فقد الامتحان قيمته ولم يعد ذلك المعيار الصحيح والحقيقي لتقويم مستوى الطالب، بسبب تفشي ظاهرة الغش وتطور أساليبها، حتى أصبحنا اليوم نتحدث عن الغش الجماعي المنظم. فالكثير من الطلاب يقضون الأيام الأخيرة قبل الامتحان في الاستعداد لتهيئة وسائل وأدوات الغش ويبتكرون أحسن الأساليب التي لا يمكن للمراقب ضبطها. يستعد عدد كبير من التلاميذ على اختلاف مراحلهم التعليمية إلى التحضير لاجتياز الامتحانات النهائية التي لم تعد يفصلنا عنها سوى أيام قلائل. وإن كان جل التلاميذ يركزون على ما فهموه وحفظوه خلال العام مع اعتمادهم على دروس الدعم التي كثفت من نشاطاتها هذه الأيام، إلا أن نسبة معتبرة منهم قررت المجازفة والاعتماد على طرق أخرى للوصول إلى افتكاك نقاط جيدة في الامتحانات بالاعتماد على الغش وأساليبه التي تنوعت من تلميذ لآخر كل حسب درجة الحيلة التي وصل إليها. والمثير للانتباه أن حيل التلاميذ في الغش قد تطورت من استعمال الأوراق الصغيرة المرقمة الى التكنولوجيات الحديثة الأخرى التي لم يعد من المستحيل اكتشافها، إلا أنها في كل مرة تعود لتظهر في امتحانات كان من الأجدر لو قضى فيها التلاميذ وقتهم في الدراسة بدلا من اختراع حيل الغش الجهنمية التي تطل برأسها مع اقتراب مواعيد الامتحانات. الظاهرة طالت حتى الابتدائيات لم تعد المدارس الثانوية وحدها من تكثر فيها مظاهر الغش في الامتحانات، بل أصبح الأمر شائع الحدوث في المتوسطات وحتى الابتدائيات. فالغش أصبح ظاهرة في مدارسنا، لكن المشكل انه تطور مع الوقت ليكتسب صيغا أخرى بعيدا عن أعين العائلة والأساتذة. والملاحظ أن الكثير من التلاميذ هذه الأيام يعرضون على بعضهم أفكارا خطيرة لأنواع الغش يجربونها في الامتحانات الفصلية وبعد نجاحها يقومون بإعادة تجربيها في امتحانات أكثر أهمية كامتحان البكالوريا أو الرابعة متوسط. وبين المجدين والباحثين عن النجاحات السهلة أصبح الامتحان فرصة لاستعراض ومعرفة من الأذكى: المجد أم مخترع أساليب الغش الحديثة والمتطورة؟ نسخ الدروس وتصغيرها يجري على قدم وساق يعتمد الكثير من التلاميذ على الوسائل الحديثة من أجل الحصول على الإجابات الصحيحة لأسئلة الامتحانات التي نذكر منها على الخصوص؛ كتابة الدروس في أوراق وتصغيرها بواسطة آلات النسخ لتأخذ مساحة أقل ويمكن إخفاؤها في أكمام القمصان أو بين طيات أوراق الإجابة، وهناك أيضا الكتابة على الأيدي، السيقان، الأذرع، وكذلك على المقاعد، ثم أيضا الكتابة على أدوات الهندسة البلاستيكية الشفافة والتي لا تظهر الكتابة عليها، إلا إذا وضعت على الورق الأبيض بطريقة تشبه الحبر السري. وهناك أيضا القلم السحري الذي يكتب به التلاميذ دروسهم على ورق ابيض يمكن أن يظهر بعد مدة معينة بواسطة تمرير قلم ملون على الكتابة السابقة الشفافة، وهو قلم مستورد من الصين تعكف المصالح المختصة على مصادرته من الأسواق في المدة الأخيرة بعد رواج استعماله بين التلاميذ واستحالة اكتشافه من قبل المراقبين. بالإضافة إلى ما ذكرنا، نشير إلى لجوء التلاميذ للغش بواسطة الهاتف النقال وذلك عن طريق إخفائه في الملابس وتوصيله بسماعة وقت الحاجة وتحويل رنينه إلى طريقة الاهتزاز حتى لا يسمع، وعبره يبعث الطالب لصديقه أو أحد أقاربه بالسؤال مكتوبا ويتلقى الجواب مسموعا أو مكتوبا حسب ظروف المراقبة. والملاحظ أن أساليب الغش في الامتحان عديدة، وكل يوم يبتكر الطلبة الجديد في هذا المجال. لكن أخطر ما يتداول على الساحة التعليمية حاليا وأصبح حديث الخاص والعام، هو ما يسمى بالغش الجماعي؛ وهو عبارة عن تواطؤ بين التلاميذ وبعض المراقبين الذين يتغاضون عن عمليات الغش أو أحيانا يتعاونون مع الطلاب في نقل الإجابات الصحيحة من تلميذ لآخر حتى تحصل المدرسة على نسب نجاح مرتفعة. وعن شيوع ظاهرة الغش في الامتحان ذكر الدكتور علي قاسي أخصائي نفساني، أن الأمر يعكس ابتعاد الأولياء عن التلاميذ والمشكل أن الكثير من الأولياء أصبحوا يتغاضون عن الغش وكل ما يهمهم هو نجاح أبنائهم بأي ثمن أو طريقة كانت، وبالتالي فالأمر أصبح يتطلب تضافر جهود الأسرة والمدرسة للقضاء على المظاهر الأولى للغش الذي لم يعد مقتصرا على المدرسة فقط بل شمل جوانب عديدة من حياتنا اليومية، فالغش موجود في المدرسة والسوق والملعب. ومن المؤسف أن يكبر أبناؤنا وان تنطبع في ذهنهم فكرة لا نجاح دون غش، والذي ساهم في انتشاره التحول السلبي في مجال التقويم التربوي. ولا يمكن للمرء اليوم إلا أن يتساءل عن جدوى الامتحان بطريقته الحالية التي أصبحت بدائية ومتجاوزة ما دام الطلبة لا يجدون صعوبة في اختراقها . فالتطور الذي يشهده العالم لحظة بعد أخرى، يقتضي منا أن نغير مناهجنا التربوية وأساليب تقويمنا للطلبة على الدوام، وان نغرس فيهم مبادئ الاعتماد على النفس بعيدا عن شعار التلاميذ الدائم ''من نقل انتقل ومن اعتمد على نفسه بقي في قسمه''.