الشعر والفن تعبير عن الأحاسيس والمشاعر الصادقة مبدع متميز، أديب وشاعر فذ ومثقف من طراز خاص، في مقلتيه دوما تزهر حدائق الشعر ويراعيه في أبد إبداعه نبع شفاف يأخذ صفاءه من معين الشعر العربي الهامس حيث للسياب ونزار قباني وعبد المسيح حداد حضور جلي في معظم إبداعاته.. وهو في كل تجلياته باحث عن مدينة فاضلة، يقدس فيها الذوق الإنساني وتعلو بمنابر وجودها قيم الحب والبر والجمال لتظل افجار الفكر منبلجة في كل جنبات هذا الكون. وحين طلبت حواره..في تجربته الشعرية..لم يتردد بل راح يفصح عن خلجات نفسه وآماله المستقبلية لقراء "الحوار" ويفتح لنا كتاب أشجان الكتابة فكان لنا معه هذا اللقاء..
* يبقى الشاعر مرهف الأحاسيس وسيدا للمشاعر والكلمات وهذه الأوصاف تلازمه في حياته اليومية وتدفعه للكتابة التي تعتبر غذاء الروح وعلى حد هذا التعبير ماذا تعني لك الكتابة؟؟ – مساء الورد..إن سؤالك جوهري ويثير الوجدان، فالكتابة عندي هي رحلة البحث عن الذات..فأنا لما أدخل الى عالمي السحري –الكتابة – أشعر بكامل حريتي، حيث أتجرد من حركة هذا الواقع وأسمو بروحي إلى مدارك الصفاء الذوقي والكتابة في كل أوقاتها..سفر إلى الحقيقة الخفية النابضة في ذات هذا العالم. والكاتب هو الوحيد الذي بقدرته لمس هذه الحقيقة..فالكتابة كفاح أبدي في حياة الأدباء والكتاب..بغية كشف العوالم الخفية في نفس الإنسان.
* إن المقتفي لحركة جل المبدعين العرب يلاحظ أن للمعاناة في نصوصهم الإبداعية حضورا كثيفا على عكس الفرح الذي يوشك أن ينعدم في الحياة الإبداعية العربية فلماذا هذا الجرح بالذات قائم أبدا..وهل في الوسع أن تستحيل هذه الدموع إلى بسمات يستنشقها الفؤاد الكليم ؟ – الإبداع كلمة عامة طبعت سائر الأعمال البشرية الراقية عبر التاريخ..فإذا أردنا الحديث عن طبيعة الأعمال الأدبية والفنية للمبدعين العرب المعاصرين فإننا نلمس فيها مسحة من الألم والشكوى والإحساس بالشقاء..فمامرد ذلك؟ – لقد تعرض المجتمع العربي في النصف الثاني من القرن التاسع عشر إلى موجات غزو واحتلال وتخريب..فكان من الطبيعي أن ينعكس ذلك كله على عمل الفنان والمبدع الذي عبر عن الشعور بالحسرة والأسى لما آلت إليه الأوضاع.. ولايزال المجتمع العربي يعاني الاضطهاد والتعسف.. والشعر والفن هو التعبير الجميل عن الشعور الصادق..كما قال – العقاد-..إن أصعب لحظات التأمل عند المبدع ..تلك التي يشعر فيها بالغربة والأسى..وقد تقول إن أجمل قصائد – أبي فراس الحمداني – تلك التي نظمها في الأسر – الروميات -..وهذا صحيح..ولكني لا أعني بالأسر الجسدي..بل الأسر الروحي..
ومع ذلك بقي المبدع متفائلا يستبشر بالنصر انتصار العدل على الظلم والجمال على الرداءة والقبح في تعريف – بلاك بيرن – لمعنى الشعر..نجد هذا القول "ليس الشعر تلاعب العبقرية بالكلمات وترتيب أنغام ضوضاء" ماتعليقك على هذا القول وإلى أي مدى تراه سليما ؟ – شكرا..في الحقيقة أن الشعر ليس حصرا لكلمات منمقة في قواف منتقاة..إنما الشعر إضافة إلى أنه أسلوب راق وكلمات سحرية لسرد فكرة هادفة..هو روح تخلق في الشاعر لا منه..وبالتالي فإذا نجح شخص ما في وضع هيكلة للقصيدة ..فمن العسير أن يخلق لشعره روحا..إن روح الشعر كالروح التي تسكننا..لذلك فإن طرح – بلاك بيرن – لمفهوم الشعر هو طرح سليم وذلك لايمنع وجود العبقرية في ابتكار أفكار جديدة وهادفة تسمو بالشعر إلى العصرنة.
