سليمان: ضرورة وضع الإطار التشريعي لتطبيق المصرفية الإسلامية مهماه: احذروا من استعمالها لتمويل عمليات غير مشروعة دغمان: حان الوقت لإعادة النظر في سياسة الصرف نصيرة سيد علي أفرزت الأزمة المالية التي أعلنت عليها الحكومات الجزائرية المتعاقبة بعد انهيار سقف أسعار النفط في السوق الدولية مزيدا من التعقيدات مما أدى بالجهات المعنية إلى فرض سياسة التقشف، نتج عن الأخيرة تعطيل وتجميد إنجاز العديد من المشاريع وتأجيلها إلى حين، ومن أجل تدارك الأزمة لجأت الحكومة إلى اتخاذ العديد من الإجراءات لتمويل عجز الموازنة، ورغم الحلول المقدمة من الحكومة لتخطي المرحلة إلا أن الفجوة ظلت عميقة ومستمرة أدت إلى تردي سوق المال ولم تجد حلولا ناجعة تفي بإنهاء المشكلة. وفي هذا الصدد قدم مجموعة من الخبراء الاقتصاديون في تحليلهم ل "الحوار" جملة من الاقتراحات الجديدة لإعادة استرجاع الكتلة المالية المتداولة في إطار الاقتصاد غير الرسمي، بما يضمن التدفق المالي على الخزينة العمومية، والمفهوم السائد اليوم حول معنى القطاع غير الرسمي بأنه عبارة عن مجموعة من الأنشطة الاقتصادية التي تتحقق على هامش التشريعات الجزائية، والاجتماعية والضريبية، وبالتالي فهي أنشطة تفلت من حسابات المحاسبة الوطنية ومن السياسات الاقتصادية والاجتماعية. كل المحاولات لاستقطاب الكتلة النقدية فشلت فما الحل في السياق، قال الخبير الاقتصادي الدكتور ناصر سليمان، إن قضية استقطاب الكتلة النقدية المتداولة خارج البنوك، وخاصة في السوق الموازية كانت ولا زالت الشغل الشاغل للمسؤلين في السنوات الأخيرة، وقد فشلت كل المحاولات لاستقطابها، بدءاً بالتصريح الضريبي الطوعي مع دفع ضريبة مخفضة تقدّر ب 7 % ، إلى القرض السندي بتلقي عائد سنوي يتراوح بين 5 و 5.75 % ، ولا زالت الحلول التجريبية متواصلة. 4675 مليار دج تسير خارج أسوار المصارف سنة 2017 وتوقع سليمان أن لا حل إلا عن طريق تطبيق الإجراءات أو الخطوات وفي مقدمتها تحديد حجم هذه الكتلة كأول خطوة وبنك الجزائر يملك من الوسائل التقنية والعلمية ما يمكّنه من تحديد هذا الحجم بدرجة قريبة من الصحيحة، فقد لاحظنا تضارباً كبيراً بين الأرقام المصرّح بها من المسؤولين وآخر رقم أعطاه المحافظ الحالي لبنك الجزائر عن حجم الأموال المتداولة خارج البنوك هو 4675 مليار دج سنة 2017 بعد أن كان 4780 مليار دج سنة 2016، والرقم الأول منه مبلغ يتراوح بين 2500 إلى 3000 مليار دج متداول في السوق الموازية، وتسهيل عمليات الإيداع وفتح الحسابات وكذا السحب، والتخلي عن ظاهرة الاستعلام عن مصدر الأموال مع الزبون وهذا ما يسعى إليه بنك الجزائر من خلال تعليماته الأخيرة، إلاّ أنه للأسف لازالت هناك بنوك تضع العراقيل أمام الزبون، وكذا تفعيل القوانين المجبرة على التعامل بالشيك، والإسراع في تطبيق وسائل الدفع الإلكتروني، فعندما يكون الدفع إلكترونياً فقط في بعض الأماكن والمؤسسات يكون المواطن مجبراً على تغذية حسابه بالأموال في البنك أو البريد. فضلا عن ضرورة القضاء على سوق الصرف الموازية بتفعيل وفتح مكاتب الصرف للعملة، لأن تلك السوق يُتداول فيها مبالغ كبيرة من العملة الصعبة تُقدّر بحوالي 5 مليار دولار، وبالتالي فهي تستقطب جزءاً هاماً من الأموال بالعملة الوطنية، وضع الإطار التشريعي والقانوني لتطبيق المصرفية الإسلامية، ليس بفكرة الشبابيك الإسلامية داخل البنوك العمومية لأنها ستفشل حسبه، بل بمنح التراخيص للمزيد من البنوك الإسلامية والتي