نصيرة سيد علي طفت إلى سطح الحياة الاقتصادية سنة 2018 العديد من الاحداث الاقتصادية التي طبعت الاقتصاد الوطني، سنة كان يفترض أن تكون سنة إقلاع اقتصادي وتنويع اقتصاد، والبحث عن سبل للابتعاد عن الاقتصاد الاوحادي الذي يعتمد بنسبة 98 بالمئة على البترول، من خلال الفلاحة، السياحة والصناعة، لكن النتيجة كانت تختلف بشكل كبير عن ما كان مقررا، ولعل تعافي أسعار المحروقات جعل الحكومة تعود إلى سياساتها القديمة، خاصة مع توسعها الكبير في الاقتراض الداخلي من خلال التمويل غير التقليدي الذي فاق كل التوقعات. هل نجح رهان خلق المؤسسات وجلب الاستثمار ؟ فيما يخص الرهان الحكومة على التوسع في انشاء المؤسسات الصغيرة والمتوسطة من خلال نظام المناولة خاصة في قطاعات محددة كالصناعات الميكانيكية والحديد والصلب، البيتروكيماوي، إلا أن الواقع أكد أن الجزائر لا تزال بعيدة عن حلم جعل المؤسسات الصغيرة والمتوسطة عصب الاقتصاد الوطني، فلم يحقق الاستثمار الاجنبي القفزة المرجوة منه، والذي أرجعه أكد الخبير الاقتصادي الدكتور هارون عمر في تصريحه ل ” الحوار” إلى قانون49/51 الذي أجمع الكل على عرقلته لمجال جلب الاستثمارات الاجنبية، وهو ما أكده العديد من الشخصيات الأجنبية التي زارت الجزائر على غرار ميركل، وزيارة للوفد السعودي إلى الجزائر، كما يأمل العديد من رجال الاعمال الأجانب زوال هذه العقبة من أجل اقتحام السوق الجزائرية، بالإضافة إلى التقارير الدولية، التي صنفت الجزائر في المرتبة 157 في تقرير الاعمال لمنتدى الاقتصادي التابع للبنك الدولي من اجمالي 190 دولة، كما أقرت الاممالمتحدة أن الجزائر تحتل المرتبة 111 من اجمالي 151 دولة في الدفع الالكتروني ضف الى ذلك مراتب متدنية في تقارير الفساد الدولي، كل هذا يقول هارون أضر بجاذبية الاقتصاد الجزائري وجعل الاستثمارات المستقطبة مخيبة للآمال. المقاولاتية حلم يحتاج للمزيد من الوقت كثر الحديث في الأوينة الأخيرة حول المقاولاتية وقدرت هذا التوجه على خلق قيمة مضافة في الاقتصاد الوطني، إلا أن أسباب عدم تفعليها حسب الدكتور هارون راجع إلى غياب رؤية واضحة في المجال وعدم مرافقة الجهود المبذولة على المستوى الجزئي من خلال سياسات كلية مرافقة في البحث العلمي، التعليم، التحول التكنولوجي، الابتكار جعل المقاولاتية تراوح مرحلة ترسيخ هذه الثقافة خاصة مع ضعف البنية التحية خاصة في ما يتعلق بالانترنت والدفع الالكتروني، واقع حول المؤسسات الابداعية والابتكارية يضيف المتحدث ذاته إلى ما يشبه الرفاهية التي لا يمكنها تحقيق الطفرة المرجوة منها، خاصة وأن التوجه المقاولاتي لم يرافقه برنامج عمل ملموس إلا من ما هو موجود في الجامعات من دور مقاولاتية وبعض المعارض، فلا حاضنات أعمال ولا مسرعات أعمال ولا مستثمرين راغبين في تمويل مشاريع الشباب، والذي في أغلبه يلجأ لهيئات الدولة التي لا تمول مشروعه إلا بعد خروجه من الجامعة مع العديد من الصعوبات التي تعترضه .
