محادثات بين عطاف ورئيس الوزراء الفلسطيني في أنطاليا    البنك الوطني للإسكان: وضع نظام معلوماتي جديد قريباً    مفوضية الأمم المتحدة لحقوق الإنسان: تهجير السكان المدنيين في غزة جريمة ضد الإنسانية    فريق جبهة التحرير الوطني لكرة القدم: الصوت الآخر للثورة الجزائرية    أمطار رعدية ورياح قوية في 14 ولاية بدءاً من هذا السبت    خنشلة : "التراث الجزائري المخطوط" موضوع ملتقى دولي يومي 15 و16 أبريل بجامعة عباس لغرور    توزيع المياه على طاولة الحكومة    المجاعة تنهش غزّة    الجزائر وروسيا تعزّزان شراكتهما    ليلة لا تُنسى بقسنطينة    مسابقة وطنية لإنشاء البرمجيات الإلكترونية    والي العاصمة يعاين مشاريع تهيئة الواجهة البحرية    توقيف مشتبه به في قتل مديرة    14 طالبا جزائريا يتأهلون للنهائيات    الزبون "ملزم قانونا" بعدم التورط في أي شكل من أشكال المضاربة    نراهن على سياسة تنافسية, مع ضمان جودة الخدمات و بأفضل الاسعار    السهر على توفير كل التخصصات الطبية بالمصالح الطبية الإستشفائة    إشادة بالرؤية "الجديدة" لرئيس الجمهورية فيما يتعلق بالذاكرة الوطنية    تأكيد على وجوب إتمام جميع الترتيبات المتعلقة بالتحضير للامتحانات    لا حل للقضية الصحراوية إلا في إطار الإلتزام باتفاق سنة 1991    استشهاد 6 فلسطينيين بينهم أطفال ونساء بقطاع غزة    هبوب رياح قوية على عدة ولايات ساحلية    سطيف : المجتمع المدني يقول " كفى" لآفة المخدرات    12500 جريح ومريض في غزة بحاجة عاجلة إلى إجلاء طبي    معالجة الظاهرة تتطلب رؤية "شاملة ومندمجة" وحلولا "جذرية"    الفنان المسرحي و السينمائي ميمون كواكي في ذمة الله    جثمان المقدّم جولم لخضر يوارى الثرى بمقبرة "أم القبور"    تعزيز التعاون القنصلي مع المملكة العربية السعودية    الإطاحة بشبكة إجرامية مختصة في ترويج المخدرات    حجز 2.5 طن من المواد الفاسدة في رمضان    6 مؤسّسات جامعية وبحثية تحقّق انطلاقة اقتصادية مميزة    دفع التعاون الجزائري - الهندي في البريد والاتصالات    المديرية العامة للضرائب تشهر الأسعار المرجعية للعقار    تسيير المصالح الطبية بنظام استشفائي متعدّد التخصّصات    كرة القدم/فيفا: "الاتحادية الجزائرية لها دور ريادي وتحفيزي "    ميراث نضال وما أشبه الأمس بالراهن!    الإطاحة بزوجين يحترفان النصب والاحتيال    لا يمكن لمجرمي الحرب الصهاينة الإفلات من العقاب    لم أتجرع الإقصاء لأننا كنا الأفضل أمام أورلاندو بيراتس    لا أمن قومي ولا امتداد عالمي دون رؤية ثقافية    متحف خاص يؤرخ للفن والتراث بتندوف    البيض.. الطريقة الشيخية الشاذلية تدعو إلى تقوية الجبهة الداخلية وتعزيز اللحمة الوطنية    صادي يوجه رسالة قوية للأندية الجزائرية    نقطة الأمل لتفادي السقوط    الرابطة الأولى موبيليس - الجولة 22: تأجيل لقاء شباب قسنطينة-مولودية وهران إلى تاريخ لاحق    البوليساريو "على الشعب الصحراوي التحلي باليقظة لمواجهة سياسات الإحتلال المغربي"    وزير الصحة يشرف على اجتماع لمتابعة مشاريع المستشفيات الجديدة ويؤكد على نظام استشفائي متعدد التخصصات    كفارة الغيبة    بالصبر يُزهر النصر    سايحي يدعو الى تسيير المصالح الطبية بالمستشفيات الجديدة بنظام إستشفائي ضمن شبكة متعددة التخصصات    سطيف: الطبعة الثالثة للأيام الدولية لألعاب الخفة بداية من الأحد المقبل    صادي يُجدّد الحرص على مرافقة الأندية    هذا آخر أجل لمغادرة المعتمرين    عرض جوانب خفية من أعظم ثورة    الحضارات الإنسانية لا تعادي الثقافات النبيلة    لقاء علمي حول حفظ وصيانة المخطوطات    الجزائر محمية باللّه    اللهم نسألك الثبات بعد رمضان    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حوار الحضارات بين توتر الذات وصمم الآخر ثمة محاولا ت للعقلنة-الجزء الثاني
أكرم حجازي


مشهد الأنا والآخر تجاه الحوار
