يكثر الحديث في شهر رمضان عن القائد المُلهم، وذلك بسبب الخوض في مسائل تاريخية، كان فيها لبعض القادة الملهمين الدور الكبير في تحقيق انتصارات مبهرة، ومثال ذلك، القائد صلاح الدين الأيوبي، وما فعله في نهاية المطاف بمعركة حطين عندما إستعاد القدس من الصلبيين بعد معارك ومحاولات عديدة. ومن كثرت حديثنا عن القائد المُلهم، غرس في عقلنا الباطني أو في مخيلتنا، بأنه لا نصر لنا ولا فرج إلاّ بظهور قائد ملهم يتولى أمرنا، يشق لنا طريق النصر والتطور والإزدهار، حتى أصبحنا نتمنى أن يكون لنا حاكما مثل هذه الدولة أو تلك -أردوغان في تركيا مثلا-، أو نفرح بعودة حاكم حتى ولو بلغ من الكبر عتيا -مهاتير محمد أو كما يسمى أبو ماليزيا الحديثة- حيث عاد إلى الحكم وهو في سنّ الثانية والتسعون!!. وهكذا تفكر معظم الجماهير الإسلامية والعربية، بل وبهذا تؤمن، فلا إزدهار ولا تطور ولا تقدم إلاّ بظهور شخصيات مُلهمة تحقق ما عجز عنه الجميع، حيث نلمس هذا التفكير وهذا الإيمان من خلال نصرتهم لقادة أحزابهم، وعند حديثهم عن برامجهم الحزبية السياسية معتقدين بأنه لا نجاح للأمة إلاّ بتولي رؤساء أحزابهم المسؤولية!!. والحقيقة في هذا العصر الذي نعيش، لم تعد هناك مكانة للقائد المُلهم، فحتى لو وجدَ فستهزمه عراقيل كثيرة، لأن متطلبات الدولة كبيرة ومتشعبة. ولهذا فلا حل لنا للخروج من التخلف الذي نعيش إلاّ بإيماننا بالمؤسسة المُلهمة عِوَض تشبثنا وتطلعنا الذي طال إنتظاره للقائد المُلهم. بلدنا -إذا تحدثنا عن الجزائر مثلا- مشاكله كبيرة ومتعددة، تفوق طاقة أي قائد أو حزب أو سلطة، فلا حلّ إلاّ بمؤسسات قوية، تطبق وتحترم القانون، الكل تحته، مؤسسات تسيرها عقول ذكية مُلهمة، تخطط وتستشرف المستقبل، مؤسسات إذا غاب عنها أي فرد تبقى تؤدي عملها بإتقان وعلى دوام الساعة، مؤسسات قوية لا تزول بزوال الرجال، وبأي حال من الأحوال، لأن الرأي فيها للقانون، وللقانون وفقط.