ماذا يعرف الجزائريون عن من ينقل إليهم الأخبار اليومية غير الاسم واللقب أو حتى الوجه في الصحافة المرئية أن توفر ذلك، وإنك لتجد عموم الناس تشكر في الصحفي الفلاني وتشتم آخر لكتاباته الجريئة، أو لأمر آخر لا يعرفه سوى قارئ تلك الصحيفة ، لكن الحياة الشخصية أو الحالة الاجتماعية للصحفي الجزائري كثيرا ما يجهلها القارئ أو المتتبع لما يكتبه ذلك الصحفي، لهذا ارتأينا اليوم نقل أهم متاعب الصحفى في مهنة المتاعب، فمن لم يخض في عالم الصحافة لن يتخيل أهم تلك المتاعب التي يلاقيها الصحفي في الجزائر. لن نتحدث اليوم في ذكرى احتفال رجال ونساء الإعلام بيومهم العالمي، الذي لا يختلف كثيرا عن اليوم العالمي للمرأة من حيث المبدأ، لكننا أردنا أن نقف عند الوجه الآخر أو الوجه المعيشي لدى صحفيي وصحافيات الجزائر، أردنا أن ننقل ولو جانبا من الحياة اليومية للصحفي ''البسيط'' في الجزائر الذي لا يتجاوز أجره أجر الجندي البسيط في الجيش الشعبي الوطني الذي لا يتجاوز 25 ألف دينارا، نتحدث طبعا عن الصحفي ''العادي'' وليس الصحفي ''الخارق''. لم يعد الصحفي في بلاد تحوي ساحتها الإعلامية أكثر من 60 عنوانا، يكتفي بأجر مهنته التي لا تلبي له حتى حمل اسم ''مهنة المتاعب'' ولا داعي لذكر متاعب الصحافة في هذا المقام، لأن العام والخاص يدري أن الصحفي ربما قد لا يعود من تغطية، أو يشوه في محكمة أو يتعرض للضرب والشتم في مقامات مختلفة، خاصة وأن العديد من العناوين لا تحترم القانون في حق الصحفي في التأمين الاجتماعي. سر الأسماء المستعارة .. و''الشيعة بلاشبعة'' الحديث والاستماع إلى زملائنا في هذا المقام، يؤكد مرة أخرى أن أغلبهم لا يكتفون بالعمل مع صحيفة واحدة، وإنما يعتمدون على العمل مع عدة جرائد ''كمتعاونين'' رغم المحاذير القانونية والأخلاقية، التي ينجون منها بكثرة الأسماء المستعارة حتى أن أحدهم تختلط عليه أساميه في بعض الأحيان. ويقول في هذا الصدد أحد الزملاء دون ذكر اسمه، أنه اضطر إلى التعاون مع جريدتين ''مجهريتين'' ويعمل في أحد الصحف الوطنية ''الكبرى'' من أجل توفير العيش الكريم لأفراد الأسرة، لأن أجرة صحيفة ''معروفة جدا'' لا يكفي لسد رمق حاجيات الأسرة، وتساءل الزميل قائلا: '' فما بالك من يعمل في صحيفة بالكاد تستطيع كل رأس الشهر توفير أجره ان لم يتأخر لعدة شهور أخرى''. ولم تكن هذه الوضعية للصحفي أحسن من وضعية زميلة أخرى، أكدت أنها فوجئت عندما دخلت مهنة الصحافة بعد أن خيل لها إنها المهنة التي ستلبي كل رغباتها في معترك الحياة المهنية، من منطلق أنها تخلت عن وظيفتها في أحد المؤسسات العمومية، ودرست الصحافة بأكثر من 9 ملايين سنتيم لتفاجأ بمعنى الخوض في الصحافة أو مهنة الصحافة التي لم ''تجلب لي سوى ''تكسار الراس'' وهاجس البحث عن المعلومة غير المتوفرة عند كل الصحفيين، من منطلق أن ''الصحافة الكبيرة يحظى صحفيوها