ازداد تعلق الجزائريين بالصحف والجرائد والإعلام بصفة عامة بعدما غابت القنوات التلفزيونية غيابا كليا خاصة خلال الأزمة الجزائرية المصرية، فبعد ''تسونامي'' السب والشتم الذي طال الشهداء والجزائريين بصفة عامة من قبل ''أشقائنا'' المصريين من على منابر أرمادة من الفضائيات المصرية الرسمية منها والخاصة، والتي تفننت في سب وشتم كل ما هو جزائري، ارتفعت بورصة اقتناء الجرائد الوطنية عند الجزائريين من أجل إشفاء غليلهم، ومنذ ذلك الحين إلى يومنا هذا، فلا يمكن لك أن تكون في حافلة أو في مقهى أو في الطريق أو في الحدائق العمومية دون أن ترى الصحف اليومية بين أيادي فئات مختلفة من المجتمع، يأتي هذا الأمر في وقت أصبحت فيه الساحة الإعلامية في البلاد تعرف تغيرات جذرية انطلاقا من وضعية الصحفي الاجتماعية وصولا إلى انقسام الساحة الإعلامية وسط غياب تام للقنوات الفضائية الخاصة. رجال الأعمال بدل رجال الإعلام تدهور اجتماعي.. موت الفجأة.. أجر زهيد.. هشاشة اجتماعية.. سنوات من العمل والجهد وبعد ذلك حياة مملة، هذه باختصار أهم أوضاع الصحفيين الجزائريين، من الصحفي المبتدئ إلى الخبير، إذ لا يختلف اثنان على أن وضعية رجال الإعلام في الجزائر أصبحت تلازم أمراض الموت المفاجئ، فكم من صحفي فقدته الساحة الإعلامية السنة الماضية، وكان آخرها الإعلامية باية قاسمي، فما لا يقل عن 13 صحفيا فقدتهم الساحة الإعلامية، وكانت جل أسباب الوفاة هي السكتة القلبية نتيجة الضغوطات النفسية الكبيرة على الصحفيين أو بسبب مرض عضال أيضا. رجال الأعمال عفوا بل رجال الإعلام يحملون هموم المواطنين وينسون همومهم، هكذا قال لي أحد الزملاء الذي أكد أنه ''حمل اسم رجال الأعمال لا يتماشى ووضعية الصحفي في الجزائر فكان الأحرى أن يسمى برجل الأعمال ليس من منظور المال والبزنيس ولكن من منظور الأعمال التي يقوم بها في مهماته المختلفة خاصة في التغطيات الأمنية المحفوفة بالمخاطر فهذه أعمال، لكنها لا تجلب المال على غرار رجال الأعمال الحقيقيين''. استطلاعنا حول حرية الإعلام في يوم حرية الإعلام أردنا أن نبدأه بهذه المقدمة التي تعبر فعلا عن وضع الصحفي في الجزائر، لكن هذا الأمر لا يمنعنا من التطرق إلى الإعلام والصحافة بصفة عامة أو بالأحرى واقع الصحافة الجزائرية. الصحافة المعربة تطغى على المفرنسة يظهر استطلاع بسيط للشارع الجزائري تفوق الصحافة المعربة بعناوينها الكثيرة والمتعددة والغريبة أحيانا على العناوين التي تصدر بلغة موليير، فعدد قرائها أيضا يتفوق على عدد قراء الثانية، من منطلق أن العربية الأقرب إلى الشارع الجزائري، ويلاحظ متتبعون في هذا الشأن أن الجرائد الناطقة باللغة الفرنسية بدأت تفقد قيمتها في الشارع الجزائري حسب بعض الآراء، حيث لا تتناولها سوى الطبقة المثقفة أو النخبة من المجتمع، لكن هذا الأمر لا يعني أنها زائلة بل هي تعتبر من المراجع الأساسية في الدول الأوروبية والجمعيات غير الحكومية الدولية. أما عن صحافة لغة الضاد التي تتهمها وزارتها الوصية بعدم إجادة اللغة بتسجيل أخطاء فادحة حسب ما يفيد به الوزير عز الدين ميهوبي كاتب الدولة المكلف بالاتصال دائما فهي أكثر قربا من الشارع الجزائري بحكم لغتها الأقرب أيضا إلى الشارع. صحافة ''الحوت'' تلتهم أخبار الصحافة... هل تعمل في صحيفة كذا .... أو تلك ....