* دعوة لتغيير شكل الدينار وفئاته لامتصاص الكتلة النقدية الهائلة المتداولة خارج النظام المالي الرسمي تتصاعد أصوات الخبراء المنادية بفكرة تغيير العملة المحلية في الجزائر لحل معضلة احتواء الكتلة النقدية المتداولة في السوق الموازية، والناجمة عن مشكلة أكبر وأعقد وهي غياب الثقة في المنظومة البنكية المحلية.
وبدأت الفكرة حين طرح وزير الطاقة الأسبق شكيب خليل في محاضرة قدمها عبر الفيديو جملة من الاقتراحات لإخراج اقتصاد الجزائر من أزمته. وكان من بين تلك الخطوات التي وصفها بالجريئة ”إصدار دينار جديد”، ويراها الحل الأمثل لاحتواء الكتلة النقدية المتداولة في السوق الموازية، والتي تعد إحدى أهم معضلات الجزائر الاقتصادية، والناتجة عن غياب الثقة في المنظومة البنكية المحلية. ويتحدث خبراء اقتصاد آخرون عن أموال بالسوق الموازية تفوق قيمتها 58 مليار دولار. واستنادا إلى أرقام الجمعية الوطنية للاقتصاديين الجزائريين فان نسبة الكتلة النقدية المتداولة في السوق الموازية تناهز 45٪. ليست بدعة جزائرية ورغم إطلاق الحكومة حزمة من الإجراءات للقضاء على مشكلة السوق الموازية، كمنح امتيازات ضريبية لأصحاب الأموال المجهولة المصدر لضخها في البنوك، وتحويل تلك الأموال إلى أموال شرعية، غير أن الخطوة لم تأت بنتائج مشجعة ما دفع إلى التفكير في دعوات إصدار عملة جديدة. ويرى الخبير الاقتصادي الجزائري الدكتور نور الدين جوادي أهمية الإشارة إلى أن فكرة حذف الأصفار من العملة الوطنية، ليست بدعة جزائرية، فهي آلية اقتصادية قديمة ومعروفة، ولجأت إليها الكثير من الدول، آخرها بوليفيا التي حذفت 3 أصفار من عملتها العام 2008، وسبقتها إلى ذلك السودان العام 2007 عندما تم حذف صفرين، وقبلهم زمبابوي العام 2006 والتي ألغت 3 أصفار من عملتها، ورومانيا وتركيا اللتين حذفتا 4 و6 أصفار من عمليتهما على الترتيب العام 2005. وتعني فكرة إصدار عملة جديدة باللجوء إلى حذف الأصفار من العملة الحالية، بحيث يصبح الدينار الجديد مساويا لعشرة دنانير قديمة أو مائة دينار قديم مثلا، دون إحداث تغيير في الحجم النهائي لكتلة النقود الموجودة. بما يمكن من إدخال النقد الموازي إلى الدائرة البنكية ويقضي على التضخم والتزوير وفق رؤية الوزير السابق شكيب خليل. ووفقا لخبراء المالية فإن تغيير العملة لا يرتبط بسياسة رفع العملة، وهو الإجراء الذي تقوم به الحكومة لزيادة قيمة عملتها عن طريق تعزيز رصيد الذهب، أو تغيير الوزن المرجعي للعملات الأجنبية مقابل العملة المحلية. ويتابع جوادي أنه من الناحية الاقتصادية، بالنسبة للجزائر، مع معدل تضخم تجاوز 5.5 بالمئة، وفي ظل قدرة شرائية جد متدنية للدينار والمواطن، فكرة حذف صفر من الدينار الجزائري، تمثل طرحا جد مقبول ومفيد، سيمنح الحكومة والشعب الجزائري مزايا اقتصادية، اجتماعية، سياسية وأمنية كثيرة، نحن في أمس الحاجة إليها في الوقت الراهن. ويشدد الخبير والأستاذ الجامعي بجامعة الوادي أنه على المدى القصير، أثر العملية ليس جلياً جداً، ولكن هذا لا ينفي الاستفادة منها كبند ضمن إستراتيجية تنموية شاملة للاقتصاد الوطني، خاصةً إذا ما دُعمت بقرار تغيير شكل الدينار وفئاته كآلية لامتصاص الكتلة النقدية الهائلة التي تتداول خارج النظام المالي الرسمي، مع ضرورة تحويل الإيداعات النقدية إلى حسابات رقمية، وتعميم التبادلات الإلكترونية. وللعملية أثر سيكولوجي جد مهم أيضا، بحيث سوف يشعر المواطن بما يشبه انخفاضا في الأسعار، حسب جوادي، وتَحسن كبير في القدرة الشرائية، وفي سعر صرف الدينار، وهو شعور مهم اقتصادياً يؤدي إلى زيادة الثقة في العملة الوطنية، ويتسبب في تغيير نمط الاستهلاك نحو زيادة الطلب الفعال على السلع والخدمات ورأس المال، ما يشجع الاستثمارات ويحفز التجارة، ويُحسن الأداء العام للاقتصاد الوطني. وأيضاً هو شعور له تأثيرات جد إيجابية