الرئيس الفلسطيني: نعمل على تثبيت وقف إطلاق النار في غزة    سونلغاز : برلمان البحر الأبيض المتوسط يكرم بروما السيد عجال بجائزة التميز من أجل المتوسط    زروقي يدشن أول مركز للمهارات بسطيف    سايحي يضع حيز الخدمة مركز مكافحة السرطان بطاقة 140 سريرا بولاية الأغواط    تسخير مراكز للتكوين و التدريب لفائدة المواطنين المعنيين بموسم حج 2025    الرابطة الأولى: شباب بلوزداد يسقط في سطيف (1-0) و يهدر فرصة تولي صدارة الترتيب    جائزة سوناطراك الكبرى- 2025: فوز عزالدين لعقاب (مدار برو سيكيلنغ) وزميليه حمزة و رقيقي يكملان منصة التتويج    انطلاق أشغال الدورة ال 19 لبرلمان البحر الأبيض المتوسط بروما    تدشين مصنع تحلية مياه البحر بوهران: الجزائر الجديدة التي ترفع التحديات في وقت قياسي    استلام أغلب مشاريع التهيئة والترميم الجارية حاليا بقصبة الجزائر "نهاية هذه السنة وخلال سنة 2026"    عطاف يجري بجوهانسبرغ محادثات ثنائية مع نظيره الروسي    الرئيس يقرّ حركة في سلك الأمناء العامين للولايات    الشروع في تسويق طراز ثالث من السيارات    بن طالب.. قصة ملهمة    إنقاذ 221 حرّاقاً بسواحل الجزائر    غزّة تتصدّى لمؤامرة التهجير    فرنسا تغذّي الصراع في الصحراء الغربية    تردي متزايد لوضعية حقوق الإنسان بالمغرب    منظمة صحراوية تدين استمرار الاحتلال المغربي في الانتهاك الصارخ للقانون الدولي في المدن المحتلة    مجلس التجديد الاقتصادي الجزائري يجدد مبادرة خفض الأسعار في رمضان    انطلاق أشغال الاجتماع الوزاري الأول لمجموعة العشرين بمشاركة الجزائر    شرفة يعلن عن الشروع قريبا في استيراد أكثر من مليوني لقاح ضد الحمى القلاعية    رئيس المجلس الشعبي الوطني يستقبل رئيس مفوضية الاتحاد الأوروبي بالجزائر    بو الزرد: دخول منحة السفر الجديدة حيز التنفيذ قبل نهاية رمضان أو بعد العيد مباشرة    اختيار الجزائر كنقطة اتصال في مجال تسجيل المنتجات الصيدلانية على مستوى منطقة شمال إفريقيا    الجمعية الوطنية لكبار معطوبي حرب التحرير تندد بالمواقف الفرنسية المعادية للجزائر    كأس الكونفدرالية: رضواني و بلقاسمي (اتحاد الجزائر) و ديب (ش.قسنطينة) في التشكيلة المثالية لدور المجموعات    لجنة مكلفة بتحضير سيناريو فيلم الأمير عبد القادر في زيارة لولاية معسكر    الحزب الشيوعي الروسي يجدد دعمه لكفاح الشعب الصحراوي حتى تحقيق حقه في الحرية والاستقلال    لقاء علمي مع خبراء من "اليونسكو" حول التراث الثقافي الجزائري العالمي    أمطار مرتقبة في عدّة ولايات    مبارتان للخضر في مارس    مباحثات بين سوناطراك وشيفرون    الشركة الجزائرية للتأمين اعتمدت خارطة طريق للرقمنة    هذا زيف الديمقراطية الغربية..؟!    