يتوقف جابر عصفور في كتابه الأخير « في محبة الشعر» الصادر حديثاً عن الدار المصرية اللبنانية أمام ثلاث مراحل من تاريخ الشعر العربي الحديث، هي زمن البعث والإحياء، وزمن الستينيات وما بعدها. وبعيداً عن كونه تقسيماً شبيهاً لما ذهب إليه معظم مؤرخي الأدب في تناولهم الشعر العربي، فإن العمل يعد شهادة ثقافية مهمة لرجل عمل في النقد الأدبي أكثر من أربعين سنة، ووجد نفسه أمام مفارقتين: الأولى أن ما قاله سابقاً عن زمن الرواية التي أصبحت ديوان العرب المحدثين لم يعد ذا بال أمام ما يعيشه الشعر العربي من ثورة كبرى الآن. والثانية أن المشروع الشعري الذي نشأ عليه زمن الإحياء والذي عاصره وكان واحداً من نقاده البارزين زمن الستينيات قد تغير، وصارت الغلبة لمشروع جديد لم يكن لأي من المتفائلين في المدرسة المصرية أن يراهن عليه، وهو قصيدة النثر التي احتلت المشهد العربي برمته، ومن ثم جاء « في محبة الشعر» كنوع من البحث عن آليات أو دوافع التغييرات الفنية والتقنية الكثيرة التي شهدها هذا الفن في فترة لا تتعدى كثيراً المئة عام، هذه التغييرات التي بدأت بالثورة على الركود الشعري والعودة إلى مجده القديم عبر تماثلات البارودي وحافظ وشوقي وغيرهم للعلامات البارزة في الشعر القديم. يمكننا القول إن « في محبة الشعر» واحد من الكتب التي تمتعت بفرادة البحث عن عوالم شعرية مختلفة، وإنها وإن بدت من دون إطار يجمعها غير هذا التقسيم الشهير، فإن فكرة الاتصال بالآخر والنتائج التي ترتبت عليه من ثورات متوالية في الشعر العربي ظلت حجر الزاوية التي دارت حوله محبة الشعر.