصالحين قديما وحديثا، منهم عبد الرحمن الأخضري (ت 983 ه) والأستاذ أبو المعارف الشرقاوي صاحب ''شمس التحقيق'' (ت 1316 ه) وغيرهم. ومع ذلك فقد تنكر أناس للتصوف بأسره وحملوا عليه حملات شعواء عنيفة وحملوه أوزار أولئك المتصوفين الكاذبين وخطاياهم واتخذوها تكأة للطعن فيه وفي أئمته وكتبه. ولو أنهم توفروا على دراسته والإطلاع على كتبه واستقصاء أقوال أئمته وتواريخهم وسيرهم وآثارهم وجهادهم في الدين لتبدل جهلهم بالتصوف علما، وخطؤهم فيه صوابا، وذمهم له مدحا ولتميز الحق لديهم من الباطل، والصحيح من الفاسد، والأصيل من الدخيل المفترى، ولعرفوا أن التصوف البريء من الشوائب النقي من تلك المفاسد ما هو إلا الدين الخالص والحق المحض ولباب الشرع خرج من بين فرث ودم خالط سائغا للشاربين، وأن الطعن فيه جهالة وجحود من أولئك المنكرين.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.