أثبتت الدراسات التربوية أن هناك ارتباطا وثيقا بين قراءة الطفل وبين تقدمه الدراسي والعلمي، بل إنها أثبتت ما هو أكثر من ذلك، حيث أن الطفل القارئ لديه تفوق لغوي ومهارة تعبيرية وسرعة البديهة وذكاء في الجواب وترفع مستوى الفهم لديه وتوسع دائرة الخبرات عنده وتفتح أمامه أبواب الثقافة والمعرفة وتحقق له التسلية والمتعة وأهم من ذلك كله القدرة على التخيل والإبداع وبعد النظر والتفكير السليم وتحرر عقله من قيود الماديات. يتحدث الكثيرون عن أهمية القراءة ومدى فعاليتها في تنمية الأطفال منذ الصغر فهي الطريقة المجدية لربط الطفل بالقراءة إن لم تكن الوحيدة في زمن لم يعد للكتاب أية أهمية باستثناء الكتب الدراسية ووقت الدراسة فقط. أما في العطل المدرسية فكل الكتب تتنحى جانبا، وفي هذا الاطار تحدثنا مع معلمات مدارس اللائي أكدن أن الأم ما زالت لا تولي اهتماما لهذا الأمر فرغم أن هناك كثيرا من أمهات الأطفال متعلمات إلا أنه لم تتغير تربيتهن لأبنائهن عن تربية أجدادهن، ومبررات بعضهن أنهن يعطين لأطفالهن الحرية في اختيار ما يشاءون والتعبير عن رأيهم بكل صراحة. شهادات بعض المعلمات على تهاون الأمهات في حث أبنائهم على القراءة في البداية تقول خديجة وهي معلمة في الابتدائي ''لدينا أطفال كثيرون وأمهاتهن جامعيات وموظفات تجدهن لا يختلفن كثيرا عن بقية الأطفال في موضوع القراءة والمطالعة، أنا أعمل في هذا المجال منذ ست سنوات لم أقابل طوال هذه المدة سوى طفلين فقط معتادين على القراءة والمطالعة لأن والدتهما تقرأ عليهما القصص من الكتاب قبل نومها فتعوَّدا على حب الكتاب وكنت أراهما يذهبان لمكتبة المدرسة ليطلعا على القصص ويأخذا بعضا منهما ليقرأها مع أمها قبل النوم فتعويد الطفل أن يرى والديه يقرآن له من الكتاب تجعله يتعلق بالكتاب، كما ان هذه طريقة سهلة وممتعة سواء للطفل أو الأم علاوة، على أنها تشكل علاقة روابط كبيرة بينهما، ومع هذا لا يتعبها إلا القليل إن لم يكن النادر. وكذلك تصف سليمة أن الأطفال لديهم شغف بالقصص وهذا ما تلمسه حين تقرأ عليهم كتب القصص حيث تلمس تجاوبا عاليا وحماسا لمتابعة بقية أحداث القصة، وتضيف لقد اجتمعت بعدد من الأمهات وشرحت لهن أهمية أن تقرأ لطفلها ليتعلم هو حب القراءة. فمن الصعب أن يحب الأبناء الكتاب في كبرهم خاصة في زمن الفضائيات، إلا أن معظمهن تحججن بمئآت الحجج من زحمة أعمال المنزل، إلى أن أطفالهن يحبون القصص هنا فقط وذلك بسبب الجو العام. أما في منازلهم فهم عكس ذلك وغيرها من المبررات التي لا أرى قيمة لها لو أصرت الأم على تنفيذ ما تريد، خاصة أن الأطفال في هذه الأعمار مثل العجينة تشكلها كيفيما تريد ومن الصعب أن نجدهم مزدوجين أي أن الطفل يحب الكتاب في الروضة ويكرهه في المنزل أو العكس، إلا في حالات نادرة ولكن للأسف الأمهات في الأصل لا يهتمون بهذا الأمر. وهذا ما أكدته أيضا المعلمة سعاد التي تشير إلى أن معظم الأمهات رغم أن منهن متعلمات يصب أكثر اهتمامهن على ملبس الطفل ومأكله، متناسيات الغذاء العقلي، فلو اهتمت كل أم بأن تجعل للكتاب نصف نصيب الألعاب والكمبيوتر من الوقت لرأينا كيف يقبل الأطفال على الكتاب. أما أن تدع الأمهات الأمر متروكا للطفل ذاته أو لروضته ومدرسته فمن الطبيعي أنه لن يقبل على الكتاب خاصة أن الكتاب والجلوس لقراءته يحتاج للجد وسيطرة على النفس، ولن يحصل هذا بالنسبة للأبناء، إلا هناك علاقة حب وألفة بين الطفل والكتاب ويرصد لوضع الأطفال في المكتبات سنجدهم يتمركزون حول ملحقات الكمبيوتر أو الألعاب ومن النادر أن تجد طفلا عند الكتاب فكيف سننمي جيلا قارئا ونحن لم نتعهده منذ الصغر. آراء الأمهات حول دورهن في حث أبنائهن على القراءة ومن جانب الأمهات تقول حورية وهي أم لطفلين أحدهما بالتمهيدي والآخر في الابتدائي: أنا حريصة على أن أعلم أبنائي القراءة وأحببهم فيها، ولكني لا أجد التجاوب منهم فبمجرد مسكهم للكتاب ينظرون إلى الصور ويتفقدونها ثم يرمون بالكتاب. حاولت أن أحببهم في القراءة من خلال قراءتي