ما يزال مليون و600 ألف متقاعد ينتظرون توقيع وزير العمل الطيب لوح على قرار رفع المنح والمعاشات المنصوص عليه في المادة 43 من قانون التقاعد التي تقضي ب '' تثمين'' المعاشات سنويا ابتداء من 1 ماي من كل سنة. لكن مر عن الموعد ما يزيد عن 3 اشهر دون صدور أي جديد من الوزارة الوصية، وهو ما زاد من قلق شريحة المتقاعدين الذين يترقبون من شهر لآخر مصير هذه الزيادات. لا حديث لدى فئة المتقاعدين هذه الأيام سوى حول تأخر الزيادة السنوية في المعاشات التي ماتزال حبيسة على مستوى مكتب وزير العمل الطيب لوح. وأفادت مصادر على صلة بالملف، أن مجلس إدارة الصندوق الوطني للتقاعد قد بعث بمقترحاته في هذا الشأن، مثلما ينص عليه قانون التقاعد ، وأعد ميزانية لتغطية هذه الزيادات لسنة 2008 لكن الأمور لم تتحرك بما تشتهيه رياح سفينة شريحة المتقاعدين. لأن الأصداء الواردة من مقر وزارة العمل، تقول إن هذه الأخيرة متحفظة على هذه الزيادة بحجة أن صندوق التقاعد يعاني من صعوبات مالية لا تسمح له بالاستجابة لهذه الأعباء الجديدة. غير أن مصادر من الفدرالية الوطنية للمتقاعدين ترى عكس ذلك، وتشير الى أن مداخيل الصندوق الوطني للتقاعد تحسنت كثيرا مقارنة بسنة 2007 جراء ارتفاع الاشتراكات بفعل الزيادات في الأجور التي استفاد منها الموظفون في قطاع الوظيف العمومي وكذا مناصب الشغل الجديدة التي قالت بشأنها وزارة العمل إنها قاربت ال 700 ألف منصب شغل جديد، وهو ما يمثل موارد مالية جديدة لفائدة الصندوق. ورمت هذه القضية بظلالها في المناقشات الجارية بين المتقاعدين في تجمعاتهم اليومية لتبادل أطراف الحديث حول هموم الحياة ومتاعبها، رغم أن هذه الزيادة التي أقرها قانون التقاعد لا تتعدى ال 7 بالمائة في أحسن الأحوال، إلا أنها مع ذلك يرى فيها عمي الجيلالي مدخولا إضافيا بإمكانه تغطية تكاليف الاحتياجات اليومية وتحسين القدرة الشرائية المتدهورة. وحول طاولة ''الدومينو'' التي يتجمع حولها المتقاعدون كل مساء في حي سعيد حمدين كطريقة لقتل الوقت أمام انعدام مرافق الترفيه الأخرى، نفس السؤال يتردد على الألسن، متى يوقع وزير العمل الطيب لوح على الزيادة السنوية في معاشات المتقاعدين بعدما مرت 3 أشهر كاملة عن موعد الفاتح ماي، لكن لا أحد من الحضور يملك الجواب على ذلك بمن فيها مسؤولو الفدرالية الوطنية للمتقاعدين التي تتبنى هذه المطالب . وذهب عمي بوجمعة 76 سنة، وهو بارع في لعبة الدومينو، بعيدا في دفاعه على ضرورة أن تتحسس الوزارة الوصية معاناة وظروف معيشة فئة المتقاعدين من خلال تأكيده ''لو كان وزير العمل يذهب يوميا مثلنا إلى السوق لما تأخر لحظة عن الفصل في هذه الزيادة التي أقرها القانون في المعاشات ونعتبرها مكسبا غير قابل للمساومة أو للتفاوض عليها''. وبدوره الحاج عبد الله الذي يهوى تصفح الجرائد، وهي الطريقة المفضلة لديه لتمضية الوقت، منشغل هذه الأيام بتتبع أخبار رفع منحة المتقاعدين التي لم يظهر لها أي أثر. الحاج عبد الله وفي مزاح مع صديقه يخفي وراءه الكثير من الألم ''ياو المسؤولين راحو عطلة ونساونا.... حتى الجرائد ما كتبت والو علينا''. رغم أنه بلغ من العمر 79 سنة ولم يعد قادرا على الوقوف مطولا بعدما أنهكه مرض المفاصل، الا أن عمي الدراجي يحوم حول طاولات ''مارشي ال 12 '' ببلكور واحدة واحدة، ليس حبا في التجوال كما يعتقد البعض ولكن للتأكد كما قال من السعر المناسب لشراء مستلزمات البيت، لكي لا تتضرر ميزانية العائلة التي لا تغطيها منحة ال 15 ألف دينار، وهي إجمالي المعاش الذي يحصل عليه بعد أزيد من 35 سنة عمل في مؤسسة عمومية للبناء والأشغال العمومية. وفيما قررت الحكومة في قانون المالية التكميلي رفع الاعفاءات من الضريبة على الدخل إلى حدود 20 ألف دينار بعدما كان في مستوى ال 15 ألف دينار، دعا عمي إبراهيم الذي أفنى شباب عمره في التربية والتعليم إلى ضرورة إعفاء كل المتقاعدين من دفع الضريبة على الدخل، لأنهم كما أوضح طيلة حياتهم وهو يدفعونها، فلا يعقل أن تطبق حتى على المعاشات الهزيلة التي يحصلون عليها، ''على الحكومة أن تشطار مع الذين يتهربون من دفع الضرائب من التجار والمستوردين وأصحاب الحاويات وليس على الزوالية ...'' . وزيادة على المعاشات الهزيلة الممنوحة لفئة المتقاعدين، خصوصا أولئك الذين تقاعدوا في الثمانينات والتسعينات، فإن غياب المصالح التي تتكفل بهذه الفئة قد زاد من حجم المعاناة. وذكر سى أحمد كما يحلو لأصحابه أن ينادوه به، أنه لا يوجد أي مكان مخصص لاستقبال المتقاعدين في العاصمة باستثناء الشارع، حتى المقاهي لم تعد مثل زمان يلتقي فيها المتقاعدون لقتل الوقت بعدما لم تعد بها كراسي للجلوس، وهي موضة العصر. ويشكل المتقاعدون في فصل الصيف ديكورا عبر مختلف الأحياء لكونهم الوحيدين غير المعنيين بالعطلة لسبب بسيط أن المعاش لا يسمح ببرمجة أي تنقلات خارج المحيط العائلي القريب. ولعل هذه الظروف وراء الدعوة التي وجهها إلينا عمي بوزيد ''أكتبو علينا وقولوا رانا موتى.. قاعدين...'' .