بقلم: الإعلامي حمدوش.م الخطاب، أزمة النفط و وباء كورونا.. قواسم مشتركة يقال أن الأزمة تلد الهمة، فهل ينطبق القول على وضعنا و تولد الهمة..؟ سؤال جدير بالطرح لكن كيف للجزائر و في هذه الفترة العصيبة وهي تمر بمنطقة إعصار وعواصف كما يحلو القول لدى الطيارين، أن تبقى تنتظر من ينقذها من متاهات الأعاصير و ارتدادات الهزات الاجتماعية و الإقتصادية التي زادتها آفة كورونا تعقيدا؟ وهي أمام سانحة تؤهلها للأن لوثبة جديدة لو أحسنت استغلالها؟ هذه العواصف الهوجاء المتمثلة في التجاذبات السياسية و الأزمة الإقتصادية و الجائحة الوبائية و التي التقت فيما بينها في نفس الزمان و المكان لتتحالف في جوانب عدة و تتنافر في أخرى، هي نفسها تحمل بذور الوثبة، ففي خضم هذا التنافر السياسي الذي تعيشه الجزائر و على وقع الحراك الشعبي الذي اندلع في 22 فيفري 2019 لإسقاط مخطط العهدة الخامسة و المندفع نحو تغيير نمط نظام الحكم السائد و وضع حد للفساد المستشري في دواليب الحكم و الذي تحول و بمرور الأسابيع الى مشروع مجتمع انتهى به المطاف بتنيهه من طرف جل الطبقة السياسية و على اختلاف توجهاتها و إديولوجياتها و باركته القيادة الوطنية من خلال رئيس الجمهورية و تعهده بتحقيق مطالب الحراكيين و المضي بالجزائر دولة و شعب نحو جمهورية جديدة تكفل العيش الكريم و العدل و المساواة للجميع و محاربة الفساد و الفاسدين، و رغم التعهدات و توالي التصريحات الا أن قطار الحراك لم يتوقف و لأسباب موضوعية يعلمها العام والخاص، فبعد عهود من الوعود الكاذبة و السياسات الخاطئة و الممارسات المشينة التي وصلت حد الإهانة، إهانة وطن بكامله من خلال تصريحات لمسؤولين ساميين في الدولة نالت من كرامة الوطن وشموخه و لم تبقي للنظام ذرة ثقة بينه و بين المواطن، هذا الانعدام للثقة الذي يعبر و بمرارة عن المخاطر التي تحدق بالدولة و الأمة من الداخل قبل الخارج بل أخطر من المخاطر الخارجية لكون اللحمة الوطنية أغلى ما للأمة من عضد فتشتتها قل السلام على كيانها، وهو الذي (الانعدام) جعل من قوى الحراك تصر على مواصلة نضالها حتى يستتب الأمر للصالح العام و تكون الدولة في مأمن عن الزوال و أن مصيرها في عناية أكيدة و هو ما ذهب اليه رئيس الجمهورية بقوله “إنه حراك مبارك ….و أنقذ الدولة من الاضمحلال” هذا الحراك المنقذ و المبارك..ألا يعد فرصة من ذهب لميلاد الهمة و الوثبة ؟. استمر الحراك و لم يكن خطر على كيان الدولة بل كان منقذا كما سلف الذكر به رغم محاولات الجر إلى مستنقع التصادم مع الدولة و التحريف للإيقاع به في فخ العدوانية و العداوة المقيتة ضد مصالح الوطن ضف إليها حملات التشويه و التفكيك و الالتفاف التي ما تزال قوى الشر المتربصة بالدولة تحاول إلفاقها به، لكن كل تلك المحاولات باءت بالفشل و سقطت شر سقطة أمام حائط السلمية الذي تبناه الحراك و جعل منه فخرا و سدا منيعا ابهر العلم برمته، العصابة فشلت في مخططها الجهنمي لتكسير أسس الحراك المتينة و المبنية على السلم و المسالمة و هذا طبعا