الأفلان بين ديمقراطية المعمول والمأمول / 5 -ج سوف أخصص بعون الله تعالى فصولا فيما يأتي من الحلقات لمناقشة هذا العنوان غير مكتف بحلقة واحدة، أملي في ذلك أن أبرز ما يمكن إبرازه من خصوصية وانفرادية في تحديد هذا المفهوم أو ذاك، تكون قد ترسخت في أدبيات حزب جبهة التحرير الوطني، وبخاصة ما تحصّن منها عبر التجربة والممارسة على مرّ السنين، إن مساهمتي المتواضعة هذه والتي ارتأيت بسطها للاطلاع والتأمل وعلى أوسع نطاق ممكن من الرأي العام المهتم، والمتتبع لما يعرفه الحزب من نشاط، آخذا في عين الاعتبار انطلاقة هياكلنا الحزبية في توفير الجو الملائم للشروع في التحضير المسؤول لإنجاح أشغال المِؤتمر التاسع. إن ما أنجزه حزب جبهة التحرير الوطني منذ عام ,1962 من حق مناضليه المتواجدين على الدوام في هياكله، أما نشاز الأصوات ''.. من أجل الضغط للحصول على منصب أو تحقيق مأرب، أو المطالبة بوضع حزب جبهة التحرير في المتحف، فهذه البلادة كل البلادة، ومنتهى القبح...'' ومن السلبيات المسجلة ما أصبحت تتقاسمه معظم الصحف في إطار المنافسة حتى على ما هو غير منطقي وغير مفيد للديمقراطية الناشئة في بلادنا، ذاك أن بعض الصحف الهوجاء وللرفع من مبيعات أوراقها راحت تطعن في الحياة السياسية في بلادنا ولم تسلم منها كل الأحزاب ومسؤولياتها وحريتها في المشاركة وفي التنافس الانتخابي من خلال وضع شروطها واختيار مرشحيها، فراحت ترسم لهم صورا بذيئة وترميهم بأوصاف منفّرة ومثبّطة لعزيمة الشعب في الإدلاء بصوته، والمشاركة في عملية الاختيار بصفة عامة وهذا أحد الأسباب التي أدت إلى عزوف المواطنين في كثير من الأحيان عن ما كان يقال ويوصف به المرشحون والعملية الانتخابية في عمومها، ومن جملة ما ترتب عن هذه الحملة المغرضة هو التقليل من حظوظ إنضاج العملية الديمقراطية في بلادنا، أما المأمول وما يسعى حزب جبهة التحرير الوصول إليه بطريق سلمي وبالتوعية المطلوبة هو تخليص المسار الديمقراطي من كافة أنواع الطفيليات والعابثين والمستهترين والمعارضين والمفسدين للقيم الديمقراطية تحت برنوس حرية الصحافة والحق في الإعلام، كمشجب تعلق به كل الاختراقات والاعتداءات على استقلالية وسيادة الأحزاب، إن مصلحة الشعب تقتضي أن يلعب الإعلام الدور الإيجابي في التحسيس لكل مشروع وطني والشرح الموضوعي النزيه لمواضيعه وأهميته لما يخدم الصالح العام ووظيفة الدولة التقليدية ومؤسساتها. لقد ذكرت في إحدى الحلقات السابقة أن الديمقراطية أصبحت تعاني من مرض في البلدان القوية صناعيا والعريقة ديمقراطيا، وذلك من خلال نقص الدعم للأحزاب القائمة، وثبط عزيمة الشعب في المشاركة في نشاطاتها، والعزوف في المشاركة في الاستحقاقات الانتخابية التي نظمتها، وبهذا الشأن سجل تدنّ مزعج في نسبة المشاركة لدى هذه الدول، فراحت على التو تبحث عن أسباب الخلل وعلاجه بما يخدم المحافظة على الأسلوب الديمقراطي، ويعزز تطور الأحزاب نحو الأفضل لخدمة شعوبها، وبما يعيد الثقة الشعبية للأحزاب والعملية الديمقراطية بصفة عامة، وهي مبادرة مدعّمة بالدراسات والبحوث وبمشاركة المؤسسات الدولية المتخصصة وبما يقوم به إعلامها الجاد بكل موضوعية وحيوية، وليس بلغة التشفي والطعن في الشرعية الانتخابية ومصداقية المؤسسات المنتخبة.... إن حزب جبهة التحرير يرى في الديمقراطية أهمية قصوى، وذلك بوضع الثقة في الجماهير الشعبية باعتبارها الحارس الأمين لمصالح البلاد، وعلى هذا التصور تقوم فلسفة الحزب وتخطط إستراتيجيته، وأن هذه العلاقة