المبدعون ومنتجو الأعمال الأدبية وكل من يمارس الفعل الإبداعي ويمتهن بالموازاة العمل الصحفي كثيرا ما يطرح عليهم السؤال التالي : هل ثمة فضل لمهنة الإعلام على كتاباتهم وإنتاجاتهم الإبداعية وهل العمل الصحفي يمكن أن يضيف للمبدع ويجعل لكتاباته نكهة خاصة؟ من هو خارج هذه المهنة قد يتصور الروائي أو الشاعر أو القاص يستغل مهنته لشحن طاقاته وتخصيب خياله وتحريض إلهامه في حين أن الواقع الذي يعرفه كل من ينتمي إلى هكذا فئة بقول عكس ذلك، وإن كان العمل الصحفي الميداني يتيح نوعا من الحركية والتجدد والتعرف والاحتكاك بمجمل مكونات المجتمع ويسنح التعرف على جميع شرائحه فهو مع ذلك لن يفيد الفعل الإبداعي بالقدر الذي يتخيله البعض .. بل قد يكون له تأثير سلبي على كثير من الحالات مهلكا لموهبتها ومدمرا لملكتها الإبداعية لما يتطلبه العمل الصحفي من فيض طاقة ووقت وجهد وتوتر .. فالمبدع الذي يخوض مجال الصحافة يعيش صراعا مريرا مع ذلك الشيء الذي لا يتوقف عن اتهامه بالخيانة لحقيقته ومهمته الأصلية التي خلق من أجلها وهي الكتابة الإبداعية من جهة وبين ضرورة العمل الكسبي لكي يضمن عيشه من جهة أخرى .. وضعية صعبة ومحبطة يمضي الكاتب عمره في محاولة الإفلات منها إما بمحاولة اقتناص أوقات للخلوة والإنتاج وإما باللجوء إلى التأجيل أو الشروع في أعمال يعرف جيدا أنها ستبقى ورشات أبدية.. وتظل الصحافة والإبداع في فكره وفي مخياله وفي نظر كل من مارسهما صديقين لدودين .. كلاهما مهووس بالقلم وكلاهما عدو له .. كم من أديب أعياه الصراع وأضناه التمزق والاحتراق بولع الكتابة ومؤونة الجيب ففضل في الأخير تطليق الصحافة والارتماء بين أحضان الإبداع مثل الكاتب الكبير ماركيز وأورهان باموق وغيرهم كثر، وثمة من لا يجد مخرجا لمأزقيته الفكرية والثقافية ويمكث نهبا بين عمل يدر عليه ما يحفظ كرامته وبين آخر يلبي حاجاته النفسية والهاجسية ولكن بلا أدنى مقابل وحتى اعتراف كما هو الحال عندنا .. ولا أصعب من هكذا مأزق قد يلازم صاحبه مدى الحياة . وخلاصة القول سواء كنت صحافيا أو غير صحافي فذاك لن يجعل منك مبدعا من طراز معين، كل ما في الأمر أن العمل الصحفي يجعل صاحبه أكثر قربا ومعايشة للناس وعلى اطلاع بتفاصيل حياتهم . فقد تكون للصحفي بنوك معلومات وأخبار ومعطيات لكن ذلك لن يجعل منه روائيا أو شاعرا أو.. المهنة أو الحرفة لا دخل لها في تكوينة المبدع .. ثمة شيء يخلق به الموهوب يؤهله لإنتاج أروع الأعمال وإن تعاطى أبسط المهن وتاريخ الإبداع حافل بهكذا نماذج خلدتها أعمالها الكبيرة مع أنها كانت في الحضيض الاجتماعي والحياتي .