تقييد الاستيراد خيار لم ينجح وفيما تعلق بقرار حظر استيراد 851 منتوج من الخارج، الذي تهدف الحكومة الحكومة فيه هو تشجيع كل ما هو محلي من أجل خلق قيمة مضافة داخلية، وحماية النتوج الوطني، الأمر الذي خلق نقاش كبير مع المتعاملين الاقتصاديين خاصة الاوروبيين حيث هددت بعض الدول بفسخ عقودها مع الجزائر في مجال توريد الغاز والنفط إن أصرت الجزائر على قرارها، كما تعالت الاصوات المتعلقة بموقف الجزائر من الانضمام لمنظمة التجارة الدولية وهو ما جعل القائمين على الاقتصاد الوطني يتراجعون على هذا القرار ويعودون إلى ما كان قبله .وهو ما جعل العديد من المنتجات التي كانت المؤسسات الجزائرية تخطط لإنتاجها محليا تصبح حلم في ظل عدم القدرة على منافسة السلع القادمة من الخارج . رفع الدعم عن المواد الأساسية مؤجل إلى.. ! صرح وزير المالية من اجتماع في دبي أن الحكومة لن تقدم أي دعم مباشر عام للمواطنين بداية من 2019 وأن الدعم سيكون لمستحقيه من خلال آليات وطرق جديدة، وهو الأمر الذي أحدث الكثير من البلبلة والنقاش في الاوساط العامة والاقتصادية، ليخرج الوزير الأول ويؤكد أن عملية تغيير نمط تقديم الاعانات سيأخذ وقت وأن ورشات العمل المفتوحة في هذا الاطار تبقى غير جاهزة وتحتاج للمزيد من الوقت وهو ما جعل الحكومة تخصص في قانون المالية ل 2019 أكثر من 1700 مليار دينار جزائري
فتح رأس مال المؤسسات الوطنية ممنوع بأمر رئاسي وحول قرر الوزير الأول الحالي فتح رأس مال المؤسسات الصغيرة والمتوسطة العمومية خاصة في مجال الخدمات، وبدأت عملية تقييم اصول هذه المؤسسات في المجلس الوطني للاستثمار وحددت المؤسسات المعنية ورجال الاعمال المعنيين بعملية الدخول في رأس مال هذه المؤسسات وهو ما كان سيجعل أغلب المؤسسات العمومية في يد الخواص في أكبر عملية بعد تلك التي عرفتها الجزائر في تسعينات القرن الماضي بعد توصيات صندوق النقد الدولي، إلا أن العملية هذه يقول هارون تم إنقاذها بعد تدخل رئيس الجمهورية من خلال أوامر واضحة قضت بتوقيف العملية التي كانت بصدد تغيير وجه الاقتصاد الوطني الى الأبد .
بين طبع النقود وتآكل الإحتياطي ! اقر بنك الجزائر من خلال رئيسه بأن حجم التمويل غير التقليدي هذه السنة كان 4005 مليار دولار، وهو مبلغ كان متوقعا أن يطبع في حدود 5 سنوات حيث بلغت الأموال المطبوعة ضعف العجز المتوقع السنة الحالية والذي كان في حدود 21 مليار دولار، وفي هذا الإطار أكد المتحدث ذاته أن ذلك يعني أن آلية طبع النقود من خلال التمويل غير التقليدي تبقى تشكل خطر كبير على الاقتصاد الوطني وإن كانت الحكومة قدمت تطمينات أن البنك المركزي سيسترجع هذه الأموال على أمد يتراوح بين 05 و 30 سنة بنسبة فائدة قدرت ب 0.5% إلا أن شكون كبيرة تبقى تحوم حول الموضوع خاصة بعد تراجع احتياط الصرف الى 82 مليار دولار وهو مبلغ قدر أطراف حكومية أنه سينتهي بحلول 2021 مما يزيد من تعقيد الوضع المالي للحكومة والجزائر، ورغم كل ما طبع تسعى الحكومة قبل نهاية السنة لإضافة 118 مليار دولار وهو ما يجعل حجم الاقتراض الداخلي في مستوى خطير . خليها تصدي، وعي مستهلك أم ضعف القدرة الشرائية كانت سنة 2018 كانت سنة الصناعات الميكانيكية بدخول عدد كبير من العلامات للتصنيع وتراجع أسعار السيارات بشكل كبير بعد أن أقرت وزارة الصناعة ضرورة توضيح أسعار خروج السيارات من المصانع وهو ما جعل الأسعار تتراجع في حدود 30% واقع زاده دخول عدد كبير من المركبين للساحة وفتح الوزارة للمجال بعد أن حصل لغط في الموضوع ليصبح عدد التصاريح المقدمة في حدود 40 تصريح لتركيب السيارات، ليبقى رهان الوزارة هو التوجه نحو نسب إدماج أكبر وفق دفتر الشروط الجديد، واقناع المستهلكين بالجهود المبذولة خاصة أن حملة خليها تصدي خلق جمود كبير في أسواق السيارات الجديدة والمستعملة ولم يتراجع هذا الجمود إلا بتراجع أسعار السيارات وعودتها إلى مستويات مقبولة، لأن في السابق يقول هارون جعل حلم اقتناء السيارة أو الاحتفاظ بها يكلف العائلة الجزائرية الكثير وهو الأمر الذي جعل العديد من العائلات تتراجع عن هذا الخيار وتتخلى عن تواجد السيارة خاصة أن تكاليفها أصبحت تشبه مصاريف فرد من العائلة إن لم تكن أكبر . هل تعود السياسة النقدية للعمل ؟ وحول السياسة النقدية التي طبعت سنة 2018 ، قال هارون أن بنك الجزائر أصدر حزمة من القرارات المالية التي مست عديد القطاعات على غرار اجبار البنوك والمؤسسات المالية على رفع رأسمالها على سنتين، بالضعف بالإضافة الى اقرار الصيرفة التشاركية أو ما كان يعرف بالمعاملات الاسلامية في البنوك يضاف الى ذلك اقرار ثلاث عمالات جديدة في فئة 100 دج و 500 و 1000 دج وهي أنظمة قد تحرك السوق المالية مع بداية السنة الجديدة، قرارات يضيف ضيف ” الحوار” قد تحرك السوق النقدية التي عرفت آلياتها جمودا وتحجيما كبيرين خلال السنة الحالية بالمقارنة مع السياسة المالية التي أصبحت المسيطرة من خلال تغول الخزينة العمومية على بنك الجزائر، من خلال قرارات ادارية لتسيير مختلف الحالات التي اعترضت الواقع الاقتصادي الجزائري . الصيرفة الاسلامية نظام مع وقف التنفيذ ! لعل العديد من المتابعين يراهنون على نظام الصيرفة التشاركية لتحريك عجلة الاقتصاد وجمع الكتلة النقدية من السوق السوداء، وهو ما لا أراه هارون صائبا خاصة أن مكتنزي المال لا يفعلون ذلك لأسباب دينية بل الأمر متعلق بضعف الجهاز البنكي في الجزائر، ولعل بنود النظام الجديد تبقى ضبابية فيما يتعلق بالهئية التي ستشرف على المصادقة على المنتجات المالية التشاركية، هيئة تركها بنك الجزائر للتنظيم وهي التي ستكون في الغالب مستقلة تشمل أفراد من المجلس الاسلامي الاعلى، بنك الجزائر وبعض الشخصيات المستقلة ذات كفاءة، مما يجعل تطبيق هذا النظام مرهون يقول هارون بالافراج عن هذه الهيئة وهو ما قد يعطل انطلاق المنتجات الاسلامية في البنوك العمومية . أوراق وقطع نقدية جديدة، لماذا ؟ وتأتي مرجعية تغيير شكل القطة النقدية من صنف 100 دج والاوراق النقدية من صنف 500 و 1000 دج حسب الخبير نفسه في اطار الاستجابة لمعايير الامان في الاوراق المالية القديمة التي أصبحت حاليا اقل أمنا من تلك المتداولة حديثا حيث ان القديمة أصبحت سهلة التزوير وهذا ما أثبتته عديد الحالات مما اجبر بنك الجزائر على إدخال أوراق جديدة ذات نقاط أمان أكثر صعبة التزوير كما أن الأوراق النقدية السابقة تعرضت للعديد من الانتقادات الشعبية كونها لا تحمل أي دلالات تاريخية أو جغرافية واضحة حيث ان ورقة 1000 دج جزائري تلقب بين العامة ب ” الطورو” وهي كلمة تعني الثور وهو حيوان لا يرى الجزائريين انه يمثلهم او يمثل تاريخهم في حين أن الأوراق الجديد ستحمل رموز وطنية كمسجد الجزائر الجديد، صورة الامير عبد القادر، والقمر الصناعي الجزائري الكوم سات1، بالإضافة إلى إصدار قطعة 100 دج بالامازيغية. وطبعا لن يتم سحب الاوراق القديمة من التداول بل سيتم تداولها بمصاحبة الأوراق والقطع المتداولة حاليا، حيث يطبع البنك بشكل دوري اوراق جديد وفق التمويل غير التقليدي الذي لا يزال متواصلا للسنة الثانية كما يعوض بنك الجزائر الأوراق البالية والرثة من خلال سحبها وطبع اوراق جديدة محلها، حيث لم يحدد النظام المنشئ للأوراق الجديدة أي تاريخ لسحب الأوراق القديمة ، عملية لن يكون لها أي تأثير اقتصادي كون الجزائري فتحت عملية طبع النقود دون مقابل من خلال التمويل غير التقليدي وطبعت 4005 مليار دينار خلال سنة واحدة، لكن قد يجلب طبع هذه الأوراق رضا شعبي عليها بعد صدورها كونها تحمل رموز وأشكال جزائرية عكس ما كان سابقا . استمرار انهيار سعر النفط سيدخل الجزائر في أزمة عرفت أسعار البرميل في السوق الدولية انهيار محسوس، ولعل أكبر مخاوف الاقتصاد الوطني مع نهاية سنة 2018 و التي سيحملها معه للسنة القادمة إنهيار أسعار النفط من متوسط بلغ 85 دولار للبرميل إلى مستوى لامس السعر الذي بني عليه قانون المالية للسنة القادمة وهو 50 دولار للبرميل وهو الأمر الذي إن بقي او تراجع سيجعل الجزائر في حالة مالية سيئة، قد تدفعها لفقد احتياطها النفدي في مدة أقل من تلك المتوقعة ويجعل آثار التمويل غير التقليدي تظهر بسرعة أكبر على مستوى العام للأسعار يقول هارون .
