من هنا ..من على أديم تربة جبال الأطلس الصحراوي، مرت قوافل الشهداء ..بمناسبة يوم الشهيد المصادف ل ..18 فبراير.. المجاهد معالي وزير المجاهدين .. الأستاذ عبد المالك قرين.. الإعلامية جميلة طلباوي.. الشاعر نور الدين جريدي.. قراء ''الحوار'' الغراء... فيا جبال ..أتدرين !! ..مضى في زحمة الأحداث، يركض في أعماق التاريخ، متسائلا مندهشا. يبحث في شوق وألم عن معالم كادت أن تمحي، تسلق أعالي الجبال، انتهي به السير إلى هضبة شامخة تكون هي الأعلى في سلاسل جبال الأطلس الصحراوي، وقف يتأمل الكون،يملأ صدره بهواء الوطن ، يسأل نفسه ، يناجيها، وبين الجوانح ذكريات، يكون بعضها مدفونا تحت غبار السنين قد أخفاها النسيان، والذكريات أمانة في الأعناق، تنهد، صاح ، إيه يا زمان،كل شيء أصبح في الماضي، من هذه الجبال الشامخات علا صوت الأحرار، يهز مضاجع الفجار الكفار، فيا جبال.. أتدرين ما حويت وما أخفيت ؟ النفائس قد آويت واحتويت!! فمن هذه الأودية، ومن تلك الدروب الوعرة..مرت قوافل الشهداء، بالأمس كانوا هنا، كنا هناك .. كان أنينهم يملأ المكان ، ملائكة الرحمة ترعاهم ، تحتضن أرواحهم الطاهرة في رفق و تزفها إلى خالقها، شلال الدماء سال بسخاء في هذه الأرض الطيبة المعطاء، يروي شجرة الحرية.. الغزوة -01 : فجأة. سمعت صوتا يناديني باسمي!! فأخذت أعدو ولا ألتفت، ولكني وجدت صاحب الصّوت في انتظاري،قد اطمأنت به الجبال، يسألني بعصبيّة وللسّؤال أصداء، وللشخص في ظلمة الليل هيبته وإجلالا، أين كنت؟ ماذا تفعل هنا؟ أخذت أرتجف وأترجّاه أن يمهلني قليلا حتى استرجع أنفاسي، وأجمع أشلاء أفكاري، أتظاهر بالشجاعة حينا وأمغط الجواب حينا آخر، كانت الكلمات غير مفهومة، همهمات ما تبينت كنهها، أنا ذاهب إلى..عفوا سيدي..أنا أبحث عن نفسي، أنا ذات مبهمة أنا كيان ضائع..أنا عمر بلا شباب.. وحياة بلا ربيع..فانفجر يضحك ضحكات مزلزلة ،ماذا تقول؟ كل هذه الهموم تحملها، أفرجت عن ابتسامة منسيّة ثم نكست رأسي برهة ،وقلت:الذوات المهزومة معدمة، فيرمقني بنظرات كليلة ويسود الصّمت بيننا قليلا،يجول بصري في الأفق، وأشعر أني بين نبضين، خوف ورجاء، حقيقة ووهم، وتحملني الأشواق على جناحين مرهفين، وتهب رياح معطرة، فينتشلني بعباراته الراعدة.. أنت مهزوم يا سيدي، ما كنت أحسب أن في التاريخ لطمات تفزع الأموات فأقول: بل هي اللكمات والصّفعات، لكن يا صديقي كنتم مداهنين ملتزمين الصّمت. أليس كذلك!! بلى.. نحن بلداء الحسّ مذهولين،نتألم من أفعال هؤلاء النكرات ولا نحرك ساكنا، لقد أوعزوا للعيّال بالتمرّد، فطفق الكل يقلد أفعالهم وأقوالهم، وللأسف أساءوا إلى الذاكرة النضالية، وأفسدوا أذواق الشباب بل لوّثوا عقولهم و فكرهم، متى حدث التمرد ؟ للأسف..حدث ذلك في لحظات الإخصاب، ولكن أين كنتم ؟ كنا في حالة انطواء عن النفس، نتفرج..