بامتيازات الحصول عليها أكثر من صحفيي الجرائد الصغيرة''، وتقول الزميلة في هذا الصدد ''لو كنت أعلم أن الصحافة التي يحسدني عليها الكثير هكذا، ما أهدرت المال في طلب التعرف على تقنيات الكتابة، ولدرست أمرا آخر لأنني اكتشفت أنه بالممارسة يمكن اكتساب تلك التقنيات التي لا تتطلب تلك الأموال الطائلة''. مهنة السفر.. ''الفيزا''.. وتحقيق الطموحات ولن نبرح عن هذا الرأي بعيدا، حيث تقول زميلة أخرى أن الصحافة ''شيعة بلا شبعة''، فمن يسمع أنني أمارس الإعلام يقدرني وأحس أنه أعطاني أكثر من حقي الذي لن يمنحه لي حتى مسؤولو تلك الجريدة التي أعمل فيها، فلو يعلم الجيران والأهل معنى هذه المهنة لما تمناها أحد ولنفر منها، خاصة في الجزائر التي لايزال الصحفي فيها يعاني في جوانب عديدة''. أما زميلة أخرى فاعتبرت أنها مهنة المفاجآت والاستكشافات، فلم أكن تقول الصحفية أحلم يوما أن أرى مسؤولا من المسؤولين أو فنانا من الفنانين الجزائريين والعالمين عن قرب، فضلا عن التحدث إليه وإجراء مقابلة معه، لكن هذه المهنة وفرت لي الكثير من هذه الفرص واستطعت بفضلها الاحتكاك بتلك الشخصيات العالمية، والصحافة أيضا وسيلة من وسائل الحصول على فيزا إلى دول أخرى لا يتمكن منها أغلبية الشباب حتى ولو كانت من أجل العمل فأنا آخذ ''حجة وفرجة'' معا. الصحفي أيضا يهاجر بطريقة غير شرعية ... و''حشيشة طالبة معيشة'' فقط لم تختلف آراء الصحفيين الذين تحدثوا إلينا كثيرا في عدم التواني في الوصول إلى أقرب مورد للمال لتحقيق ''الرفاهية في الحياة''، فبعض الصحفيين اليوم أصبح يريد الهجرة كما كان الحال عند أحد الزملاء، الذي فضل الهجرة غير الشرعية إلى تركيا بعدما أفقدته الصحافة كما يقول صوابه، ولم يجد ما كان ينتظر منها قبل ولوجه إلى عالمها. ومن مفارقات مهنة المتاعب أيضا نجد الصحفي يعمل كلوندستان '' فبعد الانتهاء من يوم كامل من التعب والتسابق للحصول على المعلومة، أسخر عربتي التي تحصلت عليها بالتقسيط يقول زميل المهنة للعمل أيضا خاصة يوم العطلة الوحيد في الأسبوع فلا أتوان عن العمل للحصول على ''مصروفس . ولن نبرح هذا الزميل حتى يصافنا زميل آخر بالقول''الصحفي كأي عامل من عمال الجزائر فهو ''حشيشة طالبة معيشة ليس إلا''، أما أحد الصحفين الذي أخذت الصحافة من عمره أكثر من 30 سنة، فهو لغاية اليوم لايزال يضطر إلى العمل في أحد المؤسسات كمترجم لمجلة من المجلات الأجنبية، ويقول في هذا الصدد بعد سنين معدودة سأحال على التقاعد ولغاية اليوم لم أكسب من هذه المهنة شيئا سوى الهوس ، فأنا تنطبق علي مقولة ''عاش ما اكسب مات ماخلى''. وهذه حال الصحافة عندنا يقول العم الزميل. سر الأحياء الجامعية.. وجدلية اللجوء والكراء نظرا لتمركز معظم العناوين الوطنية في العاصمة، يضطر أغلب المتحصلين على شهادات الإعلام عفوا كل الشهادات الجامعية، للتنقل إلى العاصمة، قلب الجزائر