بقلم: وليد بوعديلة عندما نعود إلى التاريخ الثقافي والعلمي للجزائر ونفتح صفحات البحث في اللغة العربية والدراسات اللسانية نجد الكثير من الأسماء التي خدمت لغة القرآن الكريم وأنجزت الدراسات القيمة في مجال البحث اللساني، ويأتي اسم الأستاذ المحترم عبد الرزاق هنداي ضمن قائمة أعلام الجزائر الخالدة في سجلات الجامعة الجزائرية. ولقد توفي الباحث في شهر جويلية من سنة 2013 وهو في العقد الرابع من العمر بعد مشوار حافل من المنجزات العلمية والجهد الإداري في جامعة سكيكدة، وقد كان الدكتور صالح بلعيد رئيس المجلس الأعلى للغة العربية مشرفا على أطروحة الدكتوراه التي كان الباحث هنداي ينجزها بجامعة الجزائر وهي موسومة ب "آثار الدرس اللساني في تفعيل الدرس اللغوي العربي-دراسة ميدانية في الجامعة الجزائرية-"(2012-2013).
الجهود العربية في اللسانيات تميز الباحث الجامعي ابن مدينة السبت بولاية سكيكدة بتعمقه المعرفي في الدراسات اللغوية، مع الاهتمام بكل ما يتعلق بالبحث التربوي والبيداغوجي وبالقضايا التعليمية، كما أنه يهتم باللسانيات الاجتماعية، وقد ترأس إدارة قسم اللغة العربية بجامعة سكيكدة لسنوات، وقدم الكثير من الخدمات والنشاطات العلمية والبيداغوجية والثقافية، بمساعدة زملائه المقربين مثل الأساتذة: عمار مقدم، حسين زويد، حميد لعدايسية، عبد السلام جغدير، هشام لعور، مسعود مقروس، رياض مسيس، فوزي لعبادلية، فهم يمثلون النموذج في الاتحاد والتضحية والمواطنة والحكامة لأجل الجودة والنوعية في المؤسسة الجامعية. وقد نشر اللغوي والأستاذ الجامعي هنداي بعض الدراسات اللسانية في مجلات علمية جزائرية، وفي أطروحته الجامعية تناول الجهود العربية في تدريس اللسانيات فقدم-في البدء- مفهوم اللسانيات وأبعادها وملامح الحضور اللغوي العربي، وكشف الضعف اللغوي وصراع اللهجات، ثم قرأ مسائل التجديد الاصطلاحي اللساني، من حيث اعتماد المصطلح ومشكلاته وقطاعاته في اللسان العربي. ولقد أفادنا الأستاذ عندما ذكر المقاربات المعتمدة في تعليمية اللغة، وتناول طبيعة وآليات تدريس اللغة العربية واللسانيات في الجزائر وفي الدول العربية، والطرق المعتمدة في الجامعات، مثل الطريقة الاستقرائية، الطريقة القياسية، طريقة المناقشة الاجتماعية، الطريقة الاستكشافية. وبلغة علمية تمزج الدقة والتحليل العميق عاد إلى تاريخ تدريس اللغة العربية في الجزائر، يقول عن اللغة العربية "احتضنتها الجزائر وتبنتها الجزائر، وقبلتها بكل صدق وإخلاص كلغة رسمية وأثرت من خلالها الثقافة العربية الإسلامية بإنتاج علمي وثقافي وأدبي عظيم"(ص88). وكشف الكاتب والباحث هنداي الإسهام العثماني في تعليم اللغة العربية في المؤسسات التعليمية المختلفة، مثل المدارس والزوايا والمساجد وغيرها، في القرن الرابع عشر وما بعده، معتمدا الكثير من الكتب التاريخية المتخصصة مثل كتاب أبي القاسم سعد الله "تاريخ الجزائر الثقافي". وعندما عادت الدراسة إلى الفترة الاستعمارية كشفت القيود الكثيرة التي فرضها المستدمر الفرنسي على التعليم بعامة وعلى اللغة العربية بخاصة، يقول الدكتور هنداي "إن سعي المستعمر لفرنسة المجتمع الجزائري كان هدفا ووسيلة في نفس الوقت، فهو وسيلة لضرب اللغة العربية وإضعافها والقضاء عليها، وهو هدف هام لتحقيق الاحتواء الحضاري وهدم العقول والأفكار وتبديد الفضاء الثقافي لمرجعية الأمة الجزائرية"(ص95). ويمكن للقارئ أن يقرأ مباحث عن ممارسات محاربة التعليم العربي وعزل الجزائر عن العالم العربي الإسلامي، بالقوانين وفرض التعليم الفرنسي، وطرق استعمارية متعددة في إطار الحرب الثقافية الحضارية ضد المجتمع الجزائري.