ولاقتحام عالم التجارة وبيع ما توفر من عجائن تصنعه الأمهات أو ربما الجارات داخل البيوت أطفال ليسوا كباقي الأطفال، وأصاب أحد المواطنين لما أطلق عليهم اسم ''أطفال رمضان الكريم''، لأنك لا تجدهم يعملون إلا خلال هذا الشهر الكريم، يدخلون الأسواق من بابها الواسع، ويروّجون لبضاعة أمهاتهم اللاتي تصنعها في البيت، من خبز ''الطاجين'' كما هو معروف محليا والكسرة والديول والقطايف وغيرها• ويستغل هؤلاء الباعة الصغار إقبال بعض العائلات الجزائرية على هذه السلعة لمشاركة آبائهم في مصاريف البيت، والتحضير للدخول المدرسي الذي تزامن هذه السنة وشهر رمضان• وأنت تتجول بزقاق مدينة القليعة المعروفة بحركيتها التجارية الكثيفة خاصة خلال الشهر الكريم، يصادفك أطفالا كثر، قابعين على قارعة طريق وهران وطريق الجزائر أو حتى داخل السوق المغطى بالمدينة يعرضون أمامهم ''القفف'' التي يضعونها فوق الصناديق التي تحمل ما أنتجته أنامل أمهاتهم كخبز الدّار والديول والقطايف وحتى ''الشاربات''• تقرّبنا من بعضهم ففتحوا لنا قلوبهم، لكن في الوقت نفسه طلبوا منا عدم ذكر ألقابهم والاكتفاء بأسمائهم فقط، كما ألمحوا لنا بطريقة غير مباشرة أن نشتري منهم بضاعتهم، وبدورنا لم نجد في الأمر صعوبة ونزلنا عند رغبتهم• حبيبة ولطفي وغيرهما من الأطفال يقطنون في الأحياء الفقيرة في أطراف مدينة القليعة، وهم تلاميذ أنهوا طورهم الابتدائي حديثا، يحبون الدراسة حبا جمّا ولا يفكرون أبدا في التخلي عنها، لأجل بلوغ الحلم المنشود وكسب المال• وأجمع المتحدثان على أن العلم هو الذي يضمن العمل، كما أخبرانا أن دخولهما الأسواق يكون في شهر رمضان فقط وأحيانا خلال العطل المدرسية، لمساعدة العائلة على المصاريف المدرسية• وكشف لنا لطفي صاحب ال 13 سنة أنه قرّر دخول السوق في شهر رمضان المبارك لأن المدرسة لم تفتح أبوابها بعد، لذا فكّر في مساعدة والده على المصاريف المنزلية والمدرسية، مشيرا إلى أنه قرّر دخول عالم الشغل حتى لا يهان مرة أخرى أمام زملائه• وهذه حبيبة تقول إنها بدأت العمل -أي بيع ما تصنعه أمها- في شهر رمضان هذا، ولم تكن من قبل تعمل، فهذه هي المرة الأولى، ولكنها ليست مستعدة لترك دراستها لأجل العمل• تركنا مدينة القليعة وزحمتها وتوجهنا إلى عاصمة ولاية تيبازة، التي تبدو خلال شهر رمضان هادئة إلى حد بعيد• كانت وجهتنا هذه المرة بيت خالتي زهور المتواجد بقلب مدينة تيبازة، الذي تحوّل مع بداية رمضان إلى ورشة حقيقية تخصّصت في صناعة ''البوراك'' المحشي بمختلف أنواع السمك، حيث يشهد هذا المنزل حركة غير عادية إذ يقصده كل أبناء الولاية وحتى عدد من المواطنين من خارجها كالبليدة والجزائر العاصمة خاصة• الكل يتزاحم في رمضان من أجل بوراكة ''خالتي زهور'' التي تنحدر من عائلة احترفت مهنة الصيد البحري، والكل ينتظره وهو يطهى دقائق قبيل موعد الإفطار• وفي حديثها ل ''الفجر'' قالت خالتي زهور إنها لم تكن تتوقع قط أنها ستحقق كل هذا النجاح، كونها دخلت التجربة من باب الفضول، وحين لاحظت كل هذا النجاح استمرت في هذه التجربة ل ''تدخل السعادة في قلوب زبائنها لا غير'' هكذا تقول خالتي زهور•