تستغل بعض النساء الماكثات بالبيت فرصة حلول فصل الصيف أين تكثر الاعراس والمناسبات السعيدة لصنع الحلوى وبيعه،ا وكذا لتعليم البنات اللواتي يردن إكتساب هذه الحرفة التي أصبحت العاصمة تشتهر بها كثيرا وإثر الانتشار الواسع لهذه الحرفة وصناعها تجولنا في أحياء العاصمة، وبالضبط في حي الياسمين بالمدنية أين قابلنا إحدى النساء الماهرات في هذا الفن، التي إستقبلتنا في بيتها وحدثتنا عن أسرار هذه الحرفة. صنع الحلوى فن قابل للتجديد أول ما يلفت الانتباه عند الدخول إلى مطبخ السيدة فاطمة الزهراء، هو وجود أنواع مختلفة من الحلويات، بما فيها البقلاوة المشكل، والمخبز، حيث ذكرت السيدة فاطمة أنها تستيقظ على الساعة الخامسة صباحا لتقوم بإنجاز هذه الانواع المختلفة، وهي طلبية لاحد الزبونات اللواتي تعودن صنع الحلوى عندها. وتضيف أن المادة الاولية التي تستخدمها لصنع أنواع الحلوى هي اللوز الجوز الفستق البندق، بالاضافة إلى صنعها تشكيلة رائعة من الحلويات على شكل فواكه، فالنظر إليها للوهلة الأولى يوحي لك وكأنك تنظر إلى فاكهة حقيقية لا فاكهة مصنوعة بعجينة اللوز والمزينة بعدة ألوان الشبيهة بالفاكهة الاصلية، كما تستبعد في صنع اللحوى إستخدام الكوكاو، وذكرت أن السبب في ذلك يرجع إلى المذاق المختلف بين النكهات الموجودة في هذه المكسرات، كما سألناها عن الاثمان فقالت أن لكل نوع سعره الخاص، فمثلا البقلاوة المصنوعة بالجوز واللوز سعر الحبة الواحدة 35دج، أما المخبز فسعرة 30دج أما المشكل فسعره 40دج، وسألنا عن سبب تفاوت هذه الاسعار فذكرت أن الإختلاف يكمن في المادة الاولية المستخدمة في الحلويات تختلف فهي تشتري الكيلوغرام الواحد لمادة اللوز ب 1000دج إضافة إلى الجوز وللبندق والفتسق المستخدم في المشكل تصل أسعار هذه المواد إلى مبالغ عالية ، ويرتفع سعرها خاصة في فصل الصيف أين تكثر الافراح والمناسبات السعيدة إضافة إلى الوقت الطويل الذي تستهلكه هذه الحلويات في إعدادها. الحلوى فن متوارث عبر الاجيال وبعدها إنتقلنا إلى حي غير بعيد عن حي الياسمين بالمدنية ويسمى بالمنظر الجميل، حيث دخلنا إلى منزل السيدة نعيمة التي استقبلتنا بحفاوة، فوجدنا مجموعة من النساء والفتيات اللواتي قصدن السيدة الملقبة بالحلواجية نعيمة، ليتعلمن فن الطبخ والحلويات التقليدية والعصرية، وتقول السيدة نعيمة أن هذه الحرفة تعلمتها من أمها وجدتها اللتين كانتا تقطنان بحي القصبة العريق، المعروف بحلوياته التقليدية وبطبخه الاصيل، حيث أخذت كل ما تعلمته لتعلمه بدورها للجيل الجديد، كما أنها أضافت لهذا الطابع الاصيل لمستها العصرية نظرا للمنافسة الحادة بين النساء المختصات في هذه المهنة، والتي تتطلب الابداع وحسن اللذة والمذاق وخاصة الشكل، كما سألنا السيدة نعيمة عن أكثر الحلويات طلبا من طرف الزبائن فذكرت أنه لا توجد أنواع خاصة أو محددة، إنما كل زبونة وذوقها الخاص وإمكاناتها الخاصة، حيث إن بعض الزبونات المرتاحات ماديا لا يهمهن السعر المادي إن كان مرتفعا ،بل الذي يهمهن هو الانواع التي تقدم، حيث الواحدة منهن تريد أحسن وأحدث الحلويات كالفنيد ومقروط اللوز وسكندرانيات إلخ لتتباهى بها أمام أقربائها من النساء والعائلات اللواتي لا تسمح لهن القدرة على شراء المواد الاولية كاللوز الجوز الفتسق البندق، لذلك فإنها تفضل