شغلتنا التوافه، فتنونا ففتنا،عبثوا بعقولنا فارتكبنا الأخطاء والحماقات،وقد اخترقوا صفوفنا وقضي الأمر،إذن أنتم كنتم في حالة غيبوبة!! أجل سيدي.. وفي حالة انبهار أيضا، لقد تلاشى نور الحقيقة في سطوع الزيف،ومضى لا لون فيه ولا رائحة، ملوثات التاريخ كثيرة تحجب الرؤى، تفسد الذوق، تعطل فعل التواصل وتقتله،وهل تعتقدون أن الأمور تنتهي بهذه البساطة؟ لا..لا.. الغزوة -02 : لم تزل الجبال تصرخ، والتاريخ يصغي، حتى وان حدث الانفجار .. فيهتز صاحبي متململا متنهدا ويفزع واقفا مذهولا وهو يقول: استبدلتم المقدس بالمدنس،إيه ..ما كنت أحسب أن نشوة دائخ تتجاهل الحكاية وتلفق لأهلى ألف حكاية وحكاية، وتصرفكم عن واقع عشتم أيامه ولياليه ، أفراحه ومآسيه، لقد توسّدكم اليأس والنسيان، واليأس شبيه بالموت كما يقولون،أجل النسيان آفة.. فجأة بدأت.تتعالى أصوات راعدة من قمم الجبال، ظل يتردد صداها،أنا التاريخ ،أنا أسرار عصية في بطون كتب الثورة ، في أدغالها، تنتظر من يداعبها ويخرج أثقالها ، أنا أرفض من يرفض صناع الحدث،واستبدل من يحلو له استبدال الحقيقة ،إني أرفض قدحا مسموما في كفّ بيضاء، فلاتشرب يا ولدى من كأسهم !! دسائسهم لم تزل بيننا كالقدر.فترف اللفظ البراق عندهم سياسة وعندكم الوهم والتملق ثقافة، هذا سر موت التاريخ في نفوسكم،وعزوف أبنائكم عن قراءته، لكن لم ولن يموت التاريخ!! فالشهداء أحياء، وبصوت متهدّج يرسل محدثي ضحكات ساخرة ويقول: رفيق الدّرب يسقينا جهلا، ويصدر أحكاما وفتوى تلغي السيدة عربيّة من التاريخ، وتفصلها عن أخواتها عربية المجاهدة الأصيلة صاحبة الثروة والمجد يبعدونها ببساطة، وفي نشوة عابرة يتشدقون، يا سبحان الله، العصافير أصبحت متوحّشة، والطيور تهجر المكان غاضبة، إذ السماء أحاطها السواد، والفراغ خلف الدينصورات يجرى، لكن إلى أين ؟ لملم أحلامك أيها الشهيد من سراديب المجد وارحل !! لا ترحل،البيت لنا، الأرض لنا،غدا تعود العصافير إلى فجر الوطن، يعود الآخرون، يرقصون.. يشربون المستنقعات، آه.. العمر يمضي سريعا، أخذت أوراقه تتساقط الواحدة تلو الأخرى، وأبواب التاريخ لاتفتح بدون طرق، وأنت.. أنت.. ما تزال تغوص في أكوام من الذكريات ، دع عنك أمر التأسف.. وكن أو لا تكون ... الغزوة- 03 : ويصرخ العربي بن مهيدي بأعلى صوت متاح له، ولا أدرى كيف وصل إلينا وقد تجمّدت الدّماء في عروقه وامتقع وجهه الشاحب،أما تعلم رنين الكلمات السّاحرة ،ياسى الهادي، أما زلتم تذكرون حاشي عبد الرحمن وقصّة استشهاده؟ الخونة كانوا شوكة في العنق،تعيق ابتلاع الحقيقة المرّة ،أما حكاية عمر إدريس فتنتظر من يحكيها، حتى وان كانت تنطق بنفسها عن نفسها '' ..ومن حق الرجال أن ينصفوا الرجال ..'' فجأة تهتز الجبال، تتلألأ النجوم في كبد السّماء ،وتلوح في الأفق أنوار تملأ الجبال بهجة وسرورا، وتتدفق أصوات مهللة مكبرة ، الشهداء قادمون، ماذا أسمع ؟ الشهداء قادمون،أنا محظوظ برؤيتهم، في لسانك خدب..اسكت ، ماذا كنت تعتقد يا رجل ؟ لا تسأل سؤالا متعبا.. أنت الوحيد المعدود عندنا من الأموات،نحن أحياء عند الله نرزق،ابق بعيدا، لاتلمس أحدا ، إياك ..اياك..هنا استراح التاريخ طويلا،التاريخ غطاء متدفق ياولدي..ابق هنا علك تسرح ببصرك في حقول بصرت فيها الأعداء..في عرين الأسود ما تزال حكاية المجد قائمة، محكيّة بين الناس..تراها بأم عينيك وتسمعها..حكاية لا تملها الأيّام ، هي المرجع لكل ما يلهم الإنسانية ..جزائر العزة والكرامة،وطن راسخ كالحقيقة،ارتجفت عضلاتي المتصلبة،فأسرجت براق الأمل، وصرت أتفادي الخوف القادم ،وقد انزويت بعيدا، فجأة أخذت الأقدام تتراكض من حولى كما يتراكض نبض القلوب وأنا أهتف بهتافهم الله أكبر..الله أكبر..ولله الحمد.. الغزوة- 04 : يدنو الشهيد {سي عاشور زيان} من المكان بوجه صبوح ضاحك القسمات ، يجثم على الأرض، يقبلها ، يجمع حفنة من التراب ويضمها إلى صدره ،وهو يقول: إيه ..من نبع دمائنا الزكيّة ، ارتويت أيّتها الأرض الطيبة،وانتصرنا ،الأوطان تنتصر بفقرائها، تبني بسواعدهم القويّة ،للأسف وضعونا في خانة العدم ، عوت ذئاب الليل ليلا، تنابحت الكلاب، أطلقوا علينا رصاصا طائشا ، صار الدّمع كالجمر في الإحداق،نحن نطفأ الجمر في صمت، الصّمت كالموت مزروع بيننا في بيتنا، وثوب الليل يسترنا..إيه هي الجراح إذا ما لمستها انتفضت، و في انتفاضاتنا نخفي الجراح خوفا من الحسد،لا تلمني إذا ما مسّني الحزن، فمداد الآهات من دمى ، وشفاه التاريخ أنا،ويكتب قلمي،إذ الخطاب المنحرف سطو فاضح على أوراق التاريخ ، عانق الغيمة لعلك تظفر بالجواب، فما يدريك أن الغيث ماء،لقد أمطنا اللثام الصّفيق وانقلبت الطاولة في وجوههم،إنهم جبناء ولكن لا يشعرون، يلتزم الصّمت متنهدا.. كدت أرى شهقته،يصرخ صرخة متضرّمة مدويّة مجلجلة ،لا ترشف الأحزان..كفكف دمعك..قبّل صباحاتك، أنا هنا،أنا رجوة حق ،أنا بداية الحكاية ، أنتم ، أنا ، نحن ، كنا هنا ، ومازلنا نرعى الزرع والضرع ونحرس الوطن ، لبيك يا قائد!! نحن هنا !! عاش الوطن... الغزوة 05 : وبوجه ذابل مغضن، يسترجع سي علي ملاح أنفاس الحياة ، ويتحدث بكلام يشبه الهمس،إيه..إذ الأفكار اللئيمة ألإ لغائية تطرق أبواب الرؤوس الفارغة، فلاشك أنها تجرح كرامة الكلمة، وتسيء إلى الذاكرة {عربية } الأم الحنون أصابها فزع اعتصرت لها القلوب، في بيتها بين أبنائها تستثني،تشطب، وقد كنا نستقي من مائها الزلال عطشا، وعلى لوحات كفها يعجن البارود، كان لها حضور مزلزلا مذ كانت أكف العرب تعلو،عند ذاك الأفق، نوفمبر{1954} أوراس الأشم، محروسة بك بلادي، يا فجر الندي أنت الأمل، أعطيت الجند الأمل والارتياح ومنحت العمر القوة والانشراح، على أعتابك وقفت عربية، تذبّ عن الأوطان، كانت النبع الذي أجرى في العروق حبا أبديا، وفي النفوس هيبة وصلابة، كانت وثباتها الإيمانية جهادا يهز مضاجع الأعداء، يرعبهم، يسفه أحلام الخونة، في هذه الجبال المترامية شيّدت أمّنا بيتنا الجميل، خيّما لؤلئيّة مشرّعة، صنعت الحلم الذي كنا نحلم، في جبال عمور، القعدة..