ما لا يخدم مصالح العصابة المتغلغلة في دواليب الدولة وهذا ما يجعل من الحراك السلمي المنقذ للدولة حليفا وسندا للسلطة في معركتها ضد الفساد و المفسدين و عضد الأمة في مسعى التحرر و البناء و النهضة، هذا التلاقي لن يزيد الا تلاحما لو التقت النوايا الحسنة الموجودة لدى كل طرف و بادر الجميع بإجراءات مطمئنة اتجاه الطرف الكل، و لسوف تحمل الجميع عبئ المسؤولية لإذلال الخلافات و تفاديا لتفاقم الأزمة، و الأجدر و الأصوب أن تبادر السلطة بإجراءات تعيد بها الثقة للمواطن من جهة و تكتسب هي بدورها تلك الهمة المنشودة وهذا لكونها صاحبة الكلمة العليا و القادرة على إذلال تعقيدات السياسة و واقع الاقتصاد، والأكيد بقي الحراك على سلميته مستمرا و مصرا على تحقيق مطالبه المتمثلة في بناء دولة عصرية عادلة تضاهي الدولة الأخرى و أكد عليها رئيس الجمهورية بل تعهد بالعمل على بلوغ ما تصبو إليه القوى الحية و السليمة في هذا البلد الجريح و هذا ما سيدفع بكل الأطراف إلى البحث عن نقاط التلاقي و الحلول اللازمة لأزمة ثلاثية الأبعاد ورثت عن الحقب السابقة التي عرفة بحبوحة مالية لم تستثمر كما يجب؟ . أزمة النفط و ضياع البحبوحة..؟ وجائت الأزمة الاقتصادية التي انجرت عن تدهور أسعار النفط، أزمة ظاهرها نفط و خفاياها نطاح القوى العظمى ناب عنها منتجين كبار داخل و خارج أوبك، نطاح يرجعه البعض الى خلافات سعودية روسية حول قرار حفظ الانتاج و مدة سريانه جراء انهيار أسعار البترول في السوق الدولية بسبب أزمة كورونا التي عصفت باقتصاد الصين، فيما يرجعه العارفين بحقائق الموضوع إلى صراع روسي أمريكي و التأثيرات العميقة للعقوبات الاقتصادية و المالية التي فرضتها الخزانة الأمريكية على الاقتصاد الروسي، آخرها تلك التي أقرتها الولاياتالمتحدةالأمريكية على الفرع التجاري لشركة روس- نفط المملوكة للحكومة الفدرالية الروسية، و هو ما اثار سخط الروس و لجوئهم الى حرب الأسعار لتحطيم الصناعات البترولية الأمريكية و على رأسها الشركات العاملة في الغاز الصخري و هذه قضية أخرى، و ما يعنينا في الموضوع هذا، هو أن هذه الحرب النفطية التي تدور رحاها بين العمالقة ستسحق الصغار ولن تستثني أحدا منهم و الجزائر ليست بمنئ عنها و ما أدى إلى تصدع ركائز الاقتصاد الوطني المعروف بهشاشته أمام مثل هذه الهزات بسبب ارتباطه الوطيد بمبيعات النفط، مما يجعلنا نعيد طرح السؤال التالي و الذي بقي مطروح لعقود” كيف لم تتمكن الجزائر من الخروج من التبعية للبترول رغم كل ثرواتها و مقوماتها الاقتصادية و البشرية بعد مرور عهود و كثرة الوعود بتحقيق ذلك” و هو التساؤل الاجابة التي أفقدت المواطن الثقة في مسئوليه؟ و ليست هذه الأزمة الأولى بل عرفت الجزائر مثيلاتها من قبل عرضتها لنكائس و هزات كادت أن تعصف بها لولا قدرة قادر و عودة الأسعار إلى نصابها بل و أكثر من نصابها، وكانت تلك فرص من عديد الفرص لم تستغل في تطوير الاقتصاد و لا في تحسين مستوى المعيشة للمواطن. فالبحبوحة المالية التي أكتنزت بفعل إرتفاع أسعار النفط وبلوغها 140دولار للبرميل الواحد أتى عليها وباء الفساد و المحسوبية و الرشوة و الاستبداد حتى استنزفت ثروات الأمة المنقولة منها و غير المنقولة، و مع بروز العلامات الأولى لأزمة اقتصادية عالمية سنة 2014 وجدت الجزائر نفسها في عين الإعصار، إعصار أرغم السلطة على التراجع عن الكثير من البرامج التبذيرية مع إصرارها على البقاء في السلطة بعد أربع عهدات من سياسات استثمارية فاشلة و تعليمية متردية و صحية منكوبة. سياسات استثمارية لم تكتفي بالفشل في جلب الموارد المتعاملين الجديين و نقل التكنولوجيا بل عملت على نهب المال العام وتحطيم الفاءات والإرادات الصادقة و تنفير النوايا الحسنة، و ما كشفت عنه العدالة من قضايا الفساد يؤكد ذلك، فملفات العقار و تركيب السيارات و غيرها لا تدع المواطن لأن يثق في أشباه المسئولين بل لنقل أفقدته الأمل و هو ما يستدعي اتخاذ إجراءات عملية جدية لإعادة بعث الاقتصاد وانتظار المواطن حتى يتحسس نتائجها ليثق فيها. كيف لنا أن نستعجل ذلك؟ و هو الذي وصل به الحد الى التشكيك حتى في مصائب بيولوجية عمت الدنيا و هو بالطبع موقفا مجازيا لا يعبر عما يختلج صاحبه من تفكير بخصوص الكوارث الطبيعية التي عرفتها الجزائر من زلازل و فيضانات و أوبئة خلال العقود الأخيرة بإلقاء كامل المسؤولية على عاتق الحكومة، و ما موقف البعض من الجزائريين المتهاونين في التعامل مع وباء كورونا و تشكيكهم في صحتها إلا دليل على مدى مرارة الحال و خطورة الوضع. وباء كورونا،.. الغفلة و واد الجنون “هم يضحك و هم يبكي” هي مقولة شعبية معروفة لدى عامة الجزائريين، فماذا عن واقعنا؟ وقد أصابتنا أزمات ثلاثة، أزمة تسيير أتت على الأخضر و اليابس ونهبت الخيرات و سلبت الحريات و سجنت الأحرار و دفعت بالشباب للموت في البحار، و لولا الحراك لكانت العاقبة أدهى و أمر. و أزمت اقتصادية خانقة أربكت السلطة و أنهكت المواطن و زادت من معاناته، و حلت جائحة الكورونا لتعصف بما تبقى من تحضر و خلق لا يسمن و لا يعفي من مصيبة تستوجب الحيطة و الحذر بكل جدية في التعامل مع مستجداتها. فكان الاستهتار بها و السخرية سيمة الغالبية من الناس، بتقاسمها جرعات القهوة من كوب واحد و غرغرات الماء من نفس القارورة و التداول على سيجارة واحدة و غيرها من المظاهر و بحجج واهية لا صلة لها لا بالعقل و لا الطب و لا حتى سياسية، فالقول أن كورونا مكيدة للإيقاع بالحراك كلام إن كان لا يعبر عن السذاجة فهو يعبر وإلى حد كبير عمق الجرح و حدة النزيف الذي وصل إليه الشعور بالاهانة و فقدان الأمل بفعل سياسات الإقصاء و الاحتقار و التهميش و الحرمان، و التي أفضت إلى الإنزواء مع اللامبالاة بشؤون الحياة الفردية و الجماعية وما انجر عنها من خنوع و قبول بفقدان الكرامة و الهمة الفردية و القيمة الإنسانية و فقدان للأمل و الرغبة في الحياة، و أصبح الموت أهون للناس من العيش بدون كرامة. واقع جعلني أستحضر تفاصيل مسرحية “واد الجنون” للكاتب المصري توفيق الحكيم و مشاهد الجموع الضاحكة