الرئيس تبون يهنيء ياسمينة خضرا    خنشلة: الأمن الحضري الخارجي المحمل توقيف أشخاص في قضيتي سرقة وحيازة كحول    الرئيس تبون ينهي مهام والي غليزان    أيوب عبد اللاوي يمثل اليوم أمام لجنة الانضباط    مضوي غير راض عن التعادل أمام الشلف    قمة بأهداف صدامية بين "الوفاق" و"الشباب"    توقُّع إنتاج كميات معتبرة من الخضروات خلال رمضان    احتفالات بألوان التنمية    إثر فوزه بجائزة عالمية في مجال الرواية بإسبانيا رئيس الجمهورية.. يهنئ الكاتب "ياسمينة خضرا"    مشاريع تنموية واعدة في 2025    دعوة لإنشاء منظمات عربية لرعاية اللاجئين    تتويج "الساقية ".. بجائزة كلثوم لأحسن عرض متكامل    هذا ما يجب على مريض السكري التقيُّد به    "حنين".. جديد فيصل بركات    حج 2025: إطلاق عملية فتح الحسابات الإلكترونية على البوابة الجزائرية للحج وتطبيق ركب الحجيج    الزيارة تستدعي الإدانة كونها استخفاف بالشرعية الدولية    هكذا تدرّب نفسك على الصبر وكظم الغيظ وكف الأذى    الاستغفار أمر إلهي وأصل أسباب المغفرة    هكذا يمكنك استغلال ما تبقى من شعبان    سايحي يواصل مشاوراته..    وزير الصحة يستقبل وفدا عن النقابة الوطنية لأساتذة التعليم شبه الطبي    أدعية شهر شعبان المأثورة    الاجتهاد في شعبان.. سبيل الفوز في رمضان    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



كاتبات وشاعرات جزائريات يسردن قصصهن مع الكتابة ..
نشر في الحوار يوم 07 - 04 - 2010

الكلام عن الكتابة ليس كأي كلام .. والكتابة عن الكتابة ليست كأي كتابة خاصة إن صدرت عن امرأة .. لحظة الكتابة عند المرأة مملوءة بأشياء زائدة عن أشياء الرجل الكاتب .. أشياء أخرى في شفافيتها وتجاربها وإنسانيتها ..أشياء تنسج سحر المرأة وتوقع فتنة غموضها .. لماذا تكتب المرأة ؟ ما تتوقع من الكتابة ..
ما تنتظر منها .. أن ترمم خرابا ما .. أن تجمل بشاعة ما ..أن تصنع معنى ما .. أن تمارس حرية ما ..أن تفضح قبحا ما .. أن تقترح شيئا ما .. أن تقول سخفا ما .. أن تدعي حقا ما .. باطلا ما .. أن تكون جسدا ما .. أن تتبنى وهما ما ..جنونا ما .. عشقا ما إثما ما خيرا ما شرا ما .. امرأة تكتب هي امرأة مكتملة الجنساوية ..
هي امرأة خلقة وهي رجل حمولة وعبئا وانشغالا ..هي أنثى عطاء وتضحية وقداسة وغموضا ،وهي ذكر قوة وتحملا وعرفا ونبوءة ووهما وشبقا .. هي الاثنان في واحد .. هي المكتمل والأصل والمرجع والمنهل .. هي الحياة بما تقترف ..بما تجود بما توهم بما تصدق بما تكذب بما تبوح بنا تنكر..بما تحب بما تكره ..امرأة تكتب امرأة تحترف جماليات الوهم .. تزرع الغموض بين حروفها .. تهب الفتنة لنصوصها .. تحمّل الكلمات مهاما أخرى .. كاتبات جزائريات كابدن مشاق الإبداع الأدبي قصة ورواية وشعرا كان لهن هذا البوح للموعد الأدبي حول الكتابة الإبداعية وما تعنيه لهن ..