لا يوجد منها حالياً سوى بنكين من بين 20 بنكاً في الوطن، ولا تمثل المصرفية الإسلامية حالياً سوى 3 % من السوق المصرفية الجزائرية، التفكير في استبدال العملة الوطنية وهذا كآخر حل عند فشل جميع الحلول السابقة، لأن ذلك سيجبر كل الأموال المكتنزة على العودة إلى البنوك، ولكن هذا الحل لن ينجح إذا لم تتم الإجراءات السابقة لأن ذلك من شأنه أن يعيد الأموال المطبوعة من جديد إلى الاكتناز خارج البنوك، لأن هذه العملية مكلّفة للدولة فتكون تكلفة بلا مقابل. 3000 مليار دينار غير مستغلة في 2018 وبخصوص تقديرات حجم الاقتصاد غير الرسمي الجزائري حسب الدكتور بوزيان مهماه فهي متباينة تبايناً كبيرا في تقديرات العديد من الجهات ذات العلاقة بسوق النقد وكتلتها المتداولة ببلادنا، إذْ نجدها تتراوح بين 3700 مليار دينار (تقديرات 2015) و 2500 و3000 مليار دينار (تقديرات محافظ بنك الجزائر في شهر فيفري 2018)، لكن في اعتقادي بأن هذه الأرقام هي تقديرات تقريبية حدسية صرفة ولا تعكس الحجم الحقيقي لهذه الكتلة النقدية المتداولة خارج الأطر الرسمية وهذا يرجع إلى عدة أسباب موضوعية، منها ما هو مرتبط بطبيعة مدخرات الفاعلين الاقتصاديين أو الأسر وهي كتلة نقدية بالتأكيد مهمة جدا لما ننظر إلى الفارق الواقعي بين مداخيل الأسر ومصروفاتهم المتعاظمة، ومنها ما يتعلق أولا بعدم وجود تعريف منضبط للاقتصاد غير الرسمي ومشتملاته وتجلياته التحتية والبارزة في السوق. 30 % فقط من إجمالي الكتلة النقدية المتداولة عبر البنوك وأكد مهماه أنه وحسب التقديرات الرسمية والأكاديمية والسياسية تفصح كلها عن أرقام أعلى من ال 30 في المئة من إجمالي الكتلة النقدية المتداولة عبر الشبكة البنكية الوطنية. وهذا ما يعطيها الأهمية بمكان في أي مسعى لتحديث اقتصادنا والتفطن لمكامن القوة في "الجانب غير الرسمي". ومن هذا المنظور يمكننا تكوين صورة جليّة لحجم الخسارة التي يتكبدها اقتصادنا سنويا مع استمرار وجود "اقتصاد موازٍ" ينحى نحو التخفي أكثر من الرسمية، فالمشكلة ليست البتة في "لا رسمية النشاط الاقتصادي" فهذه ظاهرة عالمية، بل الخطورة في "التخفي" و "عدم تأطير الدولة وأجهزتها الناظمة والمراقبة له" و "انعدام الحماية الاجتماعية للعاملين على الهامش" و "استحالةُ مراقبة جودة ما يتداول في هذه الأطر غير الرسمية" و "استحالة معرفة مصادر السلع والمنتجات والأموال"، و "اتساع هوامش النشاطات ومظاهرها وتعاظمها حجما وامتدادا وأثرا". فأكبر خطر على بنية الاقتصاد وعلى الكيان الاجتماعي للأمة هو وجود كتلة نقدية ضخمة ومتعاظمة لا تخضع لرقابة الجهاز المالي والمحاسبي الرسمي وبإمكانها الانفلات في أية لحظة لتمويل عمليات غير مشروعة أو نشاطات مضرة بالاقتصاد أو المجتمع أو مؤسسات الدولة، وأيضا بإمكانها تحدي سلطة الدولة وإفقادها أي قدرة على التدخل لموازنة الأسواق سواء من خلال ممارستها الاحتكار أو افتعالها الندرة، ناهيك على ما تفقده الخزينةُ العمومية من عوائد، فما يخسره الاقتصاد الوطني سنوياً جرّاء التهرب الجبائي وفقا لأقل التقديرات تشير إلى أنه يتجاوز ال 3 مليار دولار. إدراج المعاملات الإسلامية ضرورة ومن هنا يكمن التحدي الكبير أمام البنوك لاستحداث آليات مبتكرة لجلب هذه الكتلة النقدية المتداولة لشبكة الاقتصاد الرسمي، من بناء الثقة، وهذه الثقة لها بعد مالي يتمثل في استقرار المنظومة المالية من خلال مؤشرات موثوقة ويمكن التحقق من صلابتها ومتانتها في المدى المنظور، والبعد الآخر