* إن المتتبع للساحة الإبداعية يلاحظ أن هناك إبداعات لا ترتقي إلى المستوى المطلوب في رأيك ما هو السبب في ذلك ؟؟؟ – بداية يجب الإدراك أنه لا يوجد هناك أدب جزائري قائم بذاته يجسد مفاهيم الفرد لحركة الإنسان والحياة والكون.. بل ماهذه الإبداعات التي نشهدها إلا محاولات أولى لبناء أدب جزائري.. أما عن ضعف إبداعنا فهذا أرده إلى ثقافة الأديب بالدرجة الأولى، ذلك أن هذا الأديب هو كاتب قبل أن يكون أديبا، حيث القليل من الأدباء الشباب عندنا هم الذين قرؤوا أهم الكتب مثل "نهج البلاغة – الشعر الجاهلي –الأغاني-" مما جعلهم يمتلكون نواصي ثقافة عالية تمكنهم من ممارسة نشاط الإبداع، في حين نجد الأغلب الآخر لا ثقافة له إلا ماطالعه في الصحف "ثقافة صحف" وهذا حتما له انعكاس خطير على نضج النص الإبداعي بشتى ضروبه.
* من المعروف أنه كلما كان هناك إبداع سايره نقد بالضرورة، مارأيك في الحركة النقدية التي تمارسها الفئات الشبانية ومتى يكون النقد قويا؟ – من المسلم به أن الطالب النجيب يحتم على أستاذه أن يكون أنجب منه، كذلك بالنسبة للإبداع والنقد..فلكي يكون النقد عندنا جيدا لابد أن يكون إبداعنا أجود منه وهذا مانفتقده، حيث نلاحظ أن حركتنا الإبداعية تسير بحركة السلحفاة، وهذا الضعف النقدي يرجع إلى افتقارنا لمناهج نقدية حية لها قدرة تقييم وتقويم النص الإبداعي..بل أن النقد العربي كله فاشل إلى حين..مادمنا نستند في دراسة أعمالنا إلى المدارس النقدية الغربية كمدرسة – تين وسانت باف – الفرنسية ومدرسة – هازلت وماكوني – الأنجليزية..ومادام الأمر يسير هكذا فلا نقد عربي حر، وبالتالي لانقد جزائري قوي..وماهذه الدراسات والمتابعات التي نتابعها أحيانا إلا محاولات انطباعية بعيدة عن الإثراء والتحليل. إذن قوة نقدنا تبدأ من محاولة إيجادنا لمدرسة كاملة في النهج والبناء..نستند إليها في انطلاقاتنا النقدية.
* من مظاهر الأدب العربي في هذه العقود المتأخرة من عمره عدم وجود أدباء سدوا الثغرة التي أحدثها غياب عمالقة جيل النهضة في جدار الإبداع الراقي أمثال العقاد، طه حسين، بدر شاكر السياب، الرافعي، أبوشادي، فلماذا لم يوجد هذا الضرب من المبدعين المتميزين ؟ – لا يمكن للأدب والفن والعلم أن ينتعش إلا إذاعاش في جو من الحرية، فالحرية هي الحياة وإذا أحس الأديب والفنان بالاختناق وعدم القدرة على الحركة والتنفس فكيف يمكنه أن يعيش ويفكر ويكتشف أنماطا راقية من التعبير وقد فسر الفيلسوف الألماني- كانت – الجمال بأنه الإحساس بالسرور..وحين سئل – العقاد – عن الجمال قال"إن الشيء لايكون جميلا إلا بقدر ماهو حر طليق"..والماء الجاري أجمل من الماء الآسن..لأن الحركة متدفقة فيه.. إن المجتمع العربي لم يصب بعد بالعقم برغم ما يتعرض له من هزات عنيفة..فهو قادر على العطاء باستمرار..وأن عمالقة الفن والأدب العربي وكذا في النقد والرسم والمسرح كثيرون، هؤلاء يمكنهم أن يكونوا قدوة حسنة للمبدعين الشباب..أعني أن التواصل بين الجيل السابق والجيل الحالي لاينبغي أن ينقطع فالحضارة الإنسانية سلسلة متواصلة بين الماضي والحاضر والمستقبل. حاوره: موسى بوغراب