الروائية نعيمة معمري.. الكتابة ليست قدرا بل خيارا
حينما وطئت قدماي أرض الكتابة كنت أجهل أن هذه الأرض الجميلة المغرية يمكن أن تقيم فيها فصيلة من القراصنة وقطاع الطرق.. قتلة من نوع جديد كنت أظن أن هؤلاء البشر حكر على مجالات أخرى ربما لشدة إيماني بقدسية فعل الكتابة أنا المرأة القادمة إلى هذه الأرض ببراءة طفلة ظلت تحلم منذ نعومة أظافرها وجنون أحلامها باللغة و بالكلمات ولا تدري وقتها لماذا، لكنها ظلت تطاردهما بإصرار في غيمة عابرة في رفة طائر في حفيف الشجر في وجه مليح في أغنية عابرة في وجع مفاجئ، ظلت تتوغل في غاباتها تقفز هنا وهناك، تمشي بحذر شديد بين أشجارها، ربما كي لا تزعج أحدا، ولا تقلق راحة أحد، وتساءلت مرارا خائفة من مجاهلها السحيقة: لماذا علي أن أدخل هذه الأرض الغريبة وحدي دون هؤلاء الذين يقيمون خارجها ويبدون دونها بصحة جيدة، هؤلاء الذين ظلوا يجلسون خارجها وداخلي يحاولون بنصائحهم البليدة الفاسدة تسميم حياتي، احتلال جسدي وفكري ولغتي وأحلامي، ورغم ذلك قررت أن أتوغل بداخلها مشهرة وحدتي، هكذا دون خريطة طريق ودون دليل، لكن رفقة كثيرين ممن قرأت وأحببت وعرفت أمثال بول إيلوار حيث شغفني بنص الحرية، بول فرلين، فيكتور هوجو، مالك حداد برصيف الأزهار لا يجيب، لاحقا الأدب الجاهلي والمقامات الهمذانية، عمر أبو ريشة وابن حزم الأندلسي، لا أدري لماذا كان هاجس قاتل يسكنني منذ الطفولة ويلاحقني أينما ذهبت ليقول لي إن حياتي لن تستقيم إلا بلعنة هؤلاء، هذه اللعنة التي حاولت أن أتخلص منها بتواطؤ الوقت وأشياء الحياة الأخرى، لكني فشلت و كتبت وكنت أكتب أكثر كلما كنت أشعر بالوجع الإنساني لكنني في تلك الآونة لم أصر كثيرا على النشر. لأن أشياء كانت تنمو في أعماقي تعيقني، من نوع الأسئلة القلقة المريضة حول جدوى الكتابة، في النهاية نحن لا نكتب لأن الكتابة قدرنا لذلك أصر اليوم على البقاء فوق هذه الأرض الجميلة، وأظل أتساءل لماذا يهاجمنا قطاع الطرق هؤلاء من شتى الإنحاء، لماذا يرفعون قياساتهم الغبية في وجوهنا ويحاولون وضع أحلامنا وكتاباتنا تحت أقدامهم، رافضين نشر نصوصنا لأنها لا تحمل مواصفات تجارتهم الكاسدة، هل لأن المرأة لا تزال وفق ذهنية مجتمع بكامله تخضع للقمع؟، هل لأنه لا يحق لنا نحن الأسماك الصغيرة أن نسبح في بحارهم
هل لا يحق لنا دونهم أن نجد مكانا تحت الشمس، وذلك لأنهم وجدوا قبلنا، وبالتالي صار المشهد حكرا عليهم، حيث يحق لهم أن يضعوا لنا حواجزَ مفخخة تفجر أحلامنا، وطموحاتنا، اليوم أعلم أني سأقيم في هذه الأرض الجميلة رفقة وجوه محاربة أحبها تحلم بالشمس و تسعى إليها.
تمنيت أن لا أستعمل مثل هذه الكلمة فوق هذه الأرض، لكن للأسف، لذلك سأظل أحارب قدر المستطاع قطاع الطرق والقراصنة، لأنهم ببساطة لا ينتمون إلى هذه الأرض الجميلة.
الشاعرة نوّارة لحرش.. أسئلة الكاتبة الجزائرية لا تنتهي
أسئلة الكاتبة الجزائرية لا تنتهي، وهي أسئلة الكاتبة العربية عموما، أسئلة في/عن الكتابة والحياة، المجتمع، الطموحات، التحديات، الذهنيات المعبأة بأفكار مسبقة وحادة، الظروف والصدامات والاصطدامات، الأحلام، الخيبات.