أولاد صالح..بوكحيل.. مناعة.. مساعد..في الهامل..ت امسه..جبال الصحاري .أولاد بنعليه..في بسكرة وأولاد جلال.سيد خالد في المسيلة في الطارف في جرجرة، في كل شبر من أرض الوطن الحبيب،شرقه وغربه جنوبه وشماله، تلكم هي قلاع الثورة المحروسة،إني أرى غيمة على سفوح الجبال،أسمع صوت الرّعد مسبحا، لكن أين بيتنا؟ ذاك الحصن الحصين !! هل مات العشب وذبلت أزهاره ؟ أم أن العمر تدحرج واهتز كبرياؤه؟هل ضاعت الفراسة؟ فاختلط العطر والعفن واأسفاه..ربما البيت هناك عدمناه {وكأننا ما ضربنا فيه فأسا }لا.لا.. لم نعدمه، هنالك في صحرائنا خسر المبطلون وانتصرنا، قلاعنا باقيّة..لا تلمنى إذا ما مسّنى الحزن، أيها الوطن المرخى ضفائره، إن الفجر سيطوف على أعتاب البيوت كلها، ليمسح الدّمع في صمت، ليرسم خرائط الطريق، لينزع فتيل الإحباط الذي زرعوه ، فلا تلمنى يا وطني..سلمت.. سلمت..يا جزائر..! الغزوة -06 : وفجأة يعتلى العقيد الحواس صهوة الكلمات المعبرة ، والسعادة تفيض على أطراف وجنتيه،والشوق يلفه، والحنان يعانق مشاعر النبل فيه، تتهاوى تحت ثغره ابتسامة رقيقة وهو يحتضن على ملاح يقبله، يشيد بوطنيته ودماثة خلقه،يجوب المكان بعينين سهميتين،يصرخ: قائدى المحترم سي ملاح، البيت بيتنا، ولم تعدمه..أبدا ..أبدا، هنا ثبتنا أوتاده ،ومدّدنا حباله ولم نيأس من بلوغ الهدف، في هذا الملجأ كنا نجتمع لنضطلع بمهام أملتها السّماء، كنا نخوض المعارك في أرض جرداء ، جبال شبه عاريّة، لا أحد يعلم عذابنا وبؤسنا وألمنا، بل جراحاتنا، كانوا في الضفة الأخرى كأهل الكهف نائمون، إنهم لا يفقهون شيئا ولا يعلمون، فالبراميل الفارغة لا تخيفنا إن تدحرجت ولا تفزعنا إن بقيت ساكنة، إنما في مثل هذه الحالات الشاذة يجبر الذهن على محو الخطاب المنحرف، فجأة أخذت تتعالى الأصوات مردّدة، ليس كل من يحمل بطاقة مجاهدا !!ذاك سطو مفضوح على التاريخ ، مهلا.. إنهم يتمتعون بكراهية يحسدون عليها {كل من عمل عملا و ليس عليه أمرنا فهو رد...}.. صاح متنهدا.. إيه ..تتزاحم الخواطر في ذهني يا سى ملاح، كنا لأحلافهم وأحلامهم بالمرصاد،كنا نعود في المساء بعد أن يتراجع العدو ويتوقف القصف، نعود إلى ديار في العراء لا نعرفها،وكأننا نولد فيها من جديد، ولسوف تؤرقنا السّاعات الأخيرة من الليل، عندما يلتحق الجند، فيغيب البعض، ويحضر البعض الآخر، فنتألم ونحزن،نضمّد جراح هذه المعركة ، والصّبح يدخّر لنا كالعادة عاصفة أخرى، فلاضير أن يموت أحدنا من سوء التغذيّة أومن جرح الجرح، فالجراح دوما نازفة ،وما تنفك النار أن تسرى في الغصن، وتمتزج الدماء في جبل ثامر..