كم هو مذهل عدد المصابين بأمراض عقلية أو المجانين الذين يجوبون أحياء العاصمة بكل حرية، أشخاص غير عاديين، تراهم حينا في غاية الهدوء وأحيانا أخرى في كامل ثورتهم يرعبون المارة ويعنفونهم، والأدهى والأمرّ أن من بينهم فتيات يتعرضن لكل أشكال سوء المعاملة بالإضافة إلى الاعتداءات الجنسية. أكثر ما أثار انتباهنا ونحن نجوب الشوارع وأزقة العاصمة هو أن المرضى العقليين يتمركزون في أحيان دون الأخرى، ويختارون في الغالب أحياء قلب العاصمة، وهو ما وقفنا عليه بالفعل، بدليل تواجد أعداد كبيرة من المصابين بأمراض عقلية بال''سكوار'' و''ساحة الشهداء''وديديوش مراد''، ناهيك عن انتشارهم بأحياء راقية مثل ''حيدرة'' و''تيلملي''، لنعلم بأن العاصمة ومثلها كبريات المدن الجزائرية باتت تعج بالمختلين عقليا، وذلك يفسر أمرا آخر هو أن الإصابات العقلية مرتبطة في أحيان كثيرة بالتسول. وعن هذا الانتشار الملحوظ لأعداد المصابين بأمراض عقلية، والذي باتت تعرفه مختلف أحياء العاصمة، أكد لنا البروفيسور تجيزة، رئيس قسم الأمراض العقلية بمستشفى دريد حسين، أن ''التغيرات التي تشهدها حاليا الجزائر مثلها مثل عدد من دول العالم، والمتمثلة في تضاعف المشاكل الاجتماعية، والذي يقابله بالموازاة تدني القدرة الشرائية للمواطن، جعلت الكثيرين يعيشون حالات عصبية حادة، فالسلع المعروضة للبيع لا تعد ولا تحصى، وكل ما يطلبه المستهلك موجود، لكن المقبلين على اقتناء كل تلك المواد قلة''. ويضيف ذات البروفيسور قائلا، بينما ''الأغلبية لا تملك القدرة الشرائية التي تمكنها من بلوغ ذلك المستوى من المعيشة.. كل تلك التناقضات وغيرها أثرت على نفسية الأشخاص، فمنهم من واجهها وبصعوبة، ومنهم من لم يستطع بسبب كثرة الضغوط، ليصاب باختلال عقلي''. والمؤلم في الوضع -يضيف رئيس قسم الأمراض العقلية بمستشفى دريد حسين- أنه لا توجد مصحات كافية لاستقبال هؤلاء المرضى ومعالجتهم. المستشفيات ضاقت ذرعا بأعداد المختلين عقليا بينت معطيات الخارطة الصحية أن الجزائر تحوي عددا من المراكز المختصة في الطب العقلي، منها ما ورثته عن الاستعمار الفرنسي، ويتعلق الأمر بمستشفى دريد حسين بالجزائر العاصمة ومركز البليدة إلى جانب مستشفى وادي العثمانية بضواحي قسنطينة، وكذا مستشفى سيدي الشحمي بوهران، وهي هياكل تعالج المصابين بالأمراض العقلية، ويتسع دريد حسين وسيدي الشحمي ل200 إلى 240 مريض للاستشفاء لا أكثر، ومركز البليدة ووادي العثمانية لا يحويان سوى عدد يتراوح بين 60 و70 سرير استشفاء، إضافة إلى هذه المراكز شهدت فترة الاستقلال ظهور مراكز أخرى منها مستشفى الشراڤة الذي استرجعته وزارة الصحة بداية السبعينيات، حيث كان قبل تلك الفترة عبارة عن عيادة للأمراض الصدرية تابعة لصندوق الضمان الاجتماعي، إلى جانب مستشفى فرنان حنفي بتيزي وزو الذي يتسع ل240 سرير. كما شهدت فترة الثمانينيات فتح وحدات مختصة في علاج الأمراض العقلية، يمثلها كل من مستشفى الرازي بعنابة بشرق البلاد، ومستشفى تيارت بالغرب الجزائري، ومستشفى ورڤلة بالجنوب، وكذا مركز عين عباسة بضواحي سطيف، ومركز جبل الوحش بقسنطينة، وهي هياكل يتسع كل منها لعدد من الأسرّة مماثل لسابقتها، أي لا يتعدى 240 سرير، ناهيك عن المستشفيات التابعة للقطاع العسكري، وكذا أقسام الطب العقلي التي تحويها كبرى المستشفيات عبر ولايات الوطن، والتي لا تتجاوز طاقة استيعاب كل منها ال40 سريرا. مع الإشارة إلى أن ذات الوضعية تشهدها المستشفيات والمراكز المتوفرة على مستوى الوطن التي ضاقت هي الأخرى بمرضاها إذا ما علمنا بأن مرضى الاختلالات العقلية يمثلون 05 بالمائة من مجموع سكان الجزائر، أو ما يتجاوز المليون ونصف المليون مريض، وهو ما يتطلب -حسب البروفيسور تجيزة- فتح مراكز خاصة بالطب العقلي على مستوى كل ولاية من ولايات الوطن، وما يمثله عدد 48 مركزا. وعن النتائج المترتبة عن الوضع الذي تعرفه الصحة العقلية بالجزائر، صرح رئيس قسم الأمراض العقلية لمستشفى دريد حسين ''أنهم يلجأون وبغرض إتاحة فرص الاستشفاء لمرضى آخرين، إلى تقليص مدة استشفاء المرضى السابقين، مع متابعتهم بوحدة العلاج الخارجي دوريا، لكن، ''تبين أن نسبة كبيرة من هؤلاء المرضى لا يتابعون العلاج ويتيهون في الطبيعة، وهم من يشكلون خطرا باعتبار أن حالاتهم معرضة للانتكاس لا محالة، وهذا طبعا تحصيل حاصل لتواجدهم بكثرة عبر شوارع العاصمة وغيرها من المدن الجزائرية، يحدث هذا في الوقت الذي تقدر أدنى مدة للاستشفاء في الدول الأجنبية ب06 أشهر لتمتد إلى غاية السنة ونصف، في الوقت الذي تشكل ذات الفترة بمستشفيات الجزائر أقصى حد. س. ح