أسئلة بحجم الهواجس القلِقة التي تشاغلها وتشغلها في آن وبلون الكوابيس المشرئبة إلى أيامها أحيانا، والتي هي نتاج ضغوطات نفسية تَعِبة بسبب المجتمع الذي لا يؤمن بالكتابة كدور فعال وفاعل في حياة المرأة، أسئلتها أشجار عالية وكثيفة، بحيث تشكل غابة من القلق والهواجس وليس فقط علامات إستفهام كثيرة على حافة البال، هذه الكاتبة بحكم المحيط الرافض والواقع المتذبذب والمجتمع الذي لا يشجع عادة الكاتبة التي تتخذ مسار الكتابة والإبداع خيارها أو طقسها أو مشروعها الطموح، فهي تعاني على عدة مستويات وجبهات لأنها تجد نفسها أمام تحديات وصدامات، فالأغلبية الساحقة من المجتمع ترى الكتابة كشيء تافه لا قيمة له ولا معنى، وبأنه مضيعة للوقت وضد أعراف العائلة وأكثر من هذا يعتبرونها كطابو أو محظور وخارج التقاليد والآداب بالنسبة للمرأة طبعا، تفسيرات ذكورية تفتي بهذا وتقول لا يجوز للمرأة أن تكتب، لا يجوز لها أن تنشر كتاباتها، لأن كتاباتها هي سيرتها السرية الأكيدة التي تنفضح بين السطور وبالتالي تفضحها أمام الأهل والجيران والمحيط، وبهذا تُدان المرأة بنصوصها، بخيالها، بأفكارها، وطبعا مخول أمام هكذا قصور مهول في الوعي والثقافة والتفهم أن يقوم أوصياء المجتمع الذكوري بإلباس نصوص المرأة الكاتبة،والكاتبة نفسها كل ما يحلو لهم من اتهامات وإساءات بنوع من التوكيد المبطن بالذكورية الاستعلائية التي لا تمارس أي شيء آخر بنوع من الحدية مثلما تمارس الشك والتشويه والإساءة والإقصاء مع كل ما يخص المرأة الكاتبة التي تشكل في عقلهم الباطني أحيانا عقدة عقيمة يستعصى الشفاء منها خاصة عندما تصطدم قناعاتهم هذه بإصرار الكاتبات على إكمال مسيرتهن الكتابية مهما كان وبلامبالاتهن من هذه الذهنيات الذكروية التي تحاول أن تعرقلهن وتعرقل طموحهن الأدبي والكتابي. أعتقد أن النظرة الذكورية بكل قناعاتها الخاطئة وبكل ذهنياتها المريضة هي التي تشكل أمام الكاتبة بعض التخوفات أو بعض العوائق وهذه النظرة كثيرا ما كانت سببا في توقف الكثير من الكاتبات عن ممارسة ومزاولة الكتابة والإبداع، نظرة واحدة ذكورية جائرة كافية/ وكفيلة بأن تقتل الكثير من عصافير الشعر والنثر والفن في أعماق كاتبة ما، إلا الكاتبة التي بقدر ما تحمل من وهج إبداعي وإصرار على هذا الإبداع بقدر ما تحمل من أظافر تحمي بها جسد أحلامها وطموحاتها ومسيرتها وحياتها من لسعات الخدش اليومي الذي يتقنه جدا مجتمع تربى وكبر وشاب على ذكورية شديدة في كل شيء. إنها أظافر داخلية في عمق قناعاتها لا في أصابعها فقط، فهذه الأخيرة للزينة والتباهي ربما، لكن الأولى أكثر ضروية لمجابهة كل خدش ذكوري طارئ قد يهدد بتشويه أوعرقلة أو قتل مسيرة الكتابة أو الحياة، فالكتابة أيضا حياة والحياة أيضا كتابة، لكن من يعي هذا في زحمة الذكوريات المنتشرة أكثر من الفطريات. أعتقد أن كل كاتبة أشد ما يزعجها ولا أقول يؤلمها هو النظرة الجائرة لها من طرف المجتمع، وانتقاصه وتقليله من أهميتها وأهمية الكتابة بهذه النظرة المليئة بالظلم، فرغم تطور العصر وازدهاره على مستوى التقنيات والتكنولوجيا إلا أنّ هذه النظرة ظلت تراوح شكها وتسلطها وقسوتها ولم تتغير، وبهذا ظلت ذهنيته قاصرة عن التغير أو التطور وأيضا قاصرة عن مواكبة العصر والتطور، لم تزدهر الذهنية الضمنية فقط ازدهرت الذهنية الشكلية. لكن كاتبات كثيرات تحدين هذه الذهنية و واصلن الكتابة بذهنية متقدة بالطموح والإصرار والحياة والحبّ.