، من أي صحيفة أنت، هذه أهم الأسئلة التي غالبا ما يصطدم بها الصحافي العامل في جريدة ''أقل حضورا في السوق'' عند مساءلته أي مسؤول كان، فيا ويلك إن كنت من صحيفة صغيرة فالمعلومة لن تمنح لك مهما حاولت إلا إذا كنت تعرفه معرفة شخصية، فالعمل في جريدة صغيرة ليس كالعمل في جريدة كبيرة، الحصول على الأخبار في الأولى ليس كالحصول عليها في الثانية، التعاطي مع مسؤول في الأولى ليس كالتعاطي معه في الثانية، المكلفون بالإعلام في المؤسسات الرسمية لا يتعاملون مع الصحافة الأولى والثانية بنفس المنظور، البيانات الرسمية تصل إلى الأولى وتكاد تتقاطر على الثانية في بعض الأحيان، كل هذه الأمور صنعت الفارق الكبير بين الفئتين. المتتبع لليوميات الوطنية يلاحظ أيضا أن مواضيع الصحافة الصغيرة تعاد في الصحافة الكبيرة دون عتاب أو لوم من منطلق أنها لا تملك شعبية وقراء بنفس حجم الصحف الكبيرة، أو هكذا يزعمون، أما إذا أعادت إحدى الصحف المجهرية مقالا حتى ولو كان من مصدرها الخاص فإن الانتقادات لا تتوقف لا لشيء سوى لأنها جريدة صغيرة عليها أن تأكل من بقايا الحوت الكبير. فهذا الأمر حسب المختصين لا يسمح بخلق منافسة شريفة في الميدان بين الفئتين فما تجود به الصحافة الكبيرة هو دائما الأفضل والأصدق والأقرب و و و و ..، أما الصحافة الصغيرة فأخبارها مهما كانت قيمة فهي في نظر الشارع غير دقيقة و و و و ... فكل هذه الأمور تصدم الصحافي في عمله اليومي، فامتيازات صحافة ''الحوت'' تغيب عن الصحافة الثانية وهي من عواقب العمل اليومي أيضا تضاف إلى متاعب أخرى لا يعرفها إلا الصحفي نفسه. صحافة ''غوغل'' وصحافة الميدان نظرا للظروف سالفة الذكر أصبحت اليوم الصحافة في الجزائر تعتمد على الشبكة العنكبوتية الأنترنيت للحصول على المعلومة، لكن الحديث عن الأسباب الحقيقية وراء انتشار هذه الظاهرة بكثرة هي حسب المختصين الضغوطات الكبيرة على الصحفيين من منطلق ضرورة وضع مقالين أو أكثر يوميا فهذه الطريقة الأقرب إلى الحصول على المعلومة، إلى جانب غياب مصادر المعلومة أيضا، فهو أمر يجبر الصحفي على اختيار هذا الطريق الأقرب إليه، لكن لا يجب أن نخفي تكاسل الصحفي والجري وراء البحث عن مصادر المعلومة وهو الأمر الذي يشكل عوائق في كثير من الأحيان، وجد من خلال هذا الأمر سبيلا سهلا، وغياب بعض وسائل النقل في الجرائد اليومية، إضافة إلى غياب التأمين وما يصاحبه من متاعب للصحافي أثناء عمله في الميدان عجل بظهور هذه الفئة الجديدة من الصحفيين وهي فئة تلازم عصر السرعة والعولمة. فالمتتبع لصحافتنا أو الصحافة في العالم يرى بروز صحافة ''غوغل'' بقوة وإن كانت غير متاحة للجميع، فالإبحار في الإنترنيت ليس كالإبحار في الميدان، غير أنه لا يمكن اعتبار الصحفي ''صحفيا'' حسب المختصين إذا لم ينزل إلى الميدان، لأن الميدان وحده من يعلم ويكون، أما من يستطيع الجمع بينهما فذلك أفضل وأحسن، أما صحافة الهاتف فهي من أقدم الطرق وأعرقها للحصول على المعلومة، وهي عادة يتعامل بها القدماء من الصحافيين الذين يملكون أجندة ثقيلة ومعارف أثقل، فبين الأولى والثانية والثالثة عامل مشترك هو تقديم المعلومة والمعلومة فقط للقراء، وإن تعددت الأساليب فالغرض واحد. الحديث عن الإعلام وحريته في يوم الإعلام الجزائري المصادف ل 3 ماي من كل سنة لا يقتصر على هذه الأمور، فقد خرجت إلى الوجود نقابات تقول إنها تدافع عن الصحفيين في وقت يصل فيه عدد الصحفيين إلى 4500 فقط، أما الحديث عن حرية الإعلام فهو مكفول بمنظور المجتمع والسلطة وباعتراف الدول المجاورة التي لا تتجرأ حتى على التطرق لرئيسها عبر رسم كاريكاتوري عادي وإلى العام المقبل فكل عام والصحافة الجزائرية بخير.. حرة..نزيهة.. شريفة..غير قابلة للكسر والهدم.