''أهدي هذا الفوز إلى أرواح مليون ونصف مليون شهيد''.. ''الجزائر أرض الشهداء''، ''من أجل الوطن والعلم''، ''في سبيل ملايين مواطنينا''، ''من أجل إخواننا المحاصرين في غزة'' تلك عينة من تصريحات وتصرفات لاعبي المنتخب الوطني لكرة القدم وهي تعبر عن تقديرها وإحساسها بمسؤولية تمثيل وطن زاخر بتركيبة ثقافية وتاريخية ضاربة في التاريخ كالجزائر، وما أدراك ما الجزائر، من قبل فريق شاب ينبع بالطموح والأمل والتعلق بالوطن وبالتاريخ ويعد بالكثير مطالبا بالصبر والمثابرة وقد أبان مشوار المنتخب الوطني لكرة القدم خلال التصفيات المزدوجة لكأسي إفريقيا والعالم، أو خلال نهائيات ''الكان'' بأنغولا عن عقلية الجزائري الحقيقية المرتبطة بتحقيق ثلاثية قل من يتنبه إليها، ثلاثية العمل والأمل وواقعية الأهداف الممزوجة بحب الوطن واحترام الجمهور العريض من الجزائريين الذين عاودوا اكتشاف ذواتهم ومتنوا علاقتهم بوطنهم وتاريخهم لاسيما بعد الهجمة الهمجية الشرسة والدنيئة التي كان أبطالها من يوصفون بنخبة مصر، والتي لم تترك لنا لا أرضا ولا وطنا ولا تاريخا ولا هوية إلا ووسمتها بما يترفع حتى الشيطان الرجيم عن وسم نفسه أو أعدائه بها، وقد تفوقوا عليه في هذه .. لن نتوقف كثيرا عند مقابلة نصف النهائي التي جمعت منتخبي الجزائر ومصر وشابها ما شابها، حيث ذكّرتنا حيثياتها بأسلوب المصريين كسلطة ونظام في بيع وشراء القضايا العربية، والتضحية بالغالي والنفيس من أجل أمن وسلامة الأعداء في تنافس مخجل مع الربيبة إسرائيل تقربا وتزلفا من أرباب البيت الأبيض، لأننا ببساطة نعتبرها مجرد عثرة كعثرة مالاوي تدخلت فيها ظروف غير الظروف الطبيعية، فضلا عن كوننا واقعيين نتوقع الهزيمة كما نتوقع الفوز، لكن بعيدا عن الكواليس والطعن في أعراض الآخرين. ولأننا نعتبر كرة القدم مجرد لعبة والفوز والخسارة فيها سيان، لاسيما إذا نظرنا إلى مسار الفريق الوطني لكرة القدم بنظرة ثلاثية الأبعاد وهو ما عبّرت عنه الجماهير التي خرجت عن بكرة أبيها مباشرة بعد انتهاء المقابلة إلى مختلف شوارع المدن الجزائرية للتعبير عن الاعتزاز والافتخار بإنجازات الفريق الوطني، الذي خسر مقابلة وكسب مشوارا ينضح بآمال تحقيق المزيد من الإنجازات في مختلف البطولات والمنافسات المقبلة. كرامتنا في حمل هموم الوطن لحد الساعة لم يفهم الكثيرون تصرفات الإعلام المصري على غالبيته وهو يتحدث عن معارك الكرامة ورد الاعتبار مع الجزائر رغم أن كرامتهم مدنسة واعتبارهم مداس من قبل الكيان الصهيوني منذ ما يقارب السبعين عاما، فضلا عن مسارات داخلية كثيرة تخصهم لا شأن لنا بها في هذا المقام، معتبرين مقابلتهم مع الجزائر كرويا مقابلة حياة أو موت، في دلالة على العقد الكامنة والشخصية المهزوزة، والكرامة المصطنعة، والاعتبار المزيف، في حين مسيرة الخضر ونباهة الفريق التقني والإداري الذي لعب بمنطق مباراة بمباراة دلّل على أن الأمر لا يعدو