من ولاية تبسة على بعد 634 كلم على العاصمة، ونحن على أهبة مغادرة الهضاب العليا والطريق السيار، الذي يمتد إلى حدود ولاية قسنطينة، تصادفنا تضاريس تسر الناظرين الزائرين، على شكل صفة تعطي وجه الجزائر العميقة، في مفترق الطرق عين فكرون بولاية أم البواقي، تصادفنا أيضا لافتة تشير إلى اتجاه جديد: الحدود التونسية، ونحن نتجه إلى أقصى شرق البلد، بينما تغيب الشمس فوجئنا بدوريات غير عادية، تعكس الطابع المفاجئ لتدخل رجال الدرك الوطني، طول المسافة الباقية لولاية تبسة، أين بدأت مداهمة منذ أربع ساعات أي على الساعة الخامسة زوالا . مداهمة دامت أربعا وعشرين ساعة من الزمن، حيث توغلت جريدة ''الحوار''، لتشاهد كيف تتعامل شبكات التهريب، في هذه المنطقة الحساسة، وكيف تكافح وحدات الدرك التابعة للمجموعة الولائية، جميع الظواهر الإجرامية التي تمتد، إلى مدن حدودية للبلد المجاور تونس، منها ظاهرة تهريب الوقود من طرف '' الحلابة ''، تلك التسمية التي أعطيت لشبكة التسويق غير الشرعي للمازوت والبنزين. الوقود، السيارت، الهجرة غير الشرعية، العملة الصعبة، المواد الغذائية، المواشي، المفرقعات، السجائر، المخدرات، الذهب، الحلي، الصوف، قطع غيار السيارات ....الخ كلها مما تتميز بها ولاية تبسة على غرار جميع الولايات الحدودية، نشاط تهريب كثيف يتعدى في بعض الحالات حدود المعقول، ذلك أن مكافحة التهريب في هذه المنطقة، له علاقة وطيدة مع التركيبة البشرية للسكان، والناطق باسم '' العروشية ''، فيما يمتد الشريط الحدودي على 297 كلم، فان الأساليب العصرية المنتهجة من طرف المهربين، وكذا الإستراتجية العدوانية في مواجهة قوات الأمن أثناء العمليات، تتجاوز حد الخطورة بما فيها غلق الطريق، والإخلال بالنظام العام، الرشق بالحجارة واستعمال المركبات ذات المحركات القوية والهاتف النقال. ولأن المجموعة الولائية شخصت هذه الأساليب وجميع الظواهر، فقد تم وضع خطة في العمق لاحتلال الميدان، تنشيط جانب الاستعلامات، تكثيف عمليات تفتيش المركبات، المراقبة الدائمة لمحطات الوقود والأسواق والتماشي مع الأساليب الجديدة المستعملة في التهريب، ولكن هذه الخطة تتركز خاصة، على تكثيف عملية المداهمة المبنية على الاستعلامات، لكشف محاور وكمائن تخزين المواد المهربة، فيما أوقفنا على حوصلة نشاط الدرك لولاية تبسة، خلال الأربعة أشهر الأخيرة للسنة الجارية، ورافقت جريدة ''الحوار'' وحدات الدرك في بعض أوكار الجريمة والتهريب، أين تم تسخير 300 دركي في عملية تمشيط، جميع أنحاء ولاية تبسة'' إقليم الدرك الوطني'' . في أول محطة، تم حجز 6 سيارات على الطريق الوطني رقم ,10 وبالدقة في نواحي بولحاف، واسترجاع 680 لتر من الوقود على متن كل سيارة، خاصة من نوع رونو 25 و بيجو ,505 هذه السيارات التي تم إعطائها تسمية '' المقاتلات ''، تم تزويرها وتزويدها بخزان ثنائي، يمكن استحواذ كمية هائلة من الوقود، تصل ما بين 600 و700 لتر. المهربون يختبئون وراء العروشية وحسب قائد المجموعة الولائية بتبسة المقدم ''بوسعيد محمد''، أن المهرب يستفيد من الوقاية، المكونة من عدة عناصر كلهم من العروشية، تلك الصيغة السوسيولوجية التي تنبنى عليها أسس، العائلات الأصيلة لعاصمة الاوراس ''النمامشة''، وهذا ليتمكن من نقل البضائع إلى المستودعات، قبل تصديرها بطريقة غير شرعية، وذلك باستعمال مسالك صعبة وطرق غير معبدة، باتجاه البلد المجاور تونس الشقيقة، ونحن في كتيبة البكارية أفادنا قائد الكتيبة انه تم حجز 7 سيارات في دوار ''الفيجة '' ومنطقة ''المقرون ''، ومن بين هذه المحجوزات سيارتان من نوع بيجو ,406 على متنهما كشافون لإخبار زملائهم، المهربين، عن وجود حواجز أو نقاط