صلاح الدين الأيوبي نموذج مميز للحاكم والقائد المسلم, ارتبط اسمه بالجهاد وتحرير القدس, وكان خليفاً بالإمارة, مهيباً, شجاعاً حازماً, مجاهداً كثير الغزو عالي الهمة, تقياً ورعاً. كردي ولد في تكريت سنة 532 ه, وتوفي رحمه الله بدمشق سنة 589 ه. قضى صلاح الدين حياته من غزوة إلى غزوة, يسارع للجهاد في سبيل الله ويهبّ لنجدة المسلمين وتطهير أراضيهم ومقاتلة المعتدين من الكفار, وهو أيضاً يهتم بجبهته الداخلية, ويوصي أنصاره بتقوى الله ويحثهم على الصبر والطاعة واجتناب المحرمات, وكان يوقن أن طاعة الله هي الطريق إلى النصر وأن مخالفة أوامره هي الطريق إلى الهزيمة. نقل الذهبي عن الموفق عبد أحد معاصري صلاح الدين قوله: أتيت وصلاح الدين بالقدس، فرأيت ملكاً يملأ العيون روعة, والقلوب محبة, قريباً بعيداً, سهلاً, محبباً, وأصحابه يتشبهون به, يتسابقون إلى المعروف كما قال تعالى: (ونزعنا ما في صدورهم من غلٍّ إخوانا), وأول ليلة حضرته وجدت مجلسه حافلاً بأهل العلم يتذاكرون, وهو يحسن الاستماع والمشاركة.وارتبط اسم صلاح الدين بالقدس, فهو الذي حرّرها من الصليبيين بعد معارك ضارية, وكانت معركة حطين سنة 583ه (1187م) التي قادها إحدى معارك المسلمين الخالدة. ومع كل هذا الإنجاز لم ترق هذه السيرة وهذا الجهاد لأعداء الله من الباطنية الإسماعيلية الذين كان دأبهم محاربة المسلمين وخذلانهم, ونصرة الكافرين وإعانتهم, وبدلاً من أن يوجهوا سهامهم إلى أهل الكفر والإلحاد, يوجهونها إلى أهل الإيمان والصلاح كما فعلوا ذلك بقتل الوزير السلجوقي نظام الملك عام 485ه وولده عام 500ه. وهذا ما أرادوه للسلطان صلاح الدين كذلك في أحد أيام سنة 571ه وأثناء حصار عزاز (وعزاز بلدة تقع شمالي حلب وفيها قلعة حصينة, وحاصرها السلطان ثمانية وثلاثين يوماً). يروي لنا ابن واصل قصة المؤامرة التي انبرى لتنفيذها ثلاثة من الباطنيين الذين جاءوا لقتل السلطان أثناء وجوده في خيمة أثناء حصار عزاز, وبدا عليهم الإصرار لتنفيذ جريمتهم فيقول: كانت لجاولي خيمة؛ وكان السلطان يحضر فيها ويحض الرجال, فحضر أفراد من الباطنية في زي الأجناد, فقفز عليه واحد وضربه بسكين، ولولا المغفر الزرد (لباس من حديد يحمي به المقاتل عنقه) الذي تحت القلنسوة لقتله، فأمسك السلطان يد الباطني بيديه, فبقي الباطني يضرب في عنق السلطان ضرباً ضعيفاً, والزرد تمنع, وبادر الأمير بازكوج فأمسك السكين فجرحته، وما سيبها الباطني حتى بضعوه. ووثب آخر فوثب عليه ابن منكلان فجرحه الباطنى في جنبه فمات, وقتل الباطني, وقفز ثالث فأمسكه الأمير علي بن أبي الفوارس فضمه تحت إبطه, فطعنه صاحب حمص ناصر الدين ابن أسد الدين شيركوه فقتله, وركب السلطان إلى مخيّمه, ودمه يسيل على خدّه, واحتجب في بيت خشب, وعرض جنده, فمن أنكره أبعده.هذه الحادثة لم تفل من عزم صلاح الدين شيئا، بل إنه بعد أن وثب عليه الإسماعيلية, ونجّاه الله منهم واستمر في جهاده وغزواته، فرحم الله القائد العظيم صلاح الدين.