أنا للكتاب إلا أنهم سريعوا الملل، فما ان تمر ربع ساعة أو أقل حتى يبدأوا بالتحرك من أماكنهم ويعلنوا مللهم، إن ما أقرأه لا يروق لهم أي أني لاحظت أنهم يزعمون مللهم من الكتاب وليس مني رغم أني غيرت فترة القراءة وأنواع الكتب ولكن دون فائدة. وتؤكد هذا القول أنيسة التي لديها طفل واحد في التمهيدي وتقول: ابني في المدرسة يقبل على القراءة والكتاب وذلك حسب قول معلمته، أما في المنزل فوقته للكمبيوتر رغم أني آخذه للمكتبة وأترك له حرية الاختيار، وبالفعل يأخذ مجموعة من الكتب ولكنه يفضل أن يقرأها في المدرسة مع معلمته وزملائه وليس في البيت، فعرفت أن جو القراءة في القسم يختلف عنه في المنزل حيث أن وجوده مع زملائه يبث فيه الحماس للاستمتاع والمشاركة أيضا، مع العلم أني أحاول إغراءه بالهدايا ولكن دون فائدة وهو يرى أن جو الفصل والتصفيق الذي يحصل عليه وأحيانا الهدايا كافية عما يحصل عليه في المنزل. أما سمية ذات ثلاثة أطفال في صفوف مختلفة من المرحلة الابتدائية فالقراءة أصبحت شبه سلوك لأبناءها خاصة البنات وتقول: حقيقة لم أبذل جهدا كبيرا في موضوع تحبيب أبنائي في القراءة فزوجي قارئ ممتاز، والكتب تملأ المنزل وزياراته كثيرة للمكتبة، وكان يأخذ أبنائي معه في معظم زياراته مما جعلهم يألفون وجود الكتب في حياتهم، وكان حريصا على أن يشاركهم بعض القراءات وبأسلوب مرح، فتحولت الألفة إلى عادة حيث أصبحوا هم يطالبونه أن يقرأ معهم عندما ينشغل عنهم، فحوَّل مهمة مشاركتهم القراءة لي، وبالفعل توليت المهمة لفترة وعندما كبروا أصبحوا يقرؤن لأنفسهم ، وأراهم عندما يجد أحدهم كتابا جيدا يعطيه للآخر ليقرأه. أهل الاختصاص يحثون على صناعة القراءة أكدت أستاذة وطبيية علم النفس السيدة ليندة بن طالبي أننا في عصر كثرت فيه أدوات الترفيه المشوقة، خصوصا تلك الألعاب الالكترونية التي تأكل من عمر أطفالنا ساعات طويلة، حيث تضيف عندما يكون الآباء مهمتين بالمطالعة والقراءة وينشأ الطفل على رؤية ذلك منهم فإن دور القدوة الحسنة هذا مهم، خصوصا إذا أحسن الآباء في إيجاد مكتبة في ركن البيت فيها الكتب المشوقة والمصورة التي تناسب عمر الطفل ، وتلبي رغباته وتشجع هواياته مع بعض المجلات الخاصة بالطفل مع قليل من التشجيع وتوفير الجو المناسب للقراءة. ومن الأمور المشجعة أن يصطحب الأب طفله إلى المكتبات ليبتاع منها ما يناسبه مع قليل من المساعدة والتوجيه فإن جو المكتبات يشعر الطفل بأهمية القراءة والاطلاع وينشئ بينه وبين الكتاب علاقة حميمية. ومن الأمور المساعدة أن نعرف أن الأطفال يختلفون في نوعية القصص التي يحبون قراءتها، فتجد من يفضل قراءة قصص الحيوان وهناك من يفضل قصص البطولات وانتصار الخير على الشر، وهناك من يحب الاغراق في الخيال فيحب الأساطير وقصص العفاريت وبلاد العجائب. ولهذا فأنا تضيف السيدة بن طالبي أؤكد يجب أن نقرأ لأطفالنا فجميل أن تقرأ لطفلك فيسمع منك ويتعلم منك حب القراءة، حتى ولو كان ما تقرأه له مكررا وليس له فائدة، عليك بالصبر والقراءة له وحاول أن تناقشه أحيانا فيما تمت قراءته وأعطه أحيانا ليقرأ هو عليك وتحمل أخطاءه ولعثمته. فأنت أو أنتِ بذلك تهدينه هدية تبقى معه طول العمر تنور له دربه، وتهديه طريق العلم والمعرفة والثقافة، فكم من الأوقات قد تضيع على الطفل وهو في طريقه من البيت إلى المدرسة لماذا لا يوفر الأولياء له في السيارة كتبا ومجلات يقرأها، فأنا أحث على أن تزرع مكتبة مصغرة للطفل في كل مكان يتواجد فيه الطفل بجوار السرير وبجوار التلفاز وبجوار صندوق الألعاب، لربما امتدت يده فاستفاد وتعلم وأحب القراءة بسبب توفر الكتاب أمامه في وقت ما. فهناك كتب تتحدث عن شخصيات يحبها الطفل أو التي يمكن أن يحبها وكتب تتحدث عن الرسول صلى الله عليه وسلم، حياته ومعجزاته وصحابته والشخصيات البطولية في التاريخ الاسلامي، وهذا كله موجود في قصص مشوقة وجذابة تتناسب مع الأطفال. فالقراءة والمطالعة تصنع للانسان الصغير عالما أوسع وأرحب وأعمق فيتحرر عقله وتنطلق ملكاته.