أعترف أنني يساري فاشل وليست لدي رغبة في تكرار هذه التجربة فنان في رسم الألم.. عاشق للتمرد والرفض. صعوده إلى الفن السابع ضرب من الوصولية عبر شخصياته الفاشلة المتمردة و الخارجة عن القانون. هو المخرج التونسي ''نوري بوزيد'' الذي اغتنمت ''الحوار'' فرصة تواجده ضمن فعاليات ملتقى السينما بالجزائر لتجري معه هذا اللقاء. تطرقت في فيلمك الأخير ''آخر فيلم''، لظاهرة الإرهاب، بالرغم أنها لم تطرح بحدة في تونس؟ السينما موجودة من اجل تقديم ما يمكن ان يكون وليس ما هو كائن. السينما هي ان تقدم فيلما يسبق الأحداث، وأتذكر أنه في الفترة التي منع فيها عرض الفيلم في تونس، حدثت قضية مماثلة لأحداث الفيلم، حيث ألقى رجال الأمن القبض على إرهابي عاش نفس القصة التي عاشها البطل في ''الفيلم الأخير''، وحينها تساءلت الشرطة عن سر معرفتي بتفاصيل القصة مع أن الأمر لم يكن سوى ''تنبؤات''، إذن لدي الحق كي أحكي ما أريد، ويمكن أن أتحدث في أي مكان، وأي زمان. ما هو موقفك من قصة البطل في ''الفيلم الأخير''؟ لدي موقف إيديولوجي، وأعتبر أن الشاب هو الضحية الأولى من العمل الإجرامي الذي قام به دون وعي منه، لأني أردت أن أقربه من الجمهور، وأظهرت الأسباب التي جعلته ينضم الى الجماعة الإرهابية من ضغط اجتماعي وحاجة مادية.. وحاولت كشف المسؤول عن كل هذا. رفض الفيلم في مهرجان ''كان'' وقبله رُفض فيلم ''عرائس الطين''، ما سبب هذا الرفض في رأيك؟ مهرجان ''كان'' رفض أفلامي لأنها لا تحمل تنازلات وليس لدي لوبي ولست مباعا لأي أحد. لم تقدم منذ أكثر من خمس سنوات أي عمل، هل أفل نجمك؟ أبدا مشاريعي رفضت من قبل وزارة الثقافة التونسية، قدمت مشروعين على مستوى وزارة الثقافة بتونس يتعلقان بالمرأة، الأول حول شابتين تبحثان عن العمل، يفرض على إحداهن نزع الحجاب، والأخرى يفرض عليها أن تلبسه. أما المشروع الثاني فيتحدث عن موضوع حياة الفتيات قبل الزواج حيث تجد الفتيات صعوبات كبيرة في انجاز البحث من حيث صعوبة التواصل مع المجتمع خاصة أمام الكاميرا. هل كان هذا الرفض ردة فعل من السلطات التونسية حول عملك ''الفيلم الأخير''؟ نعم. لأنه كان من المفروض أنه بعد النجاح الذي حققه ''الفيلم الأخير'' أن تكون لي الأولوية في الحصول على الدعم ولكن الأمر لم يتحقق. منذ خمس سنوات لم أنجز أي عمل لأني معاقب، من قبل الوزارة وأنتم تعلمون أن الفيلم كان ممنوعا من طرف السلطات ومن طرف الناس وحتى أهلي رفضوا العمل. '' الفيلم الأخير '' هو عنوان لم يتم اختياره اعتباطيا. هل كنت تتوقع أن يرفض العمل بهذه الحدة؟ بل كنت متأكدا من أن الفيلم سيرفض على كل المستويات ولهذا أسميته ''آخر فيلم''، أردت الحديث عن ظاهرة الإرهاب قبل أن أتوقف على الإخراج، لأني لا أستطيع العمل دون دعم. تركت الإخراج و لكنك كتبت عددا من السيناريوهات للعديد من المخرجين التونسيين وكانت أفلاما ناجحة جدا، كيف كانت ستكون تلك الأعمال لو كانت من إخراجك؟ عندما أكتب لأحد أكتب بإحساسه هو وخطه الإخراجي وذلك لأنني أدرك مدى أهمية التجانس بين النص وخط المخرج، لا أكتب إلا لمن أعرفهم عن قرب، أما لو كنت قد كتبت تلك الأعمال لأخرجها أنا ستكون مختلفة في الكتابة، فمثلا في سيناريو ''صمت القصور'' راعيت فيه الألم الذي تحب أن تظهره المخرجة ''مفيدة التلاتلي'' في فيلمها، وفي فليم ''عصفور سطح''، أبرزت البهجة وفرحة الحياة التي يحبها المخرج فريد بوغدير وهكذا. كل شخصياتك خاسرة، ما سر هذه السوداوية التي تطبع أعمالك السينمائية؟ أنا قريب من مفيدة التلاتلي في عشقها وتلذذها لطعم الألم ولكن الفرق أني عنيف جدا مع نفسي أكثر، بينما مفيدة أكثر رأفة مني. وفعلا، أنا أعاقب نفسي، وأعاقب شخصياتي فهي كلها خاسرة ومهمشة ومجروحة.. ولهذا تأثير لما عانيته في السجن، وطفولتي أيضا كانت صعبة، رغم أني من عائلة ثرية لكن كنت أتعرض للضرب المستمر من قبل عائلتي لأني كنت متمردا. لماذا تعرض شخصيات فاشلة، وأنت ناجح في أعمالك؟ هو ما فكرت فيه وأنا أصعد لاستلام جائزة ابن رشد العام 2007 وعليه كتبت نصا أطرح فيه نفس السؤال، وقلت كيف آخذ هذه الجائزة، وكل شخصياتي فاشلة، وكأني أصعد على فشلها. ؟كيف هي علاقتك بالنظام السياسي حاليا؟ أطالب برفع سقف حرية الإبداع والتعبير. كل إنسان يختار ما يريد، أنا اخترت أن أكون فنانا ولست انتحاريا، والسياسة أمر ظرفي، بينما مواضيعي غير ظرفية. لو كان لديك أموال ولا تحتاج للسلطة، هل سيكون لك نفس الموقف؟ لم أعد أهتم بالسياسة، كانت لدي تجربة في السياسة لكن فشلت فيها، أنا سياسي فاشل، كنت يساريا وقضيت خمس سنوات في السجن، والآن لا أريد تكرار نفس التجربة. وهل أنت نادم على مسارك السياسي الذي أدخلك السجن؟ السياسية علم وإذا لم تأخذ ميزان القوى للبلد ولم تمش في الاتجاه الذي تقبله الأغلبية تفشل، ولكني لست بريئا من المواقف، أنا أؤمن بالحرية التامة للأفراد، وأكره الاستغلال الفاحش، ولكن ليس لدي الرغبة لأكون سياسيا. أما السجن فلست نادما على ما فعلته وقلته في تلك الفترة، لأن الدستور يخول لي الحق في التعبير عن رأيي بكل صراحة، كانت محاكمة أفكار ونوايا، ولكن لم أندم على ما فعلته وعلى أفكاري، لأنها كانت قناعتي وقت ذاك، وكانت تجربة، ولكني اكتشفت أني لا أستطيع أن أنجح في هذا الطريق. عبرت في الكثير من المناسبات عن إعجابك بهند صبري، ما تقييمك لأدائها الحالي في السينما المصرية؟ هند صبري ربحت أشياء في مصر، وخسرناها في تونس ولو كانت في تونس لكان عندنا ممثلة جيدة وهي ممثلة ناجحة ولديها مبادئ، عكس بعض التونسيات اللواتي ذهبن إلى مصر لكن لا يتعاملن بنفس المبادئ. و لكن لا يمكنك أن تتجاهل التنازلات التي قدمتها هند صبري لإيناس الدغيدي للوصول إلى النجومية؟ كانت أدوارها جيدة، لأن المخرجة إذا كانت أمام ظاهرة استغلال جنسي للفتاة، هل تعطي الدور إلى رجل؟ كان يجب أن تؤدي الممثلة الدور، من المفروض أن نشكر هند صبري على دورها. واللوم ليس على هند اللوم على المخرجة، ورؤيتها انطلاقا مما أرادت إظهاره.