أشرف قبيل أيام رئيس الجمهورية عبد العزيز بوتفليقة، على عملية إعادة فتح حديقة التجارب بالحامة وبعث الروح فيها من جديد، بعد طول انتظار وقلق كبيرين أثار الكثير من التساؤلات الملفوفة بعبارات التعجب والاستغراب منذ أغلقت أبوابها في وجه الجمهور والطلبة المتمدرسين بالمعهد المتخصص في تكوين تقني البستنة والتزيين المتواجد على مستواها منذ تاريخ ماي ,2003 جراء الزلزال العنيف الذي ضرب المنطقة وألحق أضرارا كبيرة بالحديقة وهياكلها وكبدها خسائر فادحة. يكون الرئيس عبد العزيز بوتفليقة من خلال المبادرة التي استبشر بها الجميع والتي جاءت في أولى خرجاته الميدانية منذ إعادة انتخابه رئيسا لعهدة ثالثة في التاسع أفريل الفارط، قد وضع نقطة الفصل أمام كل الفرضيات والتأويلات وحدا للتساؤلات التي ما فتئ وأن يطلقها الكثير من الذين حزّ في أنفسهم غلق أبواب الحديقة والمعهد التكنولوجي المتخصص في البستنة وتزيين المحيط، والذي يشرف على تكوين مختصين في مجال الحدائق والورود والنباتات التزيينية الذي ثم تحويله فيما بعد بصفة مؤقتة إلى بلدية هراوة شرق العاصمة. إلى درجة أن أحد الكتاب الجزائريين المعروفين كان قد أصدر السنة الفارطة رواية تطرق فيها إلى مختلف المراحل والحقب التي مرت بها الحديقة ومعهدها منذ إنشاء هذه الاخيرة من طرف الفرنسيين أول مرة سنة ,1832 أي بعد سنتين فقط من تاريخ احتلال الجزائر. عملية فتح أبواب الحديقة من جديد لم تكن مصادفة، إنما جاءت ثمرة للجهود المبذولة من طرف الدولة التي قامت بتخصيص مبالغ مالية ضخمة لتهيئتها وإعادة تأهيلها من جديد، ونتيجة إيجابية لمجموع الطموحات والرؤى المستقبلية والتخطيطات التي كان قد باشرها مختصون وخبراء جزائريون وأجانب، هذا بالاضافة إلى استحداث إجراءات تنظيمية وأمنية صارمة تراعي الخصوصيات المتعلقة بالسير الحسن والمنظم، تتماشى مع المتطلبات والتحولات التي يشهدها العصر، أهمها تكليف مجلس علمي متكون من خبراء وباحثين وأساتذة مختصين بمهام تسيير إدارة الحديقة، حيث سيقوم هذا الاخير- المجلس - بالسهر على تنفيذ هذا البرنامج الجديد للحديقة التي تعتبر إحدى التحف الطبيعية النادرة التي يجهل الكثيرون قيمتها من حيث أنها مصنفة من بين أجمل خمس حدائق عالمية حسب تصنيف الخبراء الفرنسيين، وثالث أقدم حديقة تاريخية بعد حديقتين متواجدتين في كل من بريطانيا والولايات المتحدةالامريكية لما تتوفر عليه من سحر خلاب وجمال خارق ومناخ فريد من نوعه، لم تستطع لحد الساعة الدراسات العلمية التي أجريت عليها اكتشاف هذه المزايا التي حباها الخالق دون سواها من المناطق، فمثلا يتراوح معدل مناخ الجزائر العاصمة من 6 درجات لحد أدنى في فصل الشتاء و38 درجة لحد أقصى في فصل الصيف، بينما لا تنخفض درجة الحرارة داخل الحديقة في فصل الشتاء تحت 15 درجة ولا ترتفع في فصل الصيف أكثر من 25 درجة ولعله المناخ الملائم والنادر الذي ساعد على نمو عشرات الآلاف من النباتات الثمينة النادرة، حتى أن