مشروع “ايفكون” الرهان القادم إن توطين تكنولوجيا مشروع “ايفكون” حسب ما أكد الخبير الطاقوي الدكتور بوزيان مهماه مرهون بالتوسع في الصناعات البتروكيميائية فحين نستحضر مثلا مشروع “ايفكون” لشركة سيفيتال والتقنية الجديدة التي تريد توطينها بالجزائر والتي أثارت جدلا كبيرا ولغطا متزايدا، وكما وصفها مالكها الحصري يسعد ربراب بأنها تقنية ثورية وسوف تكون البديل الحقيقي للتصدير خارج المحروقات وحتى أنه قدم أرقاما حول عائداتها من العملة الصعبة بأنها ستفوق ال7 أضعاف إجمالي ما نصدره حاليها خارج المحروقات، ينبغي أن أشير هنا إلى عنصر هام متعلق بهذه التقنية الواعدة لتحلية ومعالجة مياه البحر والتي ستوفر مياه عالية النقاوة تُستخدم في أدق الصناعات المتطورة كالصناعات الصيدلانية، فهذه التكنولوجيا التي تعتمد تقنية “التقطير الفراغي الغشائي المتعدد التأثير” بإستخدام أغشية فارزة نافذة لبخار الماء فقط ومقاومة لمرور السوائل كالماء وكذلك مختلف الأجسام الصلبة مهما كانت صغيرة، هذه الأغشية مصنوعة من سلاسل “البولي تيترا فليورو إيثيلان” ومن رقاقات “البولي بروبيلين”، وهي بحاجة إلى تغيير وتجديد من ال 2 إلى 5 سنوات حسب نوعية الإستخدام وطبيعة سيرورته، ومن هنا ندرك يقول مهماه بأن إستدامة هذا المشروع الصناعي الذي يوصف بالثوري يقوم أساسا على منتجات البتروكمياويات، وإلا ففي غياب منتجات البوليميرات المستخلصة من الصناعات النفطية، فستتوقف هذه الصناعة نهائيا بعد الخمس السنوات الأولى من بدء عملها. ولعل من المهم استخلاص حقيقة أساسية من هذا التوضيح، بأننا إذا أردنا تطوير صناعة رائدة مثل هذه نجد أنفسنا بحاجة ماسة إلى توفير البوليميرات وهذه تحتاج إلى التوسع في الصناعات البتروكيميائية، كما أن هذا التوسع بحاجة إلى إنتاج كافي من المحروقات، وهذا يحتاج إلى تعزيز إحتياطاتنا من خام النفط والغاز والرفع من حجومها القابلة للإستغلال، في النهاية نجد بأن النهج السليم يقتضي بناء منظومة متكاملة من الصناعات، تكون فيها المحروقات داعمة لمسعى التنويع في صادراتنا وليس التخندق في رواق مسدود ينادي بالتخلي عما لدينا من موارد باطنية أحفورية، بل من الحكمة ومن الرشادة أنه ينبغي التوجه نحو تخطيط الإستغلال الأمثل لها، وتثمينها بدلا من بيعها كخامات، إضافة إلى دعم وتطوير البحث العلمي في تكنولوجيات الأغشية (membranes) وإستخداماتها المتطورة (المياه، الطب، خلايا الوقود، …).