القاصة نسيمة بولوفة.. أفضل التحرر الفكري مع الالتزام الأخلاقي
متى بدأت أحلم بالكتابة؟، لا اذكر منذ طفولتي، وربما قبل أن أولد، كانت دائما تناسب خجلي وتوافق وصمتي، تطرد مللي و ضجري، أحببت كثيرا الكتب، لأعطي العنان لخيالي والسباحة بعيدا في عوالم أخرى مثيرة مليئة بالأميرات الجميلات، ومتخمة بالبطولات، كنت دائما طفلة كثيرة السرحان، جسدي بمكان، وروحي فوق البساط السحري في سفر دائم، حتى قيل إني غريبة الأطوار،عوض أن تلعب مع أقرانها تفضل البقاء لوحدها بغرفتها وسط كتبها و كأن أحدا لا يعجبها. الكتب ساهمت بصورة ما في تشكيل شخصيتي، وهنا عرفت خطورة أن تصبح كاتبا تملك سطوة على قرائك وتشكلهم على نحو ما، ولما كبرت كبر شغفي بالكتب، بقيت أتردد على المكتبات كفأرة نهمة تجذبها رائحة الكتب عن بعد و من كثرة ذهابي للمكتبة الوطنية، اعتقدت والدتي أن لي حبيبا معينا هناك، ألقاه منذ سنوات دون مخالفة للمواعيد، أتأنق و أتجمل ساعات، لأبدو في عينيه أحلى واحدة، فأخبرها مازحة، أنا على موعد مع تولستوي، و مرة أخرى سألقى تيشخوف، نجيب محفوظ، مولود فرعون، همنغواي وغيرهم.
بعد تخرجي من الجامعة بدأت مغامرتي مع الكتابة، في البداية شعرت بالعجز، وبأن اللغة لا تطاوعني لقول كل ما أريد، ثم توصلت إلى أن اللغة كالرياضة تحتاج إلى تدريب مستمر و متواصل ليكون الكاتب في أحسن لياقته الأدبية، ومثلما قال غابريل غارسيا ماركيز: الكتابة هي متعة ولذة وألم، هناك كتاب يقدرون على الكتابة يوميا بصورة متواصلة، أنا لم أصل بعد تلك المرحلة، أكتب كهاوية، لما يزورني الإلهام، بدأت كتابة رواية جديدة و صراحة أكتبها بخطوات الحلزون، حسب المزاج، تحتاج الرواية للاشتغال والتفرغ عكس القصة، التي تكتب مرة واحدة وعلى نفس واحد، يحدث أن أفكر في قصة ساعة وأكتبها في ساعة واحدة، أي أحتاج ساعتين، كما يحدث أن تؤرقني القصة مدة سنة، تبقى في رأسي ولما أكتبها تخرج دفعة واحدة، ثم لا ننسى صعوبة النشر انتهيت من كتابة ''الهدية اللذيذة'' أول رواية بوليسية لي منذ أزيد من سنة، وهي قابعة في درجي، أنا سئمة من الوسط، بل الأصح أنا منعزلة عنه تماما، فيه الكثير من الدسائس والغيرة، طبعا الغيرة شعور إنساني و أحيانا هي مفيدة لأنها تدفع الإنسان لأن يقدم أحسن ما لديه ليتفوق ممن يغار منه، لكن لا يحق أن تصبح مدمرة.