بعض التعديلات والحيل وبعض النكهات التي تستبعد طعم الكاوكاو، وهذا يرجع طبعا إلى مهارة كل حلواجية، كما سألنا إحدى الفتيات اللائي كن جالسات حول مائدة مستديرة موضوع عليها بعض المقادير لصنع بسكويت بالشكولاطة، وطرحنا عليها سؤالا عن سبب مجيئها إلى منزل السيدة نعيمة، فذكرت أنها ستتزوج في الصيف المقبل وتريد أن تدخل إلى بيتها الزوجي وهي على دراية بفن الطبخ، وخاصة أنها كانت تدرس في الجامعة وظروف الدراسة كانت لا تسمح لها بالدخول إلى المطبخ. فهذه فرصة لها لتدخل إلى عالم الطبخ وتتعلم من بعض أسراره، ثم إنتقلنا إلى سيدة أخرى وهي في منتصف العمر، وتدعى السيدة فتيحة، والتي كانت تحمل معها كراسا وتكتب فيه كل الوصفات والمقادير بالتدقيق، سألناها عن سبب مجيئها إلى هنا فذكرت أنها سيدة ماكثة في البيت وربة أسرة، كما أن هدفها هو تعلم أسرار فن الطبخ بما فيه الحلويات التقليدية والعصرية، لتقوم بدورها بصنع الحلوى للزبائن بهدف تحسين وضعها المادي، لأن زوجها محدود الدخل حيث أصبحت الحلويات خاصة في العاصمة لها أهمية كبيرة في الاعراس والمناسبات، وتقول كذلك أن الاعراس أصبحت تقدم فيها خمسة إلى ستة أنواع من الحلوى، وعند خروجنا من بيت السيدة نعيمة قدمت لنا بعض أنواع الحلوى لنتدوقها فشكرناها على حسن إستضافتنا ، وطيب كرمها . حتى الرجال يبدعون في هذا الميدان. تم توجهنا إلى محل بيع أنواع الخبز والحلويات فتوقفنا ، فلفت إنتباهنا الانواع الجميلة من الحلويات بتناسق ألوانها وأشكالها في الواجهة، دخلنا إلى المحل فرحب بنا صاحبه السيد مقران، سألناه عن مصدر صنع هذه الحلويات فذكر أن صناعة الحلويات ليس فنا للنساء خصيصا، بل أيضا الرجال يبدعون في صنع مختلف أنواع الحلويات سواء التقليدية أو العصرية، وقام السيد مقران بمناداة صانع الحلويات، وهو شاب لا يتجاوز عمره 32 سنة، ويدعى محند الذي تعلم فن الطبخ بإحدى الفنادق، وتحصل على شهادة نجاح الطبخ، ثم انتقل إلى الحياة المهنية في العديد من المحلات التجارية، سألناه إذ كان ما تعلمه فقط يوظفه في عمله أم أنه يضفي لمسته الخاصة، حيث أجاب أن الطبخ بكل أنواعه والفن إبداع، فيجب على كل فنان في موقعه الخاص سواء كان رساما أو شاعرا أو طباخا عليه أن يضيف أشياء في فنه وتميزه عن الاخرين، ثم أحضر لنا قطعة من المخبز من الواجهة، ليقرب لنا الفكرة فذكر أن المخبز التقليدي تكون فوقه ما يدعى ب ''الطلية'' بلون قد يكون ورديا فاتحا أو أخضرا، ولكن لمستي التي تميزه عن البقية أنني أضفت بعض الورود والاوراق المصنوعة بعجينة اللوز، مع بعض من المادة المبرقة ، ويضيف أن هذه الحرف لا تقتصر فقط على النساء والفتيات بل الرجال كذلك لديهم ميولات وإبداعات عظيمة في تطوير هذا الفن المتوارث عبر الاجيال، وعلى أمل -يضيف محند- أن أفتح مستقبلا مدرسة خاصة لتعليم الرجال وتحفيزهم أكثر لدخول هذا الميدان، لكي يبقى بصمة من بصمات التراث الجزائري العريق. ويمكن القول في الاخير أن التنافس بين الحلواجيات وصناع الحلوى ما هو إلا دليل على تطوير هذه الحرفة وإزدهارها، والغاية منها هو الابداع والوصول إلى كل ما هو أجمل وعصري خاصة في ظل انتشار عدة مدارس لتعليم الحلوى، ومبادرة عدة نساء محترفات في هذا الميدان في تعليم النساء والفتيات في منازلهن، للمضي قدما بهذا الفن وحفظه من الزوال.