لم تعبأ بعمرها الذي تجاوز الستين، ولم تقف الأمية عقبة أمامها في حفظ القرآن الكريم بأكمله في عام واحد فقط لتحقق ما يعجز عنه من هم في ريعان شبابهم، وتتحول إلى نموذج يحتذى به في الجزائر. هذا هو حال ''خالتي جمعة'' المرأة الأمية البسيطة، التي تنحدر من عاصمة الأوراس ''باتنة'' بشرق الجزائر، ولم تتصور يوما أن تتداول الصحف اسمها، وتفرد لها مقالات على صدر صفحاتها، فهي ليست سياسية محنكة، ولا شخصية نسوية بارزة، وإنما كتاب الله الذي استطاعت حفظه في ظرف سنة واحدة فقط، هو الذي جعل الجزائريين يطلعون على هذه التجربة الفريدة من نوعها. ولم تصل ''خالتي جمعة''، كما يلقبها أبناء حي ''كموني'' بباتنة، إلى تلك المكانة بفضل حرصها الدائم على سماع الأشرطة القرآنية لمختلف القراء المشهورين فقط، ولكن أيضا لتلقيها دروس محو الأمية بالمدرسة القرآنية التابعة لمسجد ''علي بن أبي طالب''، الذي كان سببا رئيسيا في قدرتها اليوم على تلاوة القرآن الكريم من المصحف الشريف، ومرورها إلى مرحلة دراسة الأحكام، التي شرعت فيها منذ مدة قصيرة فقط. هذا النجاح الذي حققته الخالة ''جمعة'' يعكس حالة مساجد الجزائر التي أصبحت في السنوات الأخيرة قبلة العديد من المسنات اللاتي يعانين من الأمية نتيجة انعدام فرص التعليم أثناء الحقبة الاستعمارية، واللائي تمكن في ظرف وجيز من حفظ أجزاء من القرآن، بل أصبح بمقدور الكثير منهن القراءة من المصحف، فضلا عن قدرتهن على الكتابة بالحرف العربي. مواصلة المشوار الخالة جمعة لم تكن الوحيدة التي وصلت لهذه المرحلة، بل سارت على نهجها أيضا الحاجة ''نجية'' (64 سنة) التي أصبح باستطاعتها تلاوة القرآن من المصحف بعد أن استفادت لثلاث سنوات متتالية من دروس محو الأمية بمسجد ''عبد الله بن مسعود'' الكائن بحي النسيم جنوبي العاصمة الجزائرية. وقالت الحاجة نجية في حديث ل''إسلام أون لاين.نت'': ''لم يكن يخطر ببالي أن يأتي اليوم الذي أتعلم فيه القراءة والكتابة ويعود الفضل بعد الله سبحانه وتعالى إلى ابني الذي شجعني على الالتحاق بقسم محو الأمية بمسجد الحي، رغم ترددي في بادئ الأمر لكنني أقبلت على هذه الخطوة وأنا اليوم سعيدة جدا بذلك. أما الخالة صافية من حي ''السعيد حمدين'' ببئر مراد رايس غرب العاصمة الجزائر، فقالت هي الأخرى ل''إسلام أون لاين.نت'' إن التحاقها بقسم محو الأمية بمسجد الحي جاء استجابة للنداء الذي وجهه إمام المسجد للنساء الأميات ممن يقطن بالحي وترغيبه لهن في التعلم، وهو ما جعلها تكسر ذلك الحاجز النفسي، الذي تصطدم به الكثير من النسوة والمتمثل في تقدم سنهن. ولفتت إلى أن عدم ارتباطها بأية واجبات منزلية، على اعتبار أنه ليس لديها أطفال صغار، كان أيضا عاملا مساعدا على خوض التجربة، التي لقيت قبولا كبيرا وترحيبا وسط أبنائها، بل إنهم أصبحوا يتسابقون في توفير الكتب التي تحتاج إليها. وأردفت الخالة صافية قائلة: ''الحمد لله أصبح بمقدوري اليوم الكتابة بشكل مقبول، فضلا عن القراءة، إلى درجة أن أصبحت أتلو القرآن من المصحف، بل بفضل الله حفظت أجزاء معتبرة من كتاب الله، وهو ما لم أتصور حدوثه أبدا في حياتي''. وعبرت في ذات السياق عن رغبتها في مواصلة المشوار إلى أقصى الحدود، وهو ما دفعها هذا العام أيضا إلى الالتحاق بالسنة الثانية على التوالي بقسم محو الأمية في المسجد. دور المساجد ويجمع الأئمة والمشرفون على تسيير المساجد بالجزائر على أن تجربة محو الأمية في أوساط النساء من خلال تخصيص برامج خاصة بهن في بيوت الله كللت بنجاح غير مسبوق، برغم من أن المساجد تخوض التجربة منذ سنوات قليلة فقط بعدما كان القيام بهذه المهمة مقتصرا على جمعيات المجتمع المدني وبعض الهيئات الحكومية. ويقدر عدد مساجد الجزائر ب16 ألف مسجد، يتم الإشراف على أغلبها من قبل وزارة الشئون الدينية والأوقاف. وخصصت الجزائر ميزانية تقدر ب 6,2 مليار دينار( 1,37 مليون دولار)، من أجل القضاء على الأمية، التي يعاني منها حاليا 4,6 ملايين جزائري، من مجموع السكان الذي يقارب 36 مليون نسمة. وتسعى وزارة التربية الجزائرية عبر الديوان الجزائري لمحو الأمية، وعدد من الجمعيات، وبالتنسيق مع وزارة الشئون الدينية والأوقاف، في مرحلة أولى إلى خفض العدد الإجمالي للأميين إلى النصف، ليصل عددهم إلى ثلاثة ملايين و200 ألف شخص، مع نهاية سنة ,2012 وتنتهي المرحلة الثانية بحلول ,2016 والتي ستكون موعدا للقضاء على الأمية بصفة نهائية في الجزائر.