يُعدّ ''حوار الأديان'' من أكثر الموضوعات المثيرة للجدل، ويظهر ذلك في الانقسام الحاد من الموقف تجاه حدوث هذا ''الحوار'' والذي يتمايز بين اتجاهين متناقضين مؤيد أو معارض، وداعٍ إليه أو متشكك فيه، بل ويمتد الانقسام والتباين إلى داخل كل اتجاه بعينه فتتباين الآراء وتتعدد أيضاً الأهداف والقضايا والخطابات المستخدمة بالفعل ساحة ''حوار الأديان'' في مفارقة غريبة تجعلنا إزاء حوارات أديان وليس حوارًا واحدًا. حوار الأديان ضرورة إنسانية ثبت فشل تنبؤات فلسفات التنوير بانتهاء دور الدين، وسقطت مقولات نيتشه وغيره من فلاسفة عصر التنوير الأوروبي عن موت الإله، حيث اجتاحت العالم الأوربي حمى الدين والتدين، وعلت فيه الدعوات التي تنادي بضرورة عودة فكرة الإله بعدما صار الأمل الوحيد لإنقاذ أوروبا بل والعالم، وتأجيل نهايته، والمفارقة أن هذه الدعوة قد فرضتها واقعية البحث عن منقذ للمجتمعات الغربية من الانهيار. وقد عاشت البشرية في القرن الأخير سلسلة من المآسي والكوارث كلفتها حربين عالميتين فاق الدمار الذي خلفته الثانية منها كل ما لحق بالبشرية من دمار طوال تاريخها. وأدى ذلك إلى أن صارت هناك قناعة -تزداد رسوخًا مع الأيام- أن الدرس الحضاري يقتضي إدراك فكرة وجود (آخر)، وأن هذا ''الآخر'' له طموحاته وتطلعاته، ولأن الصدام معه لم يعد يُجدي، فإن الحل لن يأتي إلا بالتعايش والإدراك والتفاعل عبر بوابة ''الحوار''؛ لذلك لم يكن غريبًا أن يتصدر حوار الأديان رأس الأجندة العالمية، وأن ترصد المنظمات والهيئات العالمية المانحة للتمويل ميزانيات ضخمة من أجل دعم فكرة ''حوار الأديان'' .