المراقبة للدرك الوطني، حتى يتفادون احتجاز سلعهم، كما تمكن رجال الدرك في نفس العملية من حجز 150 صفيحة بنزين أي ما يقارب 2600 لتر . ولكن ونحن نتجه إلى بلدية ''الحويجبات''، أفادت مصادرنا أنه تم حجز 250 لتر مازوت، في الطريق الوطني رقم ,10 وحسب نفس المصدر فان محجوزات الوقود قدرت ب 9ملايير و451 مليون سنتيم، خلال الفترة الممتدة من جانفي إلى نهاية شهر مارس ,2010 وفي نفس السياق تمكنت عناصر الدرك التابعة لفرقة الحويجبات، على حجز6 سيارات من نفس النوع، واسترجاع 6 قناطير من الصوف، وما يقارب 50 صفيحة بنزين ومازوت، و للأسف الشديد صادفنا حادث مرور، وقع في الطريق الوطني رقم 10 لسائق، كان على متن سيارة من نوع '' فولكسفاكن ''، ويسير بسرعة فائقة قدرت ب 180 كلم في الساعة، قبل أن تنقلب به في منعرج خطير. وبينما تشير الساعة إلى حوالي الخمسة مساء، أي مع نهاية المداهمة ونحن راجعون إلى مقر المجموعة الولائية، تم حجز 600 لتر من الوقود، واسترجعت من بيت مهجور، حول إلى مستودع من طرف المهربين. فوق الخيال.. الربح السريع مهما كان الثمن أسفرت هذه المداهمة على نتائج ايجابية، خاصة في قضية غلق محطة تموين الوقود التابعة لأحد الخواص في بلدية الشريعة : والسبب رفض بيع الوقود لزبائن الولاية، حيث أن هذا الأخير يعمل بالتنسيق، مع شبكة المهربين للوقود، مقابل سعر مرتفع من أجل الربح أكثر من جهة، وللتهرب الجبائي من جهة أخرى، فيما تم فتح تحقيق في هذه القضية، غير قابلة للمنطق الاقتصادي والقانوني، وأكدت مصادرنا انه تم غلق محطات تموين الوقود من اجل رفضهم خدمة المصلحة العامة، كما أسفرت هذه العملية الواسعة، على حجز ما يفوق 10 آلاف لتر من الوقود، من بينهم 8600 لتر من مادة المازوت، و7 سيارات، وكمية معتبرة من الصوف، بقيمة إجمالية تفوق المليار سنتيم، ولكن تم أيضا حجز مركبات، شاحنات، جرارات ودراجات نارية، بوثائق مزورة كلهم رهن التحقيق، بحيث تم وضعهم في حظائر البلديات، فيما يخص التوقيفات تم إيداع حبس الاحتياطي، سائق كان في حالة سكر حاول، أن يرشي دركي بقيمة مالية قدرها 10 آلاف دينار جزائري، ولكن أمام صمود واحترافية الدركي، تم تقديم المعني بالأمر أمام العدالة، أين طبقت عليه أحكام قانون مكافحة الرشوة . وفي نفس السجل تم توقيف 9 أشخاص، من بينهم 3 أشخاص بتهمة جنحتي الفرار، شخص واحد محل أمر بالقبض من طرف الجهات المعنية، في انتظار تقديمهم أمام الجهات القضائية، وشخصين بتهمة حيازة واستهلاك المخدرات، وشخصين بتهمة حيازة دراجات نارية، ذات منشأ أجنبي بدون سند إثبات، وكذا شخص واحد بتهمة تهريب الصوف. هذا وشملت التعريفات ما يفوق 600 شخص وسيارة، تم على إثرها توقيف أربعة أشخاص مبحوث عنهم من طرف العدالة وأسلاك الأمن، كما تم رفع قضية واحدة أمام العدالة، بعد حجز سيارة كانت موضوع بحث عنها، في إطار تحقيق شامل على شبكة تزوير السيارات، ما بين ولايات تبسة والمسيلة وسطيف. وفي إطار البحث عن ترويج واستهلاك المخدرات، وكذلك نقل متفجرات، خاصة أن ولاية تبسة معروفة بإنتاج مادة الفوسفات، تم تسخير أربعة فرق سينوتقنية، من اجل تفتيش الأشخاص والسيارات المشكوك فيها، هذه العملية مست تفتيش 297 شخص وطال التفتيش الأمني 06 محلات تجارية، 267 مركبة، تهدف هذه الأخيرة أساسا إلى خلق جو أمني عبر شبكات الطرقات، ووضع حد لخرق جمعيات أشرار، وشبكات إجرامية وأخرى مختصة في التهريب. وفي هذا الصدد وخلال هذه المداهمة تم وضع 58 سدا، 63 دورية و22 نقاط تفتيش ومراقبة، من اجل تكثيف عمليات واحتلال الميدان، بهدف تقليص الظواهر بما فيها تزوير المركبات، وتهريب الوقود والمواد الغذائية . درك تبسة يطيح بشبكة تهريب السيارات ''مرسيديس'