في مسلسل عاشور العاشر، وهي المأساة التي قال عنها ابن خلدون ” إذا رأيت الناس تكثر الكلام المضحك وقت الكوارث فأعلم أن الفقر قد أقبع عليهم وهم قوم بهم غفلة و استعباد و مهانة كمن يساق للموت و هو مخمور” . أزمة الخطاب.. وخطاب سلطة الأمر الواقع يجمع جل المتتبعين لخطاب السلطة بالجزائر و على مر العهود، على كونه خطاب افتقد للعديد من الخصائص خاصة منه خطاب الأزمة الذي ظهرت عليه الكثير من الإختلالات و ذلك ما أفقده المصداقية و قوة الاستقطاب و القدرة على التأثير، وهو ما عايشناه طيلة عقود و عند كل أزمة و أوقعها مسلسل مرض الرئيس بوتفليقة والذي كشف عن عيوب كثيرة و عميقة في الخطاب الرسمي، فكلنا نتذكر التعتيم الإعلامي الذي إكتنف الملف الصحي لرئيس دولة الجزائر المفترض أنها دولة عصرية قائمة على مؤسسات تسهر على كل كبيرة و صغيرة، إلا أن ذلك التعتيم و الغموض الذي اكتنف عمليات الإجلاء و النقل و الذهاب و الإياب للرئيس المريض من و إلى الجزائر أوقعت السلطة في ورطة حرجة لم تجد سبيلا للخلاص منها إلا باللجوء إلى وجوه بعيدة كل البعد عن مهام التغطية الإعلامية و لا تمت بصلة للمؤسسات الإعلامية التابعة للدولة و ما بالك تلك الملحقة برآسة الجمهورية و المفترض أن تكون المكلفة بمهمة تسيير عملية الإعلام و الإتصال على مستوى رئاسة الجمهورية، و من بين تلك الوجوه، مغني الراي لا صلة له بالإعلام و لا صفة له في المشهد الرسمي، لكن سوء التسيير و العنجهية و الغطرسة وغياب الكفاءة و انعدام روح المسؤولية كلها عوامل ساهمت في تدني صورة السلطة عند المواطن وفي تشويه عملية الإتصال و التواصل بين الجانبين. بقي الحال على حاله رغم التحول العمدي للسلطة من التعتيم بالغلق على المعلومة و التضييق على الساعي إليها مع تقطيرها عن طريق قنواة مسدودة الى التعتيم بالتهويل و التهريج و التهييج من خلال بث صور على الطريقة الهليودية لقافلة سيارات مصفحة على انها ترافق الرئيس العائد من مصحة خارج الوطن في محاولة إستعراضية ظاهرها القوة و فحواها أن الرئيس بخير، وإن كان الهدف منها تغليط المواطن أو إبهاره، إلا انها زادت من نفوره منها، إستمرت السلطة في أساليبها الرديئة و تواصل معها مسلسل التهريج مع خيلط من العترسة و الفقررة و المكالبة، مسلسل المخزي أفضى إلى إثارة رابطة جأش شعبية وغيرته على كرامته و عزة وطنه وكان الخلاص. من حوار المجابهة إلى حوار المواجهة إنطلق الحراك و تعالت معه الأصوات الناعقة منها و النافقة و المنافقة و أيضا الصادقة، و على إختلاف إقاعتها و توجهاتها و أهدافها التي رسمتها الدوافع الكامنة ورائها. تدافع الفاعلين من داخل و خارج الحراك سواء كان مع هذا أوضد ذاك و كانت جل الخطابات ذات صبغة إستقطابية، مما أدى إلى تأجيج الوضع و لظهور خطابات هامشية متطرفة أو عنصرية، وكان المشهد الإعلامي أقرب منه إلى حوار الطرشان من حوار الأفكار و الحجج و العقل و هذا الحديث يجرنا إلى حديث الغباوة و موضعنا هنا هو الحديث عن الأزمة و الهمة. فشتان بين الموضوعين. نظمت