إن دفاعنا المستديم والمستميت عن وطننا الجزائر … بلدا، ودولة، وأمة، ومؤسسات، وهوية، وتاريخا … ومستقبلا، هو عقيدة وإيمان راسخين لن نحيد عنهما … تسندهما قناعتنا الراسخة بأن سياسة المجتمع وقيادته وضبط الحياة العامة لا ينبغي أن تقوم فقط علي القوة الرادعة … ومن أجل الحفاظ علي الوظائف الأساسية للدولة … فمن الخطأ في فن ممارسة الحكم أن نحيد في لحظة ما عن مبدأ التوافق كممارسة فاضلة … إن البحث عن التوافق وعلى المشاركة الفعلية للمجتمع هو أكثر من ضرورة حتي يبقي الحكم يستند على قاعدة اجتماعية وينشد غاية سامية بأن تكون السياسة في خدمة المصلحة العامة للمجتمع. وهنا من الأهمية بمكان التأكيد علي ضرورة تعزيز الثقة … "الثقة: الفضائل الاجتماعية ودورها في خلق الرخاء الاقتصادي" هذا عنوان كتاب لأحد عتاة منظري الليبرالية كمنتهي للفكر البشري وهو الباحث فرانسيس فوكوياما … والذي يشير إلي أن بروز النجاح والإزدهار لإقتصاديات مجتمعات تميّزت بتواصل اجتماعى قوي، ودرجة مرتفعة من الثقة، جسدتها مجتمعات (على رأسها الولاياتالمتحدةالأمريكية واليابان وألمانيا) عرفت انتشارًا كبيرًا للمؤسسات الجماعية الوسيطة التلقائية الواقعة بين العائلة والدولة، ساهمت فى خلق نموّ سريع ومؤسسات اقتصادية كبرى ذات تراتبية عالية. كما يُبرز فوكوياما أهمية بروز رأس المال الاجتماعي "قدرة تنبثق جراء تغلغل الثقة في المجتمع، أو في بعض قطاعاته على أقل تقدير. وقد يتجسد في العائلة، البنية الأساسية للمجتمع وأصغر جماعاته حجمًا، أو في الأمة، أكبر هذه الجماعات، أو في الفئات الوسيطة القائمة بينهما" … ودون أن أوغل في الحديث … ينبغي أن نقف عند النقطة المهمة في هذا المساق وهي "بناء الثقة" … وأهمية "الفئات الوسيطة القائمة داخل البنية الأساسية للمجتمع : نقابات، مبادرات، جماعات تمثيلية، … كلها ينبغي إعتبارها مكسب للأمة، وعناصر بنائية لتعزيز الثقة وتثمين الجهد الوطني وحشده وتعبئته نحو الغايات الفاضلة للسياسات العمومية. ومن هذا المنظور أدعو إلي : 1- عدم التضييق علي العمل النقابي المكفول دستورا، وتثمينه بتنوعه وزخمه ومبادراته وحراكه ومضامينه المطلبية، 2- الإرتقاء في التعاطي مع الحراك النقابي والمطلبي من محاكاة التواصل الإداري إلي مستوي القيمة "التواصل الإجتماعي" … إنّ التواصل الاجتماعي ينبغي أن يثمن الفرصة بأن يتحول إلي نزعة مستدامة في التسيير … كمنحى ضروري يعزز المقدرة على العمل المشترك لإقامة ديمقراطية تشاركية حقيقية قوية وقادرة على الاستمرار، ولا يمكن الاستغناء عنها لإقامة سياسات تنظيمية فعّالة تسهم في تحقيق الأهداف المشتركة للجماعة الوطنية. 3- إلغاء كل إجراءات التوقيف عن العمل والفصل من الوظيفة والعزل من المهام … المتخذة ضمن هذه السياقات وفي هذا الظرف بالذات … فقطع الأرزاق أخطر من قطع الأعناق … ينبغي إستحضار الرشد والتبصر للعواقب الوخيمة لمثل هذه الإجراءات المتسرعة الغير الموزونة بميزان الحكم الراشد والمستحضرة لذكاء الساسة وحكمة القادة، 4- فتح حوار شامل منهجي وبناء … تشارك فيه كل القوى الحية في الوطن حول ملف شبكة الأجور ودعم القدرة الشرائية وسياسة الدعم الإجتماعي وخيارات حماية الطبقة الوسطى، المحرك الأساسي للتنمية، 5- فتح ورشة كبرى، ذات أولوية قصوى حول بناء سلسلة القيمة الإقتصادية في السوق الوطنية، بغية الوصول الي وضع الميكانيزمات الكفيلة بإخراج إقتصادنا من حالة التضخم الخفي …. ينبغي أن نجعل من هذه الظروف فرصة بيداغوجية مثلي في أوساط شبابنا وأبنائنا ليتربوا علي ممارسة الديمقراطية التشاركية وعلي تنمية قدراتهم في بناء التوافق مهما تباينت الآراء وتوسعت الخلافات … إن أبناءنا يرمقوننا بعيون الأشبال … فلنهيء الفرصة لهم للوثوب نحو آفاق الإبداع والنجاحات والرقي. المجد للشعب الأبي الوفي، المكافح المنافح المناضل المتطلع للعلي والرقي، الخلود للشهداء الأبرار الأطهار، والعزة للوطن ماضيا وحاضرا ومستقبلا، وتحيا الجزائر واحدة موحدة، آمنة مزدهرة، سخاء رخاء لأبنائها، ينبوع خير دافق علي مدى الأجيال. * مهماه بوزيان – باحث دائم وخبير، قيادي في الحركة الطلابية سابقا، عضو المجلس الأعلي للتربية (1996-2000)