أن يكون لعبة لها مفاتيحها وقوانينها وتأثيراتها على مختلف مناحي الحياة في هذا العالم المحاصر بفكر العولمة وبأذناب الاستعمار، باعتبار كرة القدم مجرد لعبة تحمل مضامين ثقافية وسياسية واقتصادية يمكن التنفيس من خلالها وتمرير الرسائل التي نريد بالطريقة التي نريد وعلى النطاق الذي نريد، والتي مبناها الاعتزاز الحقيقي بالذات وعدم الهوان على النفس واحترام المنافس وتلك رسالة من رسائل اللعب مباراة بمباراة. الانضباط داخل الملعب أبدى عناصر ''الخضر'' انضباطا منقطع النظير على المستطيل الأخضر واحتراما مثمنا لقوانين اللعبة وقرارات الحكام منذ التصفيات إلى النهائيات، رغم المنعرجات الخطيرة التي كان أبطالها حكام بيع المقابلات مقابل الدولارات والليالي الملونة، وهو ما ساهم في تعزيز مبدأ العمل لتحقيق الأمل، والتحكم في الأعصاب في مثال يحتذى مفاده انتهى زمن العواطف والأحاسيس الجياشة التي لا مكان لها إلا في دور السينما المصرية، ولمن أراد أن يصل فالمثابرة والاحتكام إلى العقل خير الأبواب إلى ذلك لاسيما وأن للمشوار بقية والفريق في عز شبابه ينتظره مستقبل زاهر. واقعية الأهداف لم يقل ''الخضر'' أنهم ذاهبون للعودة بالتاج محترمين أنفسهم مع منافسين أقوياء في البطولة، ولم يقولوا أنهم ميممون نحو أنغولا لرد الاعتبار أو الانتقام من الفريق المصري أو غيره من الفرق، بقدر ما ذهبوا للتحضير إلى موعد أكبر، والعمل على صناعة لانسجام أوثق بين اللاعبين لأطول فترة ممكنة ومونديال جنوب إفريقيا على الأبواب، ولذلك لم نصدم ولن نصدم من العثرات لأنها سنة الحياة، وقد بدا أثر هذه العقلية على الجماهير الجزائرية وهي تحيي فريق ''الخضر'' على الانتصار كما تحييه على الانهزام بشرف لأنها تدرك أن اللعبة تبقى لعبة، وأفضال الخضر على الجماهير عامة والجزائر خاصة لا يمكن نكرانها فقد كانوا هم الحدث وربوا كثيرا من الناس عجزت أحدث المناهج على تربيتهم وتفجير مكنوناتهم الفياضة بحي الوطن والعلم والنشيد الوطني. صناعة نجاح وبعث الوطنية وكما صنع فريقنا الوطني الفرجة والبهجة على أوجه الجزائريين منحهم الثقة بالنفس والقدرة على تحويل الانتكاسات والهزائم إلى انتصارات، بالعمل وفق القوانين والضوابط بعيدا عن المعجزات والكواليس، في تحول مفصلي للمجتمع الجزائري في فترة وجيزة، فاستبدل شبابنا داخل الوطن وخارجه أقمصة ''إيتو'' و''ميسي'' و''رولندينيو'' و''دروغبا'' بأقمصة كريم زياني، وعبد القادر غزال، ومراد مغني، ورفيق صايفي، ومجيد بوقرة ورفيق حليش وغيرهم من اللاعبين الذين رضعوا حليب الوطنية بعيدا عن أرض الآباء والأجداد فأرضعوا بها كل من دخل نفسه اليأس، أو اهتز يقينه وأعادوه إلى أحضان قسما والعلم الوطني في خدمة حري بنا استثمارها وتوجيهها من أجل الأحسن والأفضل، على أمل الاستمرار على نفس الوتيرة والنهج، لتبقى العثرات الطبيعية والمبيتة مجرد عثرات تزين التاريخ وتشيّن أصحابها.