إيه..لحظات التاريخ تمر مسرعة يا سى عميروش.. ولكن هل تتكرّر بنفس القوّة والمتعة؟ ،نحن وهبنا أنفسنا فداء للوطن ،ومن أجله كتبت لنا الشهادة.. الغزوة 07: وفجأة دارت الرّؤوس يمنة ويسرة وصاح الجميع ، سي الطيب الجغلالي.. يا مرحبا.. يحضر الشهيد مبتسما، يذكر الله مسبّحا، كان قوياّ شامخا، حركاته هادئة، عيناه مليئتان بالأسرار، كان شديد الثقة بالنفس، يشعر بقليل من الغربة والوحشة، يطرح على نفسه أسئلة قاسيّة بعضها يثير شجونا في النفس، يتنهد يقول: إنها زوابع في الضمير، تجعلنا نبحث في عمق الصخور بنفس قلقة حائرة، نريد إجلاء الحقيقة والتي لاتكون مجلوّة إلا بالغموض، فالقوم نظروا إلى النور بعيون لا تري إلا في الظلام كالقطط ، إذ الجهل أورثهم العمى،فباتوا لا يبصرون ولا يفقهون، تركوا مصائرهم في أعين الآخرين، وراحوا يرفعون أكفهم لغير الله، أبدا نحن لم نصبح من الماضي، فالمواقف تستعصي على الضياع والهزيمة، والجغرافيا تختلط بالتاريخ ، كما اختلطت دماء الشهداء في الأطلسين التلي والصحراوي،إذن أنت مستاء مثلى.. فهل جهادنا أصبح في ذمة التاريخ ؟ لا..لا..لم أقل هذا،قال قائل:إذن فلماذا هذا التعلل والبكاء قال: رويدك سيدي..انك لا تذكر الحكاية!! الرصاص الطائش يصيب الطير لأنه ذو هيبة ومكانة ، الرصاص الطائش يصوّب نحو النورس، فالنورس يرتل في الصبح اللحن الجميل، ويغني في كل مساء للحب والسلام، الرصاص الطائش لا يصوّب أبدا نحو الغربان الناعقة لأنها لا تجتمع إلا على جيّف الكلاب، الرصاص الطائش يسكت الأنفاس الخيرة في لحظات الوعي ولعل ذلك سيصبح في نظر السذج حادث عابر،أما ضحاياه فهم في ذمة التاريخ،الحكاية نبتة نابتة في الجسد، أبطالها يقفون على تله من الخراب يريدون الغنيمة قبل بزوغ الفجر،إذ السّفه يفضي إلى السّفه ..آه. بكينا.وبكت الجراح على الجراح ، وانكسر الحلم لحظة الفرحة ،وقضي الأمر.. لكن لماذا النبش في القبور؟فالشهداء حاضرون.. الغزوة 08 - فجأة انتفضنا قائمين، مرحبين بصوت رقيق مفعمة نبراته حبا وتقديرا، بالعقيد شعباني، إنه شاب فارع الطول، واضح النحافة، سريع البديهة، دمث الطبع، دقيق السكوت، كانت ضحكاته مجلجلة تملأ المكان شوقا وحنينا، انحني على سي الطيب يقبله.. وهو يقول: نحن خلايا في جسد واحد، حديثك يا سيدي ممتع جدا، تركتنا مذهولين إي والله فلقد أمطرتنا بكم هائل من الحقائق، فليتني قلت لك إني مثلك مهموم، لقد بكى القلب حين الترحل، وانفجر الدمع في حناي حمر الدموع، وكنا ضحايا الرّصاص الطائش، ثارت العواصف عهدئذ، وتركت زوابع في الضّمير، وتلك هي الحياة، جراح وورود ورياحين، وللآخرة خير وأبقى، أنتم في الجنة، والجنة معطاء، تغمرنا عطاياها بإذن الله، فجعلت أرنو إليه، وأتساءل بريق جاف، ألم يكن شعباني موجودا معنا بعد الاستقلال؟ ولكن لماذا اختفى ؟ يا الهي.. القوم يعانقونه بحرارة ؟ فيقول محدثى: وكأنّه يهامس نفسى، اجلس والتزم الصّمت، فأنت لست من الأحياء !! نحن شهداء أحياء، أحذر أن تتفوه بكلمة في حضرتهم !! تكتمت ضحكة بالعض على باطن شفتي السفلي ،مختلسا النظر إليه، هل العقيد شعباني من الأحياء ؟ هزّ رأسه وقال: نعم، جعلوه من الأحياء، فضربت كفا بكف وقلت: يا ليتني كنت معهم فأفوز فوزا عظيما،.لقد ضاع التعب.!!. فصاح محدّثي: لا تترك الأحزان تعزلك، وطن نفسك على فعل الخير تكن منهم! احذر من ...، فما يؤلمنا أنها ما تزال تتحرّك في الظلام ، تمجّد جرائم الاستحمار، وتوحي لأذنابها بالنبش في القبور!! الغزوة 09: من تكون؟ إنها لبوءة بيضاء؟ قد تكون أميرة !! لا..لا إنها السيد عربية أم الشهداء والمجاهدين، ماذا تقول؟ هاهي ذي مقبلة نحونا،تشق طريقها المفروش بالحبّ والقداسة،تقف في شموخ واعتزاز، تتلفت يمينا ويسارا، تصرخ في صمت، تشتد بنا الدهشة فنهتف، يهتف الكون مرحبا،السّماء تبارك اللقاء، تمر الجبال من حولنا مر السّحاب، في جوفها أسر، في حركتها عظمة، يهتف الشهداء في سرور، فتحتضنهم في فرح غامر، ونشوة لاذة، فأكتم مشاعري المخدوشة، وانزوى معبرا عن خوالج النفس بسيل متدفق من الدموع، يا ليتني كنت معهم فأفوز.!!أشعر بالخجل عندما ترمقني بركني عينيها،وهي تتحدث ، كنتم أيها الأبناء البررة من أبرز المحاربين شجاعة،وأظهرهم بطولة ،كننتم أصبر الرجال على المواجهة والقتال، فأنتم غزلان الصحراء، وطيورها الكواسر، أنتم حلم الجزائر الأبدي، أناجيكم في ليل متمرّد وأنا أتوكأ على أمواج الحياة الصاخبة،إني أتألم.!!ولكني متفائلة تسكت برهة من الزمن ترسل زفرات محرقة.. إيه..فرنسا تمجد استعمارها، تتباهى ببشاعة جرائمها..العيون الدامعة تتابع الحدث باعتزاز ، آه.. يا أبنائي .. فعلا ذكريات الماضي تهدّد أحلامكم المتشابكة، ستبقى الحقائق التاريخيّة مدفونة في ظلمة التاريخ..سيبقي الحديث عن المجاهدين وهم وتلهيّة ما لم نفي بالوعد، ونلتزم بالعهد،فالأمل لم ولن يدفن تحت غبار أقدام الغزاة ، فجأة زهر النجوم يضيء الأرجاء ، فترتج الحناجر هاتفة بحياة الوطن، ومن حنايا الرّوابي الخضراء تنبعث أصوات الشهداء مسبّحة مهللة ، فترسل عربيّة زغاريدها المنعشة، صرنا واجمين من المهابة ذاهلين، لما تعانقت الأرواح..وساحت الدّموع بالأفراح..وأذن المؤذن حيّ على الفلاح..ربما الآهات في مثل هذه المواقف أشعر من الكلمات وأفصح، فللقلوب نبض فيّاض، وللنفوس التفاتات وقداسة، وللمواكب الزاحفة جلال وعظمة ، فيا جبال ماحويت !! ويا أرض ما آويت !! فمن هنا ..من على أديم تربة جبال الأطلس الصحراوي،مرت قوافل الشهداء في رحلة أبدية إلى السماء، تشيد بعهد الأوفياء.. فعليهم صلوات من الله عبقها الرّوح والريحان، والخلود في جنّة الرضوان.. وللوطن دوام العزة والأمن والآمان.