لم تنكر أنها تعرت نيابة عن قرائها .. ولم تنكر أنها أيضا عرت قراءها .. وعشقت لصوصها وكل من قاموا بسرقة كتبها : أنا مدينة للصوص الذين استولوا على أعمالي وقاموا بنسخها وبيعها .. هكذا اعترفت أحلام مستغانمي مؤخرا على هامش فعاليات معرض تونس الدولي للكتاب .. أحلام مستغانمي التي صنعت الحدث في التظاهرة المذكورة كعادتها حيثما حلت .. أصبحت باعتراف أهل الأدب والإبداع ظاهرة فريدة من نوعا في المشهد الأدبي العربي .. الكل يتساءل ويتحرق :كيف وصلت كاتبة '' امرأة عربية وجزائرية إلى هكذا مستوى من الانتشار الكاسح وهكذا درجة لا مسبوقة من النجومية في الأوساط الأدبية والثقافية ، درجة لم يحققها كبار الأدباء ولم يتمتع بها عميد الرواية العربية نجيب محفوظ قبل حصوله على نوبل .. ترى ما سر نجاح هذه الكاتبة ؟.. وما هي الوصفة السحرية التي تستعملها عند الكتابة ؟ وما سبب تهافت القراء عليها وعلى مؤلفاتها ؟ كيف استطاعت أن تحلق وحدها في سماء المجد الأدبي بهكذا سرعة وبهكذا علو؟ هي ثلاث روايات .. ثلاث فقط جعلتها تسبح في الأضواء .. جعلتها كما قالت عن نفسها :تخرج من نفسها ..ما عادت تعرفها ... ماعادت تصدق هذا الذي يحصل لها ولكتبها .. '' كلما خلوت بنفسي أضبط أحلام تضحك على أحلام '' ..المرأة صعقتها شهرتها ..دوّخها نجاحها .. النجاح والأضواء يكاد يفصم أحلام العادية التي تعرف نفسها عن أحلام التي انفجرت وطفقت تحلق في أعالي الأجواء الإبداعية العربية ،الأقدار شاءت لهذه المرأة أن تولد كبيرة .. أن تتجشم ثقل الشهرة وتبعاتها من أول رواية وأول خطوة تخطوها على درب الكتابة '' ذاكرة الجسد '' الرواية التي سحرت القارئ وملكت كيانه بشيء لم يعثر عليه النقاد بعد .. شيء هي نفسها لم تستطع تحديده .. '' انظري ماذا فعلت بي ذاكرة الجسد قالت لي مرة ووقفت لتريني جسدها الذي زاد وزنه .. لحد الآن لم أفهم إن كان النجاح هو الذي تسبب في زيادة وزن أحلام أم هي شراهة الأكل '' العصبي '' التي أصابتها نتيجة ما قاسته جراء التهمة الباطلة التي طالتها عند صدور ''ذاكرة الجسد'' ودخلت بسببها ولسنوات دوامة المحاكمات القضائية والإعلامية إلى أن أثبتت براءتها من السرقة الأدبية، واستعادت شرفها الأدبي والإبداعي .. وأضافت وهي تكلمني بتلقائيتها وبساطتها المعهودة '' زوجي وأولادي وكل المقربين مني يقولون لي : بماذا كتبت تلك الرواية يا أحلام؟ وماذا وضعت في حبرها ؟. عجب كتابات أحلام طال حتى أحلام نفسها .. فكيف لا يندهش الآخر مما كتبت في ثلاثيتها الرائعة.. أحلام مستغانمي المرأة التي أدهشت نفسها قبل أن تدهش القارئ .. المرأة التي كتبت فقلبت موازين نفسها .. وموازين واقع الرواية العربية عامة .. المرأة التي غطت على كل المبيعات وطغى حضورها على كل التظاهرات والأاسماء الأدبية نسائية كانت أم رجالية .. لو صادف أن تكون في مبرمجة في تظاهرة ما إلى جانب أي كاتب كاتب عالمي أو عربي شهير لرأيت الكل يتهافت على حضور لقائها .. وهذا ما حدث حسب الملاحظين وما ناقشه عدد من الكتاب التونسيين منهم لطفي لعماري وآمال مختار من ضمن منشطي مائدة مستديرة نظمتها إحدى القنوات التونسية حول ظاهرة أحلام مستغانمي التي استضافها الصالون الدولي للكتاب في تونس .. الجميع اندهش كيف تهافت الجمهور التونسي على الندوة التي نشطتها مستغانمي بالمناسبة .. وكيف غصت القاعة بالحضور في حين ظلت القاعة المخصصة لندوة كاتب صيني شهير خاوية إلا من حضورضئيل .. الأديبة التونسية آمال مختار وبنبرة مشوبة بكثير من الغيرة والحسرة حاولت أن تفسر سبب نجاح أحلام مستغانمي '' : إنها رسالة نزار القباني .. نعم أقول ذلك عن علم ودراية ، تلك الرسالة التي كتبها عندما قرأ بالصدفة روايتها ''ذاكرة الجسد'' عرفت أحلام كيف تستغلها تجاريا وتفتح بها باب الشهرة '' لرواية عادية '' وكانت ستظل كذلك لولا ما كتبه نزار القباني عنها .. كلمات الكاتبة التونسية كانت مغرضة ومليئة بحسرة دفينة.. حسرة على مصيرها كأديبة ظلت غارقة في طي الإهمال واللامبالاة مع أنها كما قالت كانت مدرجة ضمن المشروع الأدبي الذي بادرت به دار الآداب اللبنانية تحت إشراف مديرها سهيل ادريس، والرامي إلى فتح الباب أمام الإبداعات النسوية المغاربية، ووقع الاختيار على ثلاثة أسماء: أحلام مستغانمي من الجزائر، وآمال مختار من تونس، وكاتبة أخرى من المغرب ، وقدمت رواياتهن الثلاث للشاعر الكبير نزار القباني كونه من لجنة القراءة لكنه لم يقرأ سوى ذاكرة الجسد وأبدى ملاحظاته عليها .. وهكذا كانت الصدفة وحدها وراء نجاح أحلام التي سقطت عليها الشهرة من حيث لا تدري .. وحسب الكاتبة التونسية فلو كان نزار قرأ روايتها أو رواية الكاتبة المغربية لأعجب ربما بإحداهما ولنالت صاحبتها ما نالته أحلام من انتشار وشهرة . ولكن ما الذي كتبه نزار القباني عن ذاكرة الجسد ؟ هذا الشاعر الظاهرة الذي شغل الدنيا وملك الناس بكلمات ليست كالكلمات .. بكلمات تشبه ربما كلمات أحلام مستغانمي فقط .. وإلا ماكان ليكتب '' تمنيت لو كنت أنا من كتب هذه الرواية '' .. ماذا أكثر من هكذا شهادة ؟ شاعر في قيمة وقامة ومجد نزار يتمنى لو كان هو صاحب ''ذاكرة الجسد'' .. المؤكد أنه لا يمكن ان يكون اختياره لقراءة '' ذاكرة الجسد'' دون سواها اعتباطيا .. عادة وقبل أن نشرع في قراءة كتاب نتصفحه أولا ، نقرأ أسطر أو نقرأ فقرات منه من أجل معرفة ما إذا كان يستحق القراءة أم لا .. فالقارئ عادة ما يتذوق الكتاب قبل التورط في قراءته تماما كما يتذوق الطعام قبل أن ينهمك في أكله .. ولا شك أن الطعم اللذيذ هو الذي يفرض نفسه على الآكل .. ونزار ما كان ليكتب تلك الرسالة لو لم تعجبه تلك الرواية .. كلام الروائية التونسية المذكورة جر لطفي لعماري لأن يصف أحلام مستغانمي بأنها تكتب في أشياء تجاوزها الزمن ويدير دفة النقاش إلى ''نسيان .كوم '' ليقول : كتاب مستغانمي الأخير .. لم نجد فيه أحلام مستغانمي ..أحلام في هذا الكتاب لا تشبه أحلام التي عرفناها في ''ذاكرة الجسد ''وفي ثلاثيتها الرائعة .. وهكذا أجمع المناقشون في هذا اللقاء حول ظاهرة أحلام مستغانمي .. ونصحوها بأنه من الأحسن لها أن تكتفي بثلاثيتها وما حققته بها من شهرة ومن إضافة وقيمة أدبية للمكتبة العربية على أن تواصل الكتابة بهكذا مستوى .. أي المستوى الإبداعي الهابط الذي لمسوه في ''نسيان .كوم'' .. مستغانمي كتبت ثلاثة كتب وبعدها دخلت سن اليأس الإبداعي . كان ذلك حكمهم عليها .. ترى ما رأي كاتبتنا أحلام مستغانمي في حكم بهاته القساوة ..؟ هل ستنتقمين يا أحلام لنفسك ولشرفك الإبداعي ب '' الأسود يليق بك'' الرواية التي وعدت بها قراءك ، وهل ستواصلين الكتابة بنفس الألق والوهج والتأثير ؟ .. وما معنى أنك وحدك دون بقية المبدعين المحكوم عليهم بالروعة الأبدية ؟ .. لماذا يلزمونك بألا تتوقفي عن وضع الروائع ؟ وإلا فإنك فاشلة ومعرضة للإفلاس الأدبي رغم ما حققته من نجاح .. غريب مثل هكذا منطق .. معروف أن أكبر الكتاب العالميين ما كانوا بحاجة لأكثر من عمل واحد رائع ليخلدوا في السجل الأدبي ، أليست ''مائة عام من العزلة'' هي وحدها التي صنعت مجد غابريال غارسيا ماركيز . أليست'' موسم الهجرة إلى الشمال'' وحدها هي التي حفرت اسم الطيب صالح في سجل الأدباء الخالدين '' أليست ''البؤساء'' وحدها هي التي رفعت فيكتور هيجو إلى سماوات المجد ، أليست ''نجمة'' وحدها هي التي وقعت عبقرية كاتب ياسين ، أليست رواية '' الخبز الحافي'' هي وحدها التي رفعت محمد شكري فجأة إلى قمة الشهرة والمجد ؟ .. المبدع في أي زمان وأي مكان معروف أنه لن يبيض أكثر من بيضة ذهبية واحدة طوال مسيرته الإبداعية .. الكل يعرف ذلك فلماذا يطالبون أحلام مستغانمي بهذا التعجيز وبخرق المنطق الإبداعي ؟.. هي بيضة ذهبية واحدة قد تأتي المبدع في أول مشواره وقد تتأخر حتى ذيل حياته الإبداعية، وقد لا تأتي ولن يظفر بها لا في الأول ولا في الآخر .. هي بيضة من ذهب كل كاتب يحلم بامتلاكها.. لكنه لا يدري شروطها ولا متطلباتها ولا حساباتها .. فهي مثل ضربة الحظ .. من قبيل تلك الأشياء التي تسقط عليك من حيث لا تدري .. قد يجري وراءها الكاتب محملا بعشرات المؤلفات والإبداعات ولم يطلها ، وقد يكفي الكاتب أن ينجز أول كتاب فتنقلب حياته وينعم بالشهرة والإنتشارمنذ أولى خطواته الابداعية.. إنها من أشياء الدنيا التي لا طاقة لنا بفهمها ولا مقدرة لنا لتفسيرها .. أحلام مستغانمي تعترف وتقر بأنها مرأة محظوظة لكنها موهوبة ومبدعة ، الحظ لم يسقط عليها من عدم، أبدعت وأصابت .. ثلاث روايات ناجحة يبدو أنها لم تطفئ غيرة الكثيرين منها ، استغلوا كتابها ''نسيان .كوم'' والذي قالت أنه ليس رواية هو عبارة عن مجموعة نصائح ورسائل موجهة لكل امرأة عاشت خيبة وقهر الحب .. أرادت أحلام أن تنوع في كتاباتها .. فهل هذا حرام عليها ؟ لماذا يصر المتربصون بالناجحات والناجحين على المقارنة بين ''ذاكرة الجسد ''ونسيان .كوم ''؟ هذا نوع من التأليف وذاك نوع آخر .. هاته كتابة .. والأخرى كتابة.. المسألة في تقديري ليست إلا مسألة استكثار نجاح على كاتبة .. نجاح لا نستكثر أضعافه المضاعفة على لاعب كرة أو فنان أو سياسي أو حتى مشعوذ .. لماذا هذا الكم من الحقد على أحلام ؟ ألأنها امرأة ؟ أم لأنها جزائرية أم لأنها عربية؟. . لماذا وصلت غيرة البعض إلى حد وصفها بهيفاء وهبي الرواية العربية وبأنها صناعة أدبية لبنانية وهي التي سطعت عن استحقاق في سماء الإبداع العربي .. ترى لو كان رجل حقق ما حققته أحلام هل كان سيهاجم مثلها .. أم لأن دائما لحم الأنثى أشهى وألذ وأسهل من لحم الذكر في عرف عقدنا كعرب؟ أم لأن بنيتنا الذهنية كأمة محرومة من التقدم والنجاحات ومبعدة عن الأضواء لا تحتمل ولا تتقبل هكذا أشياء؟..#0