إزاء هذا الحال تملكت الأنظمة السياسية العربية والنخب المتنفذة الإسلامية والعلمانية حالة من الذعر دفعتهم إلى تبني شعار "حوار الحضارات"، الذي يستهدف تحسين صورة الإسلام في الغرب والعمل على تغيير الخطاب الديني الإسلامي بحيث يكون مقبولا على المستوى الدولي عامة والغربي خاصة، بل غلب على النخبة الإسلامية الرسمية وغير الرسمية الطابع الاعتذاري عن جرائم لم نرتكبها، وكأن ضعفنا المادي وتأخرنا عن مواكبة أسباب التكنولوجيا المتطورة سبب كاف لخلط الأوراق، وعدم ذكر الحقائق التي جرت وتجرى على مشهد ومرأى من العالمين، وتسببت حالة الارتباك والفوضى هذه التي يعيشها العالم العربي بتخبط بلغ مداه في انقسام حاد بين تيارين أحدهما مُفْرِط في دعوته إلى مقاطعة الحضارة الغربية والآخر مُفَرِّط في تبنيه لأطروحات التماهي الشامل مع الغرب متخذا من دعوة «طه حسين» نموذجا يتحدى في الاختيار، تلك الدعوة التي فجرها في كتابه "مستقبل الثقافة في مصر" عام 1938، وجاء فيها "على المصريين إذا أرادوا أن يتقدموا أن يصبحوا أوروبيين في كل شيء، وأن يتمثلوا الحضارة الأوروبية حلوها ومرها"، وحتى الآن فإن كل النشاطات الفكرية الجارية لم تؤسس لحوار فعلي وجدي بحيث تتحدد موضوعاته وأهدافه والأطراف المحاورة والغاية منه، وكل ما يجري لم يخرج البتة عن الدعوة إلى مناقشات حول موضوع واحد هو صراع الحضارات، فالقضايا الخلافية لم تحدد بعد حتى يجري حوار بشأنها فكيف يمكن الحديث عن توصيات، ومن جهة أخرى لم يحسم الجدل بشأن الحضارات الأخرى بل أن مشاركتها في الفعاليات الجارية بين الحين والآخر لا تكاد تذكر، وبالأولى التساؤل عن الحضارات المعنية بالحوار وعن مواقفها، فهل تشعر الصين أو الهند أو حتى أمريكا اللاتينية بأنها معنية بدعوات الأمم المتحدة؟ أو غيرها من المنظمات الدولية؟
لقد لوحظ أن فعاليات الندوات ودعوات الحوار اقتصرت على المؤسسات والمنظمات الدولية والنخب الفكرية في حين بدت المجتمعات مستبعدة من الحوار لاسيما تلك التي تهيمن عليها ثقافة أحادية، وفي هذا السياق تساءل «شارل زورغبيب» من جامعة «السوربون» "هل حوار الحضارات الذي هو تحليل للعلاقة بين الدول على المستوى العالمي، يمكن تطبيقه داخل المجتمع الواحد؟، وفي المقام نفسه يقر «محمد الميلي» الوزير الجزائري والمدير السابق للمنظمة العربية للتربية والعلوم والثقافة "بتعذر تنظيم هذا الحوار داخل المجتمع الواحد لتجاوز المحرمات والعراقيل السياسية والاجتماعية والثقافية، ومن أجل خوض الحوار داخل مجتمع بعينه تطغى عليه الثقافة الواحدة، يتطلب الأمر توفر مناخ حرية التعبير واحترام حقوق الإنسان والرأي الآخر".
ولو استعرضنا المزيد من بيانات وفعاليات الندوات التي عقدت في إطار حوار الحضارات لتبين لنا مدى التخبط والصعوبات والارتباك في الأهداف والأولويات والموضوعات وحتى الجدوى من الحوار، فقد لاحظ أحد الكتاب أن العرب يلحون على الحوار مع الغرب في حين يصم هذا الآخر أذنيه، والأسوأ من هذا أن الغرب يفتقد إلى المبادئ والجدية في مسألة الحوار ويستشهد بتقلب مواقف الرأي العام الغربي بخصوص الموقف من الحرب على العراق فيقول" قبل العدوان على العراق كانت الأصوات الغربية الرافضة للحرب تجتاح أوروبا وأمريكا، وبعد 20 يوماً من الحرب قالت استطلاعات الرأي إن المؤيدين للحرب أصبحوا أكثر قوة وعدداً حتى أن مجلس العموم البريطاني أصبح بغالبيته مع سياسة «توني بلير» تجاه العراق، هذا الانقلاب الذي يجري في الأفكار لا يدل إلا على مدى المزاجية والتقلب في الاتجاهات ولا يدل على وجود مبادئ وثوابت راسخة"، وفي موقف غريب استطلع فيه الشعب الأمريكي قبل احتلال العراق وسئل عما إذا كان يؤيد استعمال القوات الأمريكية لأسلحة نووية ضد العراق إذا ما استعمل «صدام حسين» أسلحة كيماوية أو بيولوجية ضد القوات الأمريكية فأجاب أغلب المستطلعين بالإيجاب، وفي مثل هذه المواقف المتقلبة واللامسؤولة فمن نحاور؟ وما جدوى الحوار؟
منهجية البحث عن تفاهمات ممكنة
لا شك أن بعض ما أشير إليه من عوائق للحوار خاصة في إطار ردود الفعل العربية يمكن تجاوزها بسهولة ولكن بشروط يسميها البعض أخلاقيات للحوار وإلا فلا جدوى من أية محاولة، فكيف ذلك؟
الشرط الأول: الحق في الاختلاف
هذا الشرط هو شرط طبيعي نابع من سنن الخلق والوجود لكل الكائنات الحية بحيث تتموضع هذه الكائنات في إطار التنوع والتباين بيولوجياً وثقافةً، فليس من حق ولا بمقدور أية مرجعية أكانت شريعة أو عقيدة أو أيديولوجية أو ميثاق، التدخل في سمة الخلق والكون والموجودات وإسباغ صفة التماثل عليها بما يخالف الحالة الطبيعية لها، لذا فالتنوع الثقافي والبيولوجي بوصفهما جزأين أصيلين من موجودات الطبيعة وسماتها قابلين للتكامل ولكنهما عصيين على الانصهار، وعلى هذا الأساس يتوجب النظر إلى الثقافات الإنسانية باعتبارها:
- تمثل رصيدا إنسانيا مميزا وإضافات وإثراءات لبعضها البعض بما يضفي على الحياة الإنسانية طابع الحيوية والنشاط وتبادل المنافع بدلا من الكسل والملل أو الاستعلاء وحب السيطرة والتملك.