ماذا لو قيل لي يوما إن كتاباتي سيئة، ولا تستهوي أي قارئ، هل أتوقف عن الكتابة؟، طبعا لا، سأستمر لأني أكتب لنفسي، أنا أحسن قارئة لكتاباتي، عندما أكتب أشعر بالراحة النفسية وتعمني السكينة، القلم حبيبي دائما لا يتخلى عني أبدا، يقبل مزاجي بل يأسره، عند اللحظات الحاسمة الموجعة هو هنا، عند لحظات الفرح و الابتهاج هو هنا لصيق بي.
نعم نكتب لأنفسنا ثم نبحث عن المشاركة، عن قراء مفترضين، وكلما زاد عدد قرائنا زادت فرحتنا، ما هي المواضيع التي أحب التطرق إليها؟، لا تفضيل عندي، أحيانا أنا بمزاج طفلة بريئة أحب الكتابة للأطفال، وأحيانا بمزاج متشيطن أكتب الرواية البوليسية، ومرة بمزاج رائق، وكأن عدة شخصيات بداخلنا وفي كل مرة نتقمص و نسكن شخصية ما.
المجتمع له صورة معينة نحو الكاتبة، هناك من لا يفرق بين ما نكتبه والحقيقة، صحيح أحيانا نكتب حكايانا و حكايا من نعرف، وفي مرات عدة نكتب ومصدرنا الخيال، لا أحب ذاك الإسقاط المباشر، إنها تتحدث عن نفسها، يا للملل الشديد لو بقي الكاتب يتكلم عن نفسه فقط. و بما أنك صديقي عبد الرزاق قلت لي ثرثري حول الكتابة كما يحلو لك، ها أنا أثرثر، الثرثرة ميزة نسائية؟، هكذا يقولون، الرجال أيضا يثرثرون، من الأشياء التي لا تحلو لي هي الأحكام والأفكار المسبقة، بالنسبة للبعض ''كاتبة'' معناها امرأة متحررة بلا ضوابط، كل شخص حر في أن يكون كما يريد لكن لا تعجبني النظرة المسبقة، أنت كاتبة أي عندك الاستعداد و القابلية للانحلال الخلقي مثلا، أو لبلوغ أقصى درجات الجنون، أنا مع التحرر الفكري والالتزام الأخلاقي، قد ألبس تنورة قصيرة أو جينز ضيق، لكن داخليا أنا متجلببة، أهو تناقض؟، لا أظن صديقي لا أظن.
القاصة فاطمة بريهوم.. أكتب ما يهم الإنسان
لا يكتب عن تجربته إلا من استطاع أن يبيّضها على الأقل في بعض نواحيها أما أنا فأشعر بأن تجربتي مازالت - بعدُ- مسودة فيها الكثير من الشطب ومن الأقواس والاعتراضات، والجمل التي تستحق إعادة الصياغة، أو عمقا يحررها من لغة العقل.. الآن لا أقدر أن أسوي في علاقتي بأشياء كثيرة وليس ذلك نقصا في الوعي، أو النضج، أو المسؤولية إنما في هذه الرعشة، الرجفة، الوثبة: الكتابة التي لا أقدر أن أعيش بها مع كل الناس، ولا أفلح أبدا في ترتيب حياتي دونها. فها أكتب هذه الشهادة بتعب كبير جراء جراحة في يدي سببها ممارسة هواية. فهل نزفت حبرا كافيا لأستحق تسميتها، هل جرأت ما يكفي لأدافع عني؟.