يجب أن تحظى بالعناية والدراسة والتطور، فلا هي مرتبطة بمرحلة أو زمن معين، بل هي تلك التي نشأت أثناء ثورة التحرير، واستمرت أثناء ثورة البناء والتشييد وإقامة المؤسسات والمجالس، وهي العلاقة والثقة المتبادلة نفسها بعد الدخول في زمن التعددية الحزبية والسياسية. إن الديمقراطية المأمولة هي التي تبقي على العلاقة مع الجماهير في روحها وجوهر مطالبها وانشغالاتها مما يتحقق معه الاتصال الوثيق، ومن هذه الصلة المتينة مع الشعب يستمد الحزب قوته، وفي المقابل يبقى حزبا قائما على التنظيم التدرجي المحكم والممنهج المدروس في العلاقات، والالتزام الواضح لمناضليه على مختلف الأصعدة في كيفية النظر الى المواضيع والانشغالات التي تهم الشعب، وفي تصور حلولها، والى من توكل إليه مهمة التكفل بها في إطار شفاف ومسؤول. إن هذا التصور للديمقراطية الجديدة إذا ما طبق ووفرت له الوسائل المادية والمعنوية، من شأنه أن يسمح بتجديد الأجهزة الحزبية بصورة لاحدود لها، كما يسمح بالتلاؤم والانسجام مع الوضعيات الجديدة، وبفضل هذه المرونة نضمن وباستمرار أن يبقى مناضلو حزب جبهة التحرير الوطني خداما لمصالح الشعب الجزائري، والحزب صماما للأمن والآمان لجزائر الشهداء، فالنضال والحالة هذه ليس امتيازا اجتماعيا، ولا فائدة اقتصادية كما تروج بعض الأحزاب الى ذلك بقصد الإساءة، أو كما تشتهي الأنفس، ولا منزلة شرفية أيضا، إنما هو مسؤولية وطنية عظيمة لمن يعطي للمسؤولية حق قدرها، وفي الأخير فالنضال هو وظيفة واقعة باستمرار تحت رقابة الشعب. قد يتوهم القارئ من خلال الطرح النظري لطبيعة الديمقراطية الجاري العمل بها منذ دستور 1989 الى يومنا هذا أننا أصبحنا قلبا وقالبا وفي نفس المقام والندية من الديمقراطية الغربية، إنه وهم وكذب على النفس.. صحيح أن شحّ المفردات الدقيقة التي نفتقدها في بعض الأحيان للتعبير عن حقائق وواقع معين تحمّلنا مسؤولية الخلط والوهم بين بعض المفاهيم، لكن عذري قد أجده في تغيير مجريات الحياة الدنيا بسرعة، حيث لا تستطيع الكلمات متابعتها والتعبير عليها أحيانا، لذلك قد استنجد بما يقترب تشبيها من الصورة التصويرية التي ذكرتها فيما سبق من أننا بالفعل بعد أن تحطم بنا الكرسي المختار الذي كنا نجلس عليه بجدارة واستحقاق وثقة في النفس، أصبحنا في موقع الواقف خلف الجالس على الكرسي الباقي والذي يشغله صاحبه منذ مدة، فهو صانعه ومالكه، أما الوافدون الجدد من الذين غيّروا كراسيهم أو من تحطمت إحدى ركائزه فاستحال استمرار الجلوس عليه من أمثالنا، فإن المواصفات اللازمة لملء الكرسي الديمقراطي لايمكن استجماعها غدا... وإذا كان وضع الديمقراطيات الناشئة في كثير من الدول السائرة في طريق النمو لم تسلم من العيوب والنقص كما هو الوضع في: إندونيسيا وعلى ما هو مسجل في وثائق المعهد الديمقراطي الوطني للشؤون الدولية بأن الأحزاب فيها قد فشلت في تمثيل الذين دعموها انتخابيا تمثيلا مناسبا، ذلك أن التحول الى الديمقراطية تعتبر مرحلة دقيقة جدا في اندونيسيا لم تتحقق شروطه، وفي الباكستان حيث فقدت الأحزاب السياسية في رحاب الديمقراطية التوكيل الذي يخولها ممارسة نفوذها فخضعت لمزاج آخر الخ... وفي فنزويلا تم تسجيل غياب نظام حزبي مقنع الخ... والقائمة طويلة، فأين مكاننا من هذا وذاك؟ ومتى تستقر تجربتنا؟ ومتى تقوم الأحزاب الناشئة بتصحيح أوضاعها؟ وأن تسعى إلى تطبيق الديمقراطية بادئ ذي بدء في ديارها، كترويض للنفس في البداية..؟ ومتى تتصالح مع نفسها ومع محيطها ؟ ... / ... يتبع