الفرنسيين كانوا قد حولوا الحديقة أيام الاستعمار إلى أرض للتجارب العلمية التي تجرى على النباتات التي يتم جلبها من مختلف المستعمرات الاخرى، إلى جانب استخدام الحديقة كمشتل لانواع كبيرة من الخضر والفواكه لتوزع بعد ذلك على مزارع المعمرين الذين يجدونها في وضعية مناسبة وملائمة لاعطاء من بعد إعادة غرسها أجود المحاصيل والثمار. وإن كان قرار إعادة فتح أبواب الحديقة من جديد بعد سنوات من الغلق، قد بعث شعاع الفرح والغبطة لدى الكثير من العائلات والمهتمين والمختصين، إلا أنه أثار استغرب وتعجب عمال وإطارات وطلبة المعهد التكنولوجي المتخصص في الحدائق، والنباتات التزيينية الذي لم يعلن عن إرجاعه إلى موطنه الاصلي- حديقة التجارب - ومازاد في استغراب إطارات المعهد الذي تم تحويله إدارته وأقسامه بصفة مؤقتة بعد زلزال الواحد والعشرين ماي 2003 إلى مقر المعهد التكنولوجي الفلاحي المتخصص في الخضروات بهراوة، منح مقر المعهد المتواجد على مستوى الحديقة إلى إدارة جديدة يقتصر عملها على تكوين وتأطير البساتين فقط، ومازاد في حدة الامر كما قالوا أنهم أجابوا السيد الرئيس عندما سألهم عن الاسباب التي تشكل عائقا أمام تكوينهم لمستويات عليا في مجال الورود والحدائق كالتقنيين والمهندسين بالقول إنهم انطلقوا بالبستانيين كخطوة أولى، مضيفين أنهم موجودون والمعهد لا يزال لحد الساعة يشرف رغم كل النقائص على تكوين التقنيين الذين يقصدونه من مختلف ولايات الوطن، مشرين إلى أن معهدهم هو أقدم المعاهد الوطنية المتخصصة في مجال تزيين الحدائق والنباتات، حيث تجاوز عدد التقنيين الذين تخرجوا منه عام 1962 تاريخ استرجاع السيادة الوطنية 700 تقني بالاعلان عن افتتاح الحديقة دون الإعلان عن قرار يقضي بإرجاع المعهد إلى مكانه، يكون حلم إدارته وأساتذه وطلبته والراغبين في الدخول إليه قد تبخر، كيف لا وتكوينهم يتطلب الكثير من العمل التطبيقي في المشاتل والحدائق والبساتين، والعيش عن قرب مع النباتات بمختلف أجناسها وأصنافها وأنواعها، وهو الأمر غير المتوفر حاليا مما ينجر عنه تكوين في غير المستوى المرغوب. المعنيون يتساءلون عن مصير ومستقبل معهدهم في ظل تواجده بعيدا عن الحديقة خاصة بعد أن تبخرت أحلامهم وآمالهم في العودة بعد فتح الحديقة من جهة، وبعد أن تم رفض إعادة بناء مقر جديد للمعهد بمنطقة العالية إثر ظهور خلاف يجهل مصدره حول القطعة الأرضية التي كان من المفروض أن تحتضن مقر المعهد الجديد من جهة أخرى، ليبقى مصيرهم معلقا إلا أنهم يأملون في تصحيح الوضع خصوصا بعدما تم استحداث معارض طبيعية جزائرية 100٪ داخل الحديقة تضم نماذج من مختلف المحميات والحدائق الموزعة على مختلف مناطق الوطن كمحميات جرجرة، القالة وثنية الحد وحديقة تلمسان، ووجود مربعات خاصة بالنباتات العلمية والصحية، وكل هذه العوامل يراها المكونون والاساتذة أهم الظروف المساعدة على التكوين الجيد الذي يفرز لنا إطارات تتميز بالكفاءة والمعرفة الدقيقة لأصول تخصصهم.