- ومتساوية أخلاقيا ونظريا وبالتالي متعادلة من حيث الاختلاف الطبيعي بينها، فلا يجوز تصنيف الثقافات تفاضليا بحيث تبدو هذه الثقافة راقية وهذه دونية.
- كما أن لها الحق في إبداعاتها الرمزية والمادية بما يلائم تصوراتها واحتياجاتها مثلما أن لها الحق في اختياراتها في إطار تفاعلها مع الثقافات الأخرى.
وتأسيسا على ذلك فأي حوار بين الثقافات ينبغي أن يأخذ بعين الاعتبار أن ثراء الحضارة الإنسانية يكمن في الاختلاف وليس في التماثل، وأولى بالغرب أن يعترف بهذه الحقيقة من غيره كونه الذي يتبنى قيم العدل والمساواة والديمقراطية ومبادئ حقوق الإنسان، وهي قيم طبيعية وإن كانت تطبيقاتها غير طبيعية، وهكذا فالثقافات البشرية مهما اختلفت، فهي من حيث المبدأ على الأقل تتعادل فيما بينها، وهذا المبدأ يقضِي نظريا وأخلاقيا بأنه لم يعد هناك مجال للحديث عن ثقافات بشرية مُتفاضلة فيما بينها، ومُرتبة في سُلم التقدم، فيها الأرقى والأدنى؛ الممتاز والمنحط، ولعل من شأن هذا المبدأ الإنساني النبيل، الذي تدعَمُه نتائج كثير من أبحاث الأنثروبولوجيا الثقافية المعاصرة، أن يفسح أمام الثقافات البشرية فضاءات للنمو والتفتح والازدهار، في أحضان حضارة إنسانية، يٌفترَض أنها متنوعة وشاملة لمُكوِّنات متعددة، ورحبة للجميع".
الشرط الثاني: مبدأ التسامح
في واقع الأمر فالمبدأ استخدم في الخطاب السياسي الرسمي وشبه الرسمي عربيا وإسلاميا لغرضين:
- الأول: للتشهير بالجماعات الإسلامية على اختلافها الدعَوِية والخيرية والجهادية التي وصمت بالتشدد والتطرف والتعصب وعدم قبول الرأي الآخر.
- الثاني: لاستدرار عاطفة الغرب بالعفو والصفح والتبرؤ مما يزعم أن الحضارة الإسلامية ارتكبته بحقه فيما مضى، فمن موقع المذنب والضعيف والاعتراف بالذنب وليس من موقع الند يجري الحوار، غير أن البيئة العربية والإسلامية لم تكن تاريخيا بوضعية تبرر لها استدعاء مفهوم التسامح بالنظر إلى أن العقيدة الإسلامية لم تمثل عامل انقسام بقدر ما كانت تمثل وما زالت عامل استقطاب ومرجعية سياسية واجتماعية توفر مشروعية وحَكَما بين جميع القوى والشرائح الاجتماعية، في حين أن الكنيسة في الغرب لعبت الدور المركزي في الشقاقات والنزاعات الدموية بين الشعوب الأوروبية وقادتهم المدعومين من الكنيسة المتسلطة، ومع ذلك فمن الممكن استدعاء ذات المفهوم ليكون شرطا أخلاقيا يجري في ظله الحوار فيما بين الحضارات دون الشعور بحساسيات دينية، بل الأولى أن نحاجج الغرب، ونحن في ضعف بنفس ما يتبنى من أطروحات ويدافع عن كونيتها، فنحن كما يقول أحد الباحثين " لا نبتدع جديدا عندما نعيد إلى الذاكرة هذه الحقيقة التاريخية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.