أعرف أن الخلود لا خلطة سحرية له، وهو ليس من هواجسي. و لكن هل كتبت ما يؤثر في الإنسان؟، هل أقدر أن أتجاوز ما أقرأ؟، أم أني سأظل في تلك النقطة حيث البعض يحلو لهم أن يتسلوا بالكتابة مدعين النبل والترفع عن هذا المجتمع، وهم أول من يكرس تقاليده غير المتصالحة مع الحرية والاختيار، وأعرافه المجحفة في حق الكائنات؟، هل أكتب كمظهر للتميز وحسب فأكون شهرزاد أخرى لا غير، لا تقوى على النضال، والإفصاح، و ترضى بالذهب الذي يخفي الحديد الذي يجرجرها من قرون إلى ما تطلب القبيلة؟، و تكتفي بالمراوغة خلاصا؟، لتكرس النفاق والرياء ولا تغير من الحياة المشوهة عندنا شيئا؟، فحين أواجه الورقة وأعجز عن رصد تذمري من كوني مواطنا مقهورا تحت وطأة الظلم المضعف، ولا أفعل سوى أن أردد ما قرأت عن الرجال، وما حلموا به لهذا العالم. كم أجدني بعيدة عن ذلك الحلم بالكتابة والثورة الذي بدأته وأنا طفلة أستقبل العالم بمفاهيم كبرى، ربما هي المعرفة التي تزود بها ذواتنا، تهيئنا لما يسرنا له، لا تكشف عن كل الأخطار التي تترصد كائنا كاتبا في هذه البيئة التي تتعامل معها باستخفاف وفي أحسن الأحوال بتقديس يبعدنا عن حقنا في أن نكون بشرا لهم مفاهيمهم المعرضة للنقاش.
لا أثق في أني قلت لحد الآن كل ما أرغب فيه وبالطريقة التي أحب لكني أيضا لا أطيق الصمت الذي يجرحني ويدخلني في زوايا الكآبة خوفا من أن لا أكمل حلمي بالكتابة كما أحسها، تلك القدرة على خلق عالم أجمل على الأقل في نظري، يعيش فيه كل إنسان بحدوده لا بما يرسم له الآخرون فلا يضطر قسرا أو اختيارا - إلى الأذى.
قد أكون قاسية مع نفسي خاصة لما أرى مخربشين يتنطعون بكلمات كبيرة عن الإبداع بل ويبيحون لأنفسهم التعالي على من هم أكثر موهبة منهم وأصدق في الكتابة!، لكني لست (غانية ليغرني الثناء) فكم أعلم علم اليقين أن الكتابة بنت الصمت والعزلة والقراءة، فهي لما تستند على الموهبة الدارسة المثقفة لا تخاف من الإجحاف، ولا من الذين يتسابقون للصفوف الأولى يربطهم الالتزام بالنمط الذي ما عرفوا غيره لأنها وقتها- تتعدى كل الأزمان. أما إذا لم أفلح في تحقيق ذلك عزائي أني حاولت دون أن أنحر حقيقتي على معابد التزلف، ولم أعلق صدقي على سلالم الأنانية والحقد.
الروائية جميلة طلباوي.. الكتابة النسوية إنسانية بالدرجة الأولى
إنّ عملية الكتابة الإبداعية هي من أرقى الفنون التي مارسها الإنسان للتعبير عن نفسه ،عن هواجسه وواقعه وأحلامه ومعاناته، وقد سبقت عملية الكتابة، الإبداع الشفوي فكان يحكي الإنسان الأساطير والحكايا الشعبية و كان يقول الشعر ويجسد الملحمة بما يقوله شفهيا وتختزنه ذاكرته ثمّ ذاكرة الأجيال التي تأتي من بعده.
و كان لكلّ عصر متطلّبات للإبداع الكلامي أو الكتابي في مختلف الأجناس الأدبية ترتبط بالمواضيع التي يعالجها المبدع .
و على مرّ العصور عرف الإنسان مناطق محرّمة عرفت بعد ذلك بالطابو انطلاقا من معايير أنتجتها العادات والتقاليد أو الدين أو نظام الحكم.
