البطلة العالمية والأولمبية حسيبة بولمرقة أول امرأة جزائرية تحصل على المعدن النفيس في تاريخ الجزائر، ورغم مرور أكثر من 17 سنة على تلك اللحظات التاريخية التي أبكت وأفرحت الجزائر والجزائريين، لا سيما مع ذلك الجو المحقون سياسيا، إلا أنها ما تزال تحتفظ بالرقم القياسي لسباقات ال 1500 متر بزمن 3,55 دقيقة سواء على المستوى الوطني، الإفريقي وحتى الأولمبي، حسيبة بولمرقة اليوم وجدناها سيدة أعمال ناجحة، وتحدثت في أول مقابلة مع '' الحوار '' عن تلك اللحظات التاريخية، كيف بدأت الرحلة، رؤيتها للأجيال الحالية في مجال الرياضة، دخولها السياسة، علاقتها مع الشعب والقضية الصحراوية، التطبيع الرياضي مع إسرائيل، وعديد القضايا التي تجدونها في هذا الحوار ------------------------------------------------------------------------ تحتفلين هذا الأسبوع بالعقد الرابع، وبعد مسيرة حافلة بالإنجازات الوطنية والإفريقية والعالمية، متى بدأت حسيبة طريق البطولة؟ ------------------------------------------------------------------------ هذا سؤال تقليدي يطرح دائما عليَّ، فحسيبة بولمرقة هي من مواليد قسنطينة يوم 10 جويلية 1968 وكبرت هناك، وأكملت دراستي هناك أيضا، وجئت للرياضة عن طريق الرياضة المدرسية، حيث كان الأستاذ المسؤول عني '' العابد شارف '' في مادة الرياضة يرى أني فتاة نشيطة وتحب الرياضة وكلي حماس فقام بتجريبي، فإذا بي أفوز على كل المتسابقين وحتى المنتمين للأندية، وكان هذا سر تفاجؤ مدرّسي الذي أعاد فيما بعد السباق في مرة ثانية ولم يصدق بعدما استطعت الحصول على توقيت أحسن من الأول في سباق 100 متر، وفيما بعد اقترح علي أن أشارك في سباق مدرسي للعدو الريفي، وكان هذا في سنة ,1983 حيث جريت في مدخل مدينة قسنطينة في المكان المسمى عين السمارة وفزت بسباق المنافسة وهناك اكتشفني الجميع لأول مرة. ------------------------------------------------------------------------ نشأت في بيئة محافظة تشتهر بطابعها الخاص والمحافظ، ألم يشكل لك ذلك كشابة بالخصوص، اعتراضا من بعض الفئات سيما وأنك تتسابقين ب '' شورت '' ؟ ------------------------------------------------------------------------ أستطيع القول إنه لم تكن هناك مشاكل في تلك السنوات مثل الآن، فعدد المحجبات لم يكن كثيرا، ولم يكن هناك من عُقد في هذا الإطار، نحن كنا ندرس في مدارس مختلطة ولم يكن فيه تدخل في الخصوصيات، ورغم هذا فالرياضة النسوية كانت قليلة، بالرغم من وجود أسماء لامعة مثل سكينة بوطمين، فاطمة، العيبي.وفي الحقيقة هم كانت لهم صعوبات كبيرة لممارسة ألعاب القوى، وأنا أتيت من فئة الصغار وهذا ربما لم يجلب لي الأنظار كثيرا، بل لاقيت كل التشجيع من الأساتذة والمدير، والمدرب والكل كان يأمل ويرى فيّ بطلة كبيرة وهذا تحقق والحمد لله.وبالنسبة لموقف الوالد والوالدة فأمي كانت تشترط فقط الدراسة، والوالد كان متفتحا للغاية، وقد كان يعيش في الغربة، وكان يتفهم معنى الرياضة رغم أنه ولد في فترة الاستعمار الفرنسي، وكان يبعث لي رسائل كثيرة لكي يشجعني، وامتدت دراستي إلى أن نلت شهادة البكالوريا في ,1989 حيث تنقلت إلى العاصمة وحصلت على شهادة الليسانس في العلوم التجارية، وقسنطينة صحيح أنها مدينة محافظة لكنها خرجت جمعية العلماء المسلمين وهي مدينة العلم والعلماء، وهي ذات بعد مهم في الناحية السياسية وتعتبر من أصعب المدن وفيها عدد ضخم من الطلبة. ------------------------------------------------------------------------ في نظرك هل من الصعب اليوم إنجاب بولمرقة أخرى وسكينة أخرى ونوال المتوكل وغادة شعاع وعويطة ومرسلي؟ ------------------------------------------------------------------------ صراحة نحن لا نملك وزارات للرياضة وإنما في كل الدول العربية هناك وزارات لكرة القدم والكل يعمل لهذه الرياضة فحسب، كما أن السياسات المعتمدة سياسات ارتجالية ولا تقوم على منطق بيداغوجي صحيح ولا على استشارة جيدة، وللأسف كل السياسات متقاربة.ومع دخول العولمة خرجنا حتى على السياسة الاشتراكية التي كانت تستثمر في الموارد البشرية، وزد أن الإمكانيات قليلة، والميزانية ماذا تساوي؟ ففي السبعينات كانت في الجزائر تصل إلى 13٪ من ميزاينة الدولة واليوم هي تساوي 0,62٪ من ميزانية الدولة فقط، وأعتقد أن الدولة الوحيدة التي قامت بمنشآت قاعدية هي تونس وقد سبقت حتى قطر والسعودية، وسأتوجه يوم الخميس لمنح جائزة للرئيس التونسي نظرا لمجهوداته في هذا الإطار. ------------------------------------------------------------------------ حسيبة بولمرقة تستقبلنا اليوم في مكتب أعمال ونلاحظ أنك تديرين أرقاما تجارية مهمة في عالم بيع الأدوية، كيف تحولت بطلة ال 1500 من الرياضة للتجارة؟ ------------------------------------------------------------------------ في الحقيقة، سبق وأن كشفت أني حاصلة على شهادة الليسانس في العلوم التجارية، فلما قررت توقيف حياتي الرياضية، كونت شركة تجارية تحمل اسمي وهي مؤسسة '' HBI '' حسيبة بولمرقة العالمية وهي مختصة في المجال الصيدلي التوزيع والإنتاج، وأنا فخورة والحمد لله، إذ كان لي بعد الحياة الرياضية هاجس وربما خوف شديد من الفشل في حياتي العملية بعد نجاحي في حياتي الرياضية، والحمد لله اليوم نجحت ولا أعتمد على أخي أو زوجي أو والدتي، بل أعتمد على نفسي، وافتخاري الحقيقي أنه عندما أقود سيارتي بعرق جبيني فهذا هو افتخاري والاعتزاز الحقيقي والحمد لله. ------------------------------------------------------------------------ حسيبة لماذا دخلت السياسة في فترة من الفترات؟ ------------------------------------------------------------------------ في الحقيقة السياسة هي التي جاءتني ولم أذهب إليها، وأود القول إني عندما حصلت على أول ميدالية ذهبية في طوكيو العام 1991 بعدها بأسبوع حرض البعض أشياء ضدي بداعي أني لا أنتمي لقيم الجزائر وتهجم علي وعلى شخصي، ومنذ ذلك اليوم حز في نفسي كثيرا وقررت الدفاع عن الجزائر وأوصلنا الرسائل لكل العالم بأن الجزائر لن تركع. ------------------------------------------------------------------------ قضية عاطفية ومساندة بلا هوادة تقومين بها لمناصرة شعب الساقية الحمراء ووادي الذهب، كيف بدأت القصة وماذا تأملين من وراء هذا الدعم؟ ------------------------------------------------------------------------ صحيح أنا إنسانة عاطفية كثيرا ولا أحب الظلم، ما عاشه الشعب الجزائري إبان فترة الاحتلال الفرنسي كان كثيرا، وهذا الشعب يستحق أن يكون له وطن مثله مثل الشعب الفلسطيني الذي يستحق أن يكون له وطن والأمور يجب أن تسوى في هذا الاتجاه، فالرياضة تدق أبوابا تعجز السياسة عن دقها، وكثير من رياضيي العالم يخدمون الإنسانية والطبيعة وأشياء كثيرة، وأنا لم أرد الذهاب بعيدا عن العاصمة فتندوف هنا والشعب الصحراوي يستحق أن ندافع عنه، فهو بشر مثلنا ويعيش أوضاعا قاسية جدا ويستحق الحرية والاستقلال، وهي آخر المستعمرات، وعلى كل جزائري أن يقف مع هذه الشغب المسكين. ------------------------------------------------------------------------ وقوفك مع الشعب الصحراوي، هل هذا يعني أنك تقومين بمساعدات أخرى مع شعوى أخرى؟ ------------------------------------------------------------------------ نحن نحاول بقدر المستطاع (إذا سنحت الفرص) تقديم مساعدات إنسانية بدون تردد، فأنا رئيسة جمعية أمراض السرطان بجيجل، كذلك أنا عضو في أكاديمية المجتمع المدني وفيها خيرة النخبة الجزائرية، ونحن نحاول الرفع إزاء كل الأزمات التي تصيب الجزائر بتنظيم وأنا موجودة بجمعية الرياضة والمرأة في نيويورك والاتحاد الدولي لألعاب القوى، ورئيسة لجنة سبونسور في الكنفدرالية الإفريقية لألعاب القوى ورئيسة لجنة تحكيم في إفريقيا وسنعمل على منح جائزة لروجي ميلا في الكاميرون. ------------------------------------------------------------------------ بصراحة، ما رأي حسيبة بولمرقة في الجيل الذي تلاكم في سباق 1500 متر بالنسبة للإناث؟ ------------------------------------------------------------------------ في الواقع وبدون غرور فنحن عملنا، وكنا نأمل أننا مهدنا الطريق لوضع الثقة للأجيال القادمة، لكن المؤسف أن العكس هو الذي حصل، فالجيل الحالي ليس لديه ثقة بنفسه فضلا عن نقص الإمكانيات، وأنا في كل مرة أتلقى صفعات من طرف السياسيين، لهذا يجب إعطاء فرص للشباب ويجب أن نعطيهم الإمكانيات، وسؤالي موجه للسياسيين، لو لم نقم نحن حسيبة بولمرقة ونور الدين مرسلي بحصد ألقاب هل كانت الجزائر ستعجز عن إنجاب آخرين ؟!!... إذاً يجب أن نعمل على إدماج الشباب. ------------------------------------------------------------------------ قلت قبل لحظات إن الرياضة يمكن أن تدق مالا يمكن لسياسة دقه، ما رأيك بصراحة في التطبيع الرياضي مع إسرائيل؟ ------------------------------------------------------------------------ هذا الجانب فصل فيه، ففي سنة 1994 عندما كان يعتلي الوزير سيد علي لبيب وزارة الشباب والرياضة، حسمت الأمور بضرورة منافسة المنافس الإسرائيلي، ولم تبق هذه الحساسيات، فنحن لانعيش في عالم وحيد إذ هناك دول نحن نتمنى منافستها والتغلب عليها، ودعني أقول إن هناك عشرات الدول التي نعترف بها وهذا لا ينفي أننا مع فلسطين دائما اليوم وغدا وبعد غد. ------------------------------------------------------------------------ أما تزال حسيبة اليوم ترتبط بعلاقات جيدة في الوسط العالمي؟ ------------------------------------------------------------------------ والله صعب أن تحتفظ بكل العلاقات سيما بعد الخروج من المنافسة، لكن الرياضيين الذين كانوا أصدقائي هم نفسهم، فنحن ما زلنا باتصال بصديقي العداء الناميبي فريد ريكس وكذلك مع بوبكا، والتقيته في اللجنة الدولية، ونوال المتوكل، حيث كرمنا، ومع هيلي جيبرسلاسي وهو صديق حميم جدا وهذا مثل حالكم أنتم في الصحافة فهناك الصديق القريب جدا وهناك البعيد وهكذا. ------------------------------------------------------------------------ على ذكر العداءة والوزيرة المغربية نوال المتوكل، عندما وصلت نوال إلى سدة الوزارة هل شعرت أنك قريبة من منصب وزير؟ ------------------------------------------------------------------------ لكل شيء وقته، ولكل فترة رجالها ونساؤها ولكل مقام مقال. ------------------------------------------------------------------------ علاقتك مع الصحافة كيف كانت وكيف هي اليوم؟ ------------------------------------------------------------------------ والله هي طيبة على العموم لأني لم أغلق بابي وما صنعت حاجزا قط ، أنا لا أحب صحافة الإثارة، أحب الموضوعية ولا وجود لمشكل. ------------------------------------------------------------------------ لماذا لم تدخلي مجال الإعلانات؟ ------------------------------------------------------------------------ هذا يدخل في اتجاه الاقتصاد الجزائري، ونحن سوق ما تزال مغلقة ولم تفتح بعد 100٪ زد على نقص الإنتاج، فالطلب أكثر من العرض إذ أننا لم نتطور. ------------------------------------------------------------------------ شخصية أثرت كثيرا في أنا حسيبة بولمرقة الإنسانة؟ ------------------------------------------------------------------------ (بقليل من التفكير) شخصية الرئيس الراحل محمد بوضياف، حتى أني لما فزت في صيف 1992 واجتزت خط الوصول سألتني الصحافة لمن أهدي هذا الفوز، فقلت مباشرة إني أهديه للرئيس محمد بوضياف. ------------------------------------------------------------------------ كيف هي بولمرقة كسيدة بيت في المنزل؟ ------------------------------------------------------------------------ حسيبة بطلة أولمبية، لكنها ربة بيت جيدة، فنحن في قسنطينة لنا عادات وتقاليد مثل كل منطقة في الجزائر، مثل غرداية وباتنة ووهران وغيرها، فالفتاة التي لا تعرف طهي المأكولات هي فتاة ناقصة، وهذه نظرتنا، فكل الفتيات عندنا تحسنّ الطبخ وخبز الكسرة والشخشوخة والكسكسي.. إلخ، وأنا تعلمت عندماكنت في قسنطينة وكنت أطبخ وحتى الآن، وأنا إنسانة عادية أسكن مع عائلتي ولست مغرورة بالمال وأحب الأغاني الفلكلورية. ------------------------------------------------------------------------ أجمل ذكرى تحتفظ بها حسيبة؟ ------------------------------------------------------------------------ الذكريات كثيرة، لكن الذكرى التي أحبها كثيرا هي يوم الألعاب الأولمبية، يوم ربحت أول ميدالية ذهبية في تاريخ الجزائر، لأن هذا المجتمع الرجالي شاء أن تأتي أول ميدالية من امرأة. ------------------------------------------------------------------------ ما زالت أنيقة وتحتفظين بجمالك، لكن وزنك زيادة على ما تود الظهور به بنات جنسك، لماذا؟ ------------------------------------------------------------------------ (تضحك) مثل أي امرأة اليوم، فأنا لست رياضية كما كنت 100٪ حيث يمنع عنا كل شيء اللحم، المشروبات الغازية، المأكولات الحارة.. إلخ كما أنه شيء صعب عندما تتدرب من قبل 8 ساعات في اليوم ثم تنقطع لتشتغل 8 إلى 10 ساعات في مكان واحد، فأنا اليوم كذلك، رغم أن الحياة العملية تأخذ مني الكثير من الجهد الفكري، فأنا أسير وأبذل مجهودا لكي أكون قريبة من العمال وهذا شيء صعب.. ------------------------------------------------------------------------ سؤال محرج لكنه مبعوث من أكثر من معجبة بحسيبة بولمرقة البطلة العالمية لماذا لم تتزوجي إلى الآن؟ ------------------------------------------------------------------------ هو سؤال شخصي.. (وتضحك)