على مستوى تهدئة الجبهة الاجتماعية، وكسب مكاسب سياسية وأمنية جمة، تدعم الاستقرار العام للدولة. ويحتل الدينار الجزائري المراتب المتأخرة على المستوى العالمي، من حيث قيمة العملة في سوق الصرف، فيعتبر الأقل قيمة من بين الدول المغاربية، على الرغم من أن الجزائر تعتبر الأغنى من بينها على الصعيد الاقتصادي، سواء من حيث الثروات من المواد الطاقوية الخام أو الإمكانيات في مجال الفلاحة والسياحة والقطاعات الأخرى. ولكن عاد الدكتور جوادي ليؤكد أن عملية حذف الأصفار لن تؤتي أكلها إلا في ظل مناخ اقتصادي متكامل، أقل ما يجب أن يتوفر فيه هو: عملية تحرير ورقمنة كاملة للقطاع المالي، والقضاء على سوق الصرف الموازية. ومتابعا ل”الفجر” أن التنمية المستدامة لن تأتي بشطب صفر أو صفرين من الرقم المدون على الدينار، ولنكن موضوعيين قوة العملة هي من قوة الاقتصاد لا من عدد الأصفار المرقونة عليها، وقوة الاقتصاد تحتاج إلى الاستغلال الأمثل للموارد المتاحة، ومن أهمها المورد البشري (الكفاءات والشباب) وإقحامها بقوة في مراكز صناعة القرار وتنفيذه. خصائص غائبة ويتفق مراقبون آخرون مع ما ذهب إليه جوادي بحيث يكون استبدال العملة بوقوع تضخم جامح وفي فترة استقرار اقتصادي، وهو ما لا ينطبق على حال الجزائر التي تعيش فترة انخفاض أسعار النفط، ما سيولد قلقا كبيرا ونظرة غير مستقرة للاقتصاد. أما العامل الآخر فهو استقلالية البنك المركزي ولا يختلف اثنان على أن بنك الجزائر لا يتمتع بخاصية الاستقلالية وهذا بإجماع الخبراء. ويستند الخبراء في تحليلاتهم حول نجاعة الخطوة من عدمها إلى دراسة للباحثة الأمريكية، لينا موسلي، من جامعة نورث كارولينا، حول حذف الأصفار من العملة، من ضمنهم الخبير الجزائري الدكتور سي محمد كمال ويقول أنه في نفس دراسة موسلي فهناك دول قامت باستبدال عملتها أكثر من 5 مرات كالبرازيل، وهناك 4 مرات كالأرجنتين إلى غاية أن وصلت في المسح الذي أجرته إلى أن هناك 19 بلدا قام بعملية استبدال مرة واحدة، ولكنه في كل دراسة لأي دولة تطرقت لها، فإن الدول التي قامت باستبدال عملتها عرفت تضخما جامحا. وهو العنصر الذي لا تتوافر عليه الجزائر وفق سي محمد، مقرا أن التضخم الفعلي لا يوافق التضخم المعلن عند مستوى 5٪ كما تقره الحكومة الجزائرية وهذا راجع لعدة عوامل، من أهمها طريقة حساب معدل التضخم نفسه في الجزائر وهذا موضوع آخر، ولكن في نهاية الأمر التضخم في الجزائر ليس تضخما جامحا. كما يضيف في تصريح ل ”الفجر ” أن الاقتصاد الجزائري يتمتع بخصائص يمكنها أن تؤجل عملية إطلاق دينار جديد أو تعدم فرصة استحداث دينار جديد، وهي أن إمكانية إطلاق دينار جديد سيؤدي إلى دخول كل الكتلة النقدية إلى الدائرة المصرفية قصد تحويل العملة القديمة إلى دينار جديد، ولكن في نفس الوقت وبمجرد الانتهاء من عملية التحويل سيخرج جزء من تلك الأموال بدورها إلى السوق الموازي النشط في الجزائر( في ظل غياب بيوت تحويل العملة وفق ما تنص عليه تعليمة رقم 96-08 بتاريخ ديسمبر 1996 المعنية بإنشاء واعتماد مكاتب الصرف) والذي سيحدث مضاربة على الدينار الجديد ستؤدي لا محالة لانخفاض قيمته نتيجة الطلب على الدولار والأورو في نفس الوقت، لأن السوق الموازية في الجزائر تتمتع بعملتين نشيطتين على عكس الأسواق الموازية في دول الأخرى التي تعرف فيها هيمنة عملة واحدة فيما يعرف ب”الدولرة”، وهذا راجع لطبيعة هيكل التجارة الخارجية في الجزائر صادرات بالدولار وواردات بالأورو. ويشدد الخبير الجزائري أنه سيكون من الصعب على الحكومة إتلاف العملة القديمة تقنيا لضخامتها 200 مليار دولار حجم الاقتصاد، ناهيك عن النقود المزورة والتي تنخر الاقتصاد النقدي والذي سيكون من الصعب محاربتها (غسيل الأموال)، ودون أن ننسى كلفة إتلاف النقود القديمة وإنشاء وطبع نقود جديدة والبلاد بصدد مواجهة أزمات مالية خانقة تمر بها.