من خلال هذا الحوار الذي أجرته يومية ''الفجر'' معها، كشفت الشاعرة والروائية ربيعة جلطي، عن تيمات عملها الروائي الجديد، والذي سيصدر عن دار ''الآداب''، ببيروت، عما قريب، بالإضافة إلى حديثها عن تجربتها الأولى في العمل الروائي بعد سبعة دواوين شعرية• قبل أن نتحدث عن تجربتك الأولى في الكتابة الروائية، دعينا نتحدث عن آخر أعمالك الشعرية، الموسومة ب''حجر حائر''، أليس ورطة أن تهدي كتابا بأكمله إلى قارئ واحد•• هو الروائي أمين الزاوي، دون غيره••؟ الإهداء هو وليد اللحظة التي يقف فيها الكاتب أمام الورقة، ليخط آخر كلماته قبل أن يخرج إلى النور، وأنا شخصيا في تلك اللحظة لم يأخذ بتلابيب أحاسيسي إلا أمين، لهذا أهديته حجري الحائر• أما عن الديوان، فهو مجموعة من الأحاسيس، والحب والأمل، حاولت بلغة شفافة أن أعبّر عن تلك الأحاسيس بنصوص مستمدة من حياتنا اليومية، تتوزع نصوص هذا العمل عبر واحد وعشرون نص، بين الحب والحياة والوطن والغربة، لتشكّل في نهاية المطاف حجر حائر، كما جاء في عنوان الديوان• طيب•• ماذا تحكي ربيعة جلطي الشاعرة عن تجربتها الأولى مع الرواية؟ الكثيرون يعتقدون بأنها التجربة الروائية الأولى لي، لكن الحقيقة هو أنني أكتب الرواية منذ فترة طويلة، لكني لم أشأ أن أنشرها، لكوني لازلت أخشى تجربة النشر وأنا التي خضت تجربة النشر منذ سنوات طويلة، إلا أن هاجس النشر لا زال يمثل عائقاً بيني وبين القارئ، هذا من جهة، ومن جهة ثانية، لم أشأ أن أخرج أعمالي الروائية إلى الملأ لأظل وفيةً للشعر• في حوار سابق ل''الفجر'' مع الشاعر الكبير سليمان جوادي، قال بأنك من الأشخاص الذين ظلوا أوفياء للشعر، ولم يتورّطوا بالرواية، ولكنك الآن تخونين الشعر باقترافك للعمل الروائي• ألا تخشين تهمة خيانة الشعر التي قد يطلقها عليك بعض المبدعين الذين راهنوا ولازالوا يراهنون على شاعريتك؟ لم أخن الشعر، ولازلت أراهن عليه دائماً وسأظل، ولكنني اكتشفت أن النثر يلاحقني، في جل أعمالي الشعرية، ثم إن بدايتي الإبداعية كانت مع القصّة، التي كنت أنشرها عبر الجرائد على غرار جريدة الجمهورية، الشعب، وجريدة أمال• حتى أنني كنت أكتب للإذاعة النصوص النثرية والشعرية أيضا إلى أن جاء ميلاد الرواية بشكل طبيعي جدا، لأنني لا أحب الإسراف في الكتابة أو تعدد الولادات، وهذا ما جعلني لا أنشر لأنني قاسية مع نفسي كشاعرة إضافة إلى قسوة ناقدي الأول أمين الزاوي، لذا أحس أنه من الضروري أن يكون الاشتغال على الرواية تماما كالثوب الذي يبرز تفاصيل الجسم بدون شحوم زائدة• حالياً أصبحنا نلاحظ أن أغلب الشعراء أصبحوا يهرّبون إبداعاتهم الشعرية إلى الرواية، على غرار أحلام مستغانمي، عز الدين ميهوبي وغيرهم، هل هذا يعني أن الرواية تغلبت على الشعر، أم أن الشعر لم يعد كفيلا باحتواء أفكار المبدعين؟ الشعر والرواية تجربتان مختلفان جماليا وفكريا، والشيء الذي لا شكّ فيه هو أن الشعر أصعب من الرواية من حيث أنه يتحمّل مهمة توصيل فكرة مكثفة بطريقة مباشرة إلى القلب، وهذا يتطلّب مجهودا فكريا وثقافيا• ولكن الرواية هي فسحة للكاتب تمنحه حرية اللعب بالكثير من الأسلحة وتسمح له بالوصف والتشخيص والتفسير بقدر الإمكان، ولكنني أخشى من الحشو في الرواية الذي وجدته في الكثير من العناوين باعتباري قارئة نهمة للروايات، فهو يُضعف من رغبة القارئ من إكمال الرواية، وأنا بدوري صادفت الكثير من التجارب، التي انتهيت من قراءتها، توقفا عند الصفحات الأولى لها، فالرواية ليست مجالا لرمي النفايات اللغوية، بل بالعكس يجب أن تكون بمقاييس محدده تماما كالثوب، بأدوات جمالية راقية وحادة كي تكسب القارئ، وهي بالنسبة لي هي حكاية والكثير من الروايات التي نقرأها اليوم هي بهلوانيات لغوية، فلا هي بالمفهوم الذي أعرفه وأشتغل عليه، ولا هي تحمل سمة النثر، بينما من أهم شروطها هي أن تكون حكاية مسبوكة• وللأسف، فإن ما نقرأه هو مجرد شطحات لغوية محشوة بمجموعة من الأمثال• وكل ما أريده هو أن تكون الرواية حكاية بلغة ربيعة جلطي ليست الشعرية طبعا ولكن الروائية• هل كان لزوجك، الروائي أمين الزاوي، دخل في ولوجك عالم كتابة الرواية؟ هو يعرف قدرتي في كتابة النثر، وبالرغم من ذلك فاجأته بكتابة الرواية، وحين انتهى من قراءتها أعجب كثيرا بذلك وانبهر بما كتبت، فتجربتي الأولى ''الذروة'' عبارة عن عطر معتّق انطلاقا من كل السنوات الماضية التي أنشر بها، في حين خضت تجربة الرواية بنفسي، فأنا دائما أتجاوز نفسي مع نفسي• هل هرّبت ربيعة جلطي شيئا من قصائدها الشعرية عبر روايتها؟ سبق وأن قلت إن الشعر والرواية مجالان مختلفان، فحين أكتب قصيدة ليست ككتابة الرواية ولا أريد أن ألطّف رواياتي بالمقاطع الشعرية، وإذا أردت أن أكتب الشعر سأفعل ذلك وسأظل شاعرة• ولكن للرواية أدواتها وعالمها الخاص وشوارعها التي سأظل أتجول فيها وفاء لها• ولن أهرّب ولو بطريقة ذكية الشعر في كتاباتي الروائية، وسأعود إلى كتابة الشعر متى أردت ذلك، وهذا لا يعني أن لغتي ستكون خالية من الشعر حين أكتب الرواية، وسأحرص أن تكوني لمساتي الشعرية بها ولكن دون الإساءة إلى خيط الحكي داخلها، لأنه غالبا، حينما يضعف هذا الخيط، ما يلجأ الكاتب للهروب إلى الشعر وأنا لن أفعل ذلك وسأذهب إلى خيط الرواية بأدواتي الروائية وليست الشعرية، ولا غرو إن كان فيها شيئا من الجماليات التي تُدخل إضافة على الرواية، ففي الكثير من الأحيان تغلب الكتابات الشعرية على الكتابات الروائية، نتيجة ضعف الكاتب على المواصلة الذي يُفلت خيط الحكاية فيلجأ إلى المواصلة بلغة شعرية مكثفة وهذا من أحد عيوبها• تناولت في روايتك ''الذروة'' مشكلة الفساد الأخلاقي وتعسف السلطة، هل روايتك هذه هي رد على تنحية زوجك أمين الزاوي من منصبه على رأس المكتبة الوطنية؟ لا مطلقاً••• روايتي ولدت من تفاصيل الحياة اليومية للفرد الجزائري داخل مجتمعه، فأنا أستاذة جامعية وأعيش في مجتمع بكل تفاصيله اليومية، وألتقي الناس من كل الطبقات، وكوني أستاذة لا يعني أن حياتي مقتصرة على الجلوس على كرسي، فأنا ألتقي الناس وأحاورهم، وأستقبل طلبتي منذ عشرين عاما في منزلي، والبعض منهم دخل إلى الحياة الأسرية وأصبحوا يأتون رفقة أزواجهم وزوجاتهم وأولادهم إلى البيت، وفي الكثير من الأحيان هم من يقومون بإعداد الشاي والقهوة بالمنزل بأنفسهم، والبعض صاروا زملاء لي في العمل، فأنا أعيش في عالم لا أستطيع التخلص منه أو أن يتخلص مني، فأنا أدخل تجربتي في الحياة بكلياتي• لذلك، فهذه الرواية هي شكل من الضجيج العام الذي أعيشه، وهو جزء فقط مما نراه لأنه ستكون هناك رواية أخرى بهذا الشأن، ليس تكمله وإنما ترسم عالما آخر بتفاصيل أخرى• لذلك، فالرواية التي كتبتها لها علاقة بالحياة التي عشتها من تجربتي الاجتماعية خاصة، وعلاقاتي مع كل الناس ولقاءاتي معهم من جميع المستويات من أعلى قمة بالهرم في السلطة، إلى أخمص القاعدة، من مثقفين وغير مثقفين فأنا أعرفهم جيّدا وأكتب عنهم بكل صدق• وتجربة أمين الزاوي هي جزء فقط من الواقع• ما هي الطابوهات التي تعمّدت ربيعة جلطي كسرها في هذه الرواية؟ أنا لم أتعمّد كسر الطابوهات، لأني امرأة حرّة ولا يمكن أن أعيش إلا في بحيرة الحرية، وحين تصادفني القيود أستقيل، وأجد أنني أستطيع أن أقدم الكثير لكن في إطار حريتي كإنسانة•• كمثقفة••كأنثى، والقارئ لروايتي سيجد امرأة حرة تخاطبه• هناك من يقول بأن المبدعين حالياً أصبحوا يعتمدون على كسر الطابوهات من أجل الإثارة أو من باب الموضة التي تعّبر عن الحداثة ليس إلا، ما رأيك أنت في هذه المقولة؟ شخصياً لا أتحدث عن الطابوهات إلا حينما تدخل قسرا ضمن بناء الهيكل الروائي في موضوع الرواية، ومن العيب إقحام الجنس مثلا داخل الرواية إلا إذا كان ذلك هو جزء من لحمة الرواية ككل وليس دخيلا عليها، فأنا، كما أسلفت، قارئة نهمة للرواية منذ صغري، ولديّ ذائقة تمكّنني من اكتشاف حشو مسألة الطابوهات في الكتابات الروائية، ولا تهمني الضجّة التي تحدثها الروايات بسبب إثارتها، فأنا أريد إيصال رسالة معينة وأكتب بحرية تامة عن كل ما يدور في ذهن أي شخص من هؤلاء بصدق• وعندما نتكلم عن الصدق، فلا يجب أن يقتصر عليه من الجانب الواقعي، فهناك صدق فني يشتغل على المخيال والذاكرة، فضلا عن كون المبدع يجب أن يكون صادقا مع نفسه، كي ينال إعجاب القارئ له•