الإنتخابات و أفرزت واقعا جديدا إنتقل بالبلاد من صراع و من حوار الطرشان إلى حوار الوجدان، و إن كان غير متكافئ لكنه كفئ بأكار سليمة و سلمية و ذو معالم واضحة رسمتها غيرة كل الفعلين فيه على صون مكتسبات الأمة و ثمنتها تعهدات الرئيس بتكريسها تحقيقا لمقتضيات دولة العدل و المساواة وفي جزائر جديدة تضمن العيش الكريم لكل أبنائها مع إختلاف بسيط بين هذا وذاك في تصنيف الأولويات و ترتيبها. وتعد البادرة التي أقرها الرئيس عبد المجيد تبون بتنظم لقاءات صحفية دورية مع وسائل إعلام وطنية، بادرة كسر الحواجر و تحطيم صنم الإقصاء الذي شيد عبد عقود، و بادرة إعادة ربط أواصر التواصل و نسج العلاقة العمودية بين الحاكم و المحكوم، وقد تمهد لمبادرات أخرى ذات أبعاد سياسية و إجتماعية في عملية إعادة بناء المجتمع و الدولة الجديدة المنشودة لتضاهي الأمم المتقدمة. و بالرغم من بقاء بعض القضايا العالقة و الخلافية و إن كانت بعضها جوهرية كالمتعلقة بحرية العمل السياسي و المتابعات القضائية، إلا أن و بحكم المراجعات و التصحيحات التي يقوم بها كل طرف و التي ستؤدي إلى تقديم تنازلات متبادلة، و مع إشتداد الأزمة الإقتصادية و تأزم الوضع الإجتماعي و إزدياد حجم مخاطر الوضع الصحي الوطني و الدولي لما تحمله جائحة كورونا من مخاطر، و هذا سيفضي حتما الى ترك خطاب المجابهة و التحول إلى خطاب المواجهة الذي يعني مواجهة الوضع بالواقع و رأية المستقبل بنظرة إجابية، كون ان الأزمة والوباء يأديان بالجميع إلى مصير واحدة كما هو الحال بالنسبة للأزمة و الوباء اللذان يعتبران قواسم مشتركة . صدمة الوباء و حافز التغير ؟ هذا الوضع القاتم سيدفع بالجميع إلى إعادة صياغة ورقة طريقه والبحث عن نقاط التلاقي و القواسم المشتركة بين كل الأطراف و الإلتفاف حولها والتركيز على ما هو أساسي و ضروري بل و حتمي مع تأجيل ما هو خلافي و إرجاء الثانوي، كذلك سيعمد الجميع إلى ترك سياسة التموقع و التقوقع و العمل على تقاسم الأعباء وتشارك المسؤوليات و تبادل الأدوار مع التحول من خطاب المواجهة إلى خطاب التعبئة. حل الوباء وباء كورونا ليزيد الوضع القاتم بفعل أزمة أسعار النفط قتامة، وهو الوباء الذي لا يستثني أحدا و لا يمييز بين الناس ما يستدعي تظافر الجهود و إمتثال الجميع للإنظباط الصحي و قاية من العدوى و كسرا لسلسلتها، و خلافا للأزمات الأخريات التي مرت بها الجزائر و التي جعلت لالجميع يتعصب لموقفه ويدفع بالآخر إلى فوهة البركان، فإن هذه الجائحة لا تسمح بأي مناورة و لا مراوغة، فلا التجريح و لا التبرير يمنع صاحبه من كورونا. إنها الأزمة التي ستقضي على الفوارق الإجتماعية الظاهرية منها على الأقل و سترغم الجميع على الأخذ بالأسباب و الإعتبار بالنتائج و كذلك إحيء روح التضامن الوطني و التكافل الإجتماعي و نسيان الخلافات و ترك العداوة من أجل الخلاص. هذه المستجدات و المتغيرات النفسية و السلوكية و العاطفية هي مقدمات و محفزات للإنتقال من عقلية بالية أتى عليها الدهر إلى عقلية لا تقبل