للثقة ذو طبيعة معنوية ترتبط بقناعات الأفراد الدينية أساسا، ولذلك نجد بأن إدراج التعاملات المالية الإسلامية ضمن المنظومة البنكية والخدمات المالية والمصرفية الوطنية ضروري بل وملح. لحماية الثروة المملوكة لدى الخواص يرى مهماه الحل في يد الدولة من خلال إقرار مدونات النشاطات ودفاتر الأعباء وإجبارية الفوترة وإلزامية التقييس والمعايرة، وإقرار الدفع الإلكتروني وتعميمه، وتقديم ضمانات حقيقية لحماية الثروة المملوكة لدى الخواص، فكل الاجراءات ينبغي أن تصب في بناء الثقة بين فواعل منظومتنا الاقتصادية وتعزيزها وحماية الحقوق والمتلكات وتشجيع حرية المبادرة والتملك وتوسيع الثروة والربح المشروع، والإعلان عن منظومة استثمارية مجدية تقوم على تخطيط واستشراف وعمليات واضحة المعالم ليأتي في النهاية الإجراء المحتوم وهو تغيير العملة من خلال حذف صفرين، لتصير ال 10 دج هي الوحدة الأساسية للتداول في السوق. هكذا سنخلق الميكانيزمات الجديدة للقضاء على الاقتصاد غير الرسمي أوضح الخبير الاقتصادي الدكتور دغمان الزوبير أن العامل الرئيسي لظهور الاقتصاد غير الرسمي راجع لاحتكار كل شيء من قبل الدولة، لأن سياسة الاستيراد خاضعة لما يسمى بالترخيص الإجمالي، فهذه العوامل أدت إلى ظهور سوق مواز للصرف مما أدى إلى التسارع الكبير في مجال تحرير الأسعار وتدخل البنك المركزي في تحديد سعر الصرف عن طريق جلسات التسيير مع البنوك التجارية، ومن بين الأسباب الهامة والرئيسية التي تؤدي إلى ظهور سعر الصرف الموازي مع قلة وندرة العملة الصعبة فيصبح البنك المركزي عاجزا عن تلبية رغبات طالبي العملة الصعبة الأمر الذي يدفع الراغبين في الحصول عليها بشرائها بأعلى سعر ممكن الشيء الذي يشجع مالكي هذه العملة من بيعها في السوق الموازي بدلا من السوق الرسمي، حيث عرف سعر الصرف الموازي ارتفاعا تدريجيا ابتداء من سنة 2016 نسبة تخفيض العملة ب 30% إلى يومنا ومعرضة إلى الارتفاع المتزايد وذلك لكثرة التعقيدات المفتعلة من طرف البنك المركزي من خلال عدم اتباع البنوك التجارية سياسة تسمح للمتعاملين الاقتصاديين بالحصول على العملة الصعبة باللجوء إلى ما يسمى بالقروض المستندية لتمويل التجارة الخارجية الأمر الذي زاد من الطلب عليها في السوق الموازية، وكذلك اختفاء بعض السلع التي كانت منتشرة في السوق الوطنية مما زاد من الطلب على العملة الصعبة في السوق الموازية، إذ يلاحظ أنه في سنة 2018 الحكومة بدأت تفكر في كيفية إمكانية دمج البنوك للكتلة النقدية المتداولة في إطار الاقتصاد غير الرسمي وذلك من خلال تبني سياسة نقدية ومالية في نفس الوقت تعتمد على تغيير الآليات والميكانيزمات في التحكم والرقابة والمراقبة الآنية واللاحقة للقضاء على اختلال التوازن بين العرض والطلب النقدي وكذلك السعي وراء القضاء على اختلال التوازن بين الصادرات والواردات فكل هذه النقائص أدت إلى ظهور وبصفة عفوية إلى اقتصاد مواز، كما ستوجب على الدولة أن تتبع سياسة تنموية مبنية على اقتصاد السوق والتي تؤدي إلى زيادة الطلب بسرعة على العمل، والعمل على رفع الإنتاجية ومنح التسهيلات المادية والمعنوية للأشخاص الذين يريدون الاستثمار في الزراعة في الجنوب الجزائري خاصة مع تحرير التجارة الخارجية وفتح المناطق الحرة هي من أساليب القضاء على الاقتصاد الموازي وتشديد المراقبة والحراسة على الشريط الحدودي ووضع ميكانزمات تجارية جديدة تسودها الشفاهية والمنافسة بإمكانها التقليل من ظاهرة الاقتصاد غير الرسمي.