لكن هذا الطابو لم يمنع من وجود مبدعين متمرّدين يرفضون تقييد حرّيتهم في الإبداع فكتبوا وناضلوا وواجهوا كلّ التحدّيات من أجل أفكارهم وطروحاتهم. والمرأة كإنسان له تاريخ طويل من المعاناة والإقصاء وحتى صعوبة في مرحلة ما في التعبير عمّا يجول بخاطرها بحكم الأوضاع الاجتماعية والعادات والتقاليد وغيرها من الأسباب التي كبّلت صوتها طويلا، هذه المرأة عندما تكتب فهي تنتصر لإنسانيتها قبل كلّ شيء وتتحد مع الإنسانية فيها الأنوثة مع الفكر مع كلّ الرواسب الاجتماعية المحيطة بها وتقف في مفترق الطريق إمّا أن تتخلّص من الرواسب وتكسّر الطابو وتعبّر بكلّ حرية عمّا تريد وعمّا تفكّر فيه و هي تعرف مسبقا بأنّها ستجد نفسها على الهامش منبوذة من المجتمع، قد تصادر كتبها أو تصادر فكرتها وتصبح المغضوب عليها من أطراف كثيرة وإمّا أن تكتب وتضع شرطي الفكرة و الكلمة في ذهنها. و هنالك اختيار آخر قلّما نتحدث عنه وهو عندما تكون المبدعة متصالحة مع ذاتها ومتصالحة مع المجتمع الذي تشبّعت بقيمه وكتبت دفاعا عن هذه القيم .لذا عندما نتحدّث عن العوائق بالنسبة للمرأة الكاتبة في البيئة العربية فإنّ حديثنا سيكون نسبيا على اختلاف التجارب في الكتابة النسوية بين المبدعات في المغرب العربي والمبدعات في المشرق العربي والخليج العربي، سنجد الاختلاف بين المبدعات المقيمات داخل أوطانهن وبين المبدعات اللواتي ضاقت بهنّ الأوطان فرحن يبحثن عن فضاء أوسع للبوح يتنفسن فيه الحرية بشكل كاف، لكن هل هذا يعني أن العوائق زالت بالنسبة لهنّ وأنّ المخاوف تبدّدت؟، يبدو لي أنّ كلّ كاتبة أو مبدعة بالكلمة بصفة عامة سواء كانت شاعرة ، قاصة أو روائية فهي تحمل رسالة إنسانية تناضل من أجلها والذي يناضل أوّل مخاوفه هو الخوف من فشل التجربة وعدم تقبّل الآخر له سواء كان القارئ أو الناشر، ومن المخاوف أيضا الخوف من الدخول في صدام مع المجتمع أو مع السلطة على مستوى عدم تقبّل فكرة الكاتبة أو جرأتها ، لكن أعتقد بأنّ هذه المخاوف أصبحت في وقتنا الحالي أقلّ حدّة خاصة مع تنوع منابر التواصل بين المبدعات و المتلقي إضافة إلى أنّ المبدعة في عصرنا الحالي صارت أكثر إصرارا على التعبير عن أفكارها ربّما يعود هذا إلى ما حققته المرأة على المستوى السياسي والاجتماعي والاقتصادي وما توصلت إليه من مكاسبَ على مستوى حقوق المرأة .
نجد المبدعة الجزائرية تطرّقت إلى كلّ المواضيع وأظهرت جرأة كبيرة في الطرح ولم يكن ذلك على حساب نوعية النص عكس ذلك تماما نجحت الأديبة الجزائرية و صارت لنا أسماء كبيرة في عالم الأدب على المستوى العالمي والعربي كآسيا جبار،عائشة لمسين ، أحلام مستغانمي، مليكة مقدّم، فضيلة الفاروق وياسمينة صالح وغيرها من الأسماء الكثيرة والجميلة والتي هي مكسب للحركة الأدبية بصفة عامة على المستوى العالمي أو العربي .
نأتي إلى العوائق وهنا المرأة الكاتبة قد تتقاسم مع أخيها الكاتب الرجل هذه العوائق المتمثّلة بالدرجة الأولى في مشكلة الطبع والتوزيع، يأتي بعد ذلك الترويج للنتاج الفكري والأدبي فقد تطبع الكاتبة بعد جهد ومعاناة ولا أحد يسمع عن كتابها وقد لا يصل إلى القارئ و يبقى حبيس الرفوف.
يبقى أنّ الذي يناضل من أجل الكلمة رجلا كان أم امرأة لا تحبسه مخاوف و لا توقف مسيرته عوائق لأنّ من سار على الدرب وصل وهذا هو الدرس الذي تحفظه المبدعة الجزائرية جيدا وهي تشق طريقها بعزم وإصرار .


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.