النابض، للحصول على تربص تمهيدا لللإنطلاق في العمل، لكن المشكل الكبير الذي يصادف الصحفي هو الحصول على مكان يستقر فيه. وفي هذا الصدد يتحدث إلينا أحد الزملاء الذي استغربت لحاله عندما تعرفت عليه لأول مرة، فهو متجاوز سن الزواج بتجاوزه سن الأربعين دون الحصول على سكن في العاصمة، واضطر هذا الأخير للمبيت في دار الصحافة حتى لايضطر إلى الكراء، الذي حتما لن يستطيع حينها التوفيق بين حاجياته وكراء شقة التي لن يقل سعرها عن 2 مليون سنتيم، ولا داعي للإسهاب في هذا الأمر فالكل يعرف أزمة السكن في الجزائر، ونظرا لهذا الأمر اضطرت مجموعة كبيرة من الصحفيين والصحافيات إلى التعاون وكراء سكن واحد يضم مجموعة منهم حتى يقتسموا أتعاب الكراء. ويقول أحد الزملاء الذي يعيش هذه الوضعية ''نحن أربعة صحفيين نتقاسم كراء سكن واحد بحي الزوالية بحي طنجة بقلب العاصمة اضطررنا للبحث عن رفقاء حتى أمكننا التوصل إلى التوفيق بين الكراء، وأمور أخرى تتبقى من باقي''الشهرية''، ولن يقتصر هذا الأمر على الرجال فقط وحتى ''الجنس اللطيف'' اضطر لهذا الأمر رغم المخاطر التي تتعرض لها الفتيات في مثل هذه الحالات فلم يكن بوسعنا حسب أحدى الزميلات التي أكدت أنه لم يتقبل أهلي في البداية هذا الأمر، لكن الحاجة دفعت والدي لقبول هذا الأمر بشرط أن أكون مع فتيات من''دوارنا'' نتقاسم تلك الغرفة لتوفير بعض المال لعائلتي ، من جانب آخر يقول زميل آخر لم أجد سوى الحي الجامعي بعدما تحصلت على بكالوريا ثانية للاحتماء فيه والعمل ضاربا عصفورين بحجر واحد. لسان حال البعض يقول ''يا ويلتى ليتني لم اتخذ مهنة المتاعب سبيلا'' ''بعد الذي عرفته وعايشته في مهنة المتاعب أفضل العمل في أي جهة أخرى غير الصحافة، رغم أنني من فضّل دراسة الإعلام بعد الحصول على شهادة البكالوريا، بمعدل كان يسمح لي الوصول إلى شهادات أعلى، فأنا أبحث منذ فترة يقول أحد الزملاء الذي لم تتجاوز مدة عمله في الصحافة 3 سنوات عن عمل آخر بعيدا عن المهنة التي لا تنقطع عنها حتى وأنت في المنزل ، في الشارع، في الطريق، داخل المسجد وفي كل مكان فهي لصيقة بي، أصبحت أفضل أي مهنة أخرى . من جهتها فضلت إحدى الزميلات أن تتخلى عن هذه المهنة عندما دخلت مؤسسة الزواج، وهذا شرط من شروط بعلها الذي لم يشترط سوى التخلي عن هذا العمل، رغم أنه من أصحاب مهنة المتاعب، في حين فضلت زميلة أخرى العودة إلى أحضان التعليم بعدما جربت تلك المهنة التي حسبها لم تجلب لي سوى عدم الاستقرار، والابتعاد أكثر فأكثر عن العائلة، من منطلق أن العمل في الصحافة يجبرك تقول التخلي عن الاحتفال مع العائلة في المواسم الدينية والأفراح. وفي الختام لن يكون أحسن مما نختم به استطلاعنا بمقولة أحد أعمدة الصحفيين في الجزائر الذي أكد لنا أن '' الصحافة لمن يحبها فقط، ويستطيع تحمل متاعبها، وإلا فلا أنصح أحدا الاقتراب من مهنة ألف وألف مقال''.