الرجوع للعيش في المستنقعات الإجتماعية و السياسية و تنبذ الممارسات المشينة، بالتالي يمكن القول أننا أما مجتمع أكثر وعي و عقلانية و أبصر للحقيقة و القابل للإختلاف و التنوع و التميز و ليس التمييز. إنتقال إجتماعي يمهد لإنتقال سياسي بمرافقة السلطة بإستغلال الوثبة و إقتناص الفرصة، أما إذا فوتت الفرصة و جثم الجميع في جحره و تشبث بغشاوة قلبه و غيب الضمير و الفطنة، فقل السلام على الوطن الحبيب. السانحة و دلالات خطاب التعبئة هذا التحول في الذهنيات الذي يفضي إلى مراجعة المواقف و الأحكام و الرغبة في التعايش و التضامن و التلاحم مع الإبتعاد عن الصراعات و الصدامات، هي سانحة لإلتئام شرائح المجتمع وبإعتماد خطاب تصالحي يزيد من درجة الوعي و يرتقي به و يثمن توجهاته الجديدة السليمة و ترجمتها إلى واقع ملموس معاش و في أبعد تفاصيله و ادقها. و بفضل الخطاب الصادق يلتمس المواطن حسن نية السلطة الجديدة و التي مافتئ يعبر عنها رئيس الجمهورية في خرجاته الإعلامية مؤكدا عن أحقية المواطن في تطلعاته و مشروعيتها. و هو أيضا، يذلل الصعاب و يبدد الشكوك و يصحح المغالطات و يظهر المحاسن و يتجاوز عن المساوء و يبرز عوامل الوحدة و يدفن اسباب التفرقة. و من أجل نجاح الخطاب و بلوغه الأهداف المرجوة، على القائمين عليه في الخفاء و في العلن، أن يسهروا على تحضير جيد و محكم لا مجال فيه للعفوية و الإرتجال و المزاجية، بل يحتكم فيه كل المتدخلين و الفاعلين في المشهد الإعلامي الرسمي بإعتباره الواجهة الأمامية للدولة إلى أدق التفاصيل، بدءا بإختيار الأشخاص و الوضعيات و الكلمات و أساليب الإلقاء وو تعابير الجسدية و ملامح الوجه و و الزمان و المكان و الرمزية مرورا بالديكور و الخلفيات و الحرص على سمعة المرافقين و المتدخلين في المشهد الإعلامي. هذه التفاصيل و الشروط، وان كان الجميع من أهل الاختصاص متفق عليها، إلا أن قل ما يعار لها الإهتمام في معظم الأحيان، فعامل التسرع و المفاجئة في البرمجة و غياب الإحداثيات و غيرها يؤدي إلى تشويه العملية و تذبذب في الخطاب و تقطع في الإلقاء و أخطاء في القراءة أو التعامل مع الجمهور و غيرها من العيوب التي يمكن أن تشوب العملية، و إذا ما احترمت كل الشروط و استوفت كل المعايير فالنجاح كل النجاح هو نصيب عملية التواصل وستحقق مسعى القائمين عليها. ولتلك الشروط دلالات هامة و تأثير عميق و أثر طيب في نفوس المخاطبين، و كذلك الخطاب الصادق يعبر بحزم و عزم و الإرادة القوية و الرغبة الأكيدة بالأخذ بعزائم الأمور، ما يدفع بالجميع إلى التحلي بالفضائل و الابتعاد عن الرذائل و هي القواسم المشتركة بين الجميع و يسمح بعودة الأمور إلى جادة الصواب من تلقاء نفسها و هو ما ينطبق تماما على مسألة استمرار الحراك أو توقفه من تلقاء نفسه. و الجدير بالذكر أن الأزمات على اختلاف شدتها و أنواعها و مسبباتها تعد حضن التآلف و التآزر و التلاحم و نبذ الكراهية و ترك الصراعات و المعاصي فما على الجميع إلا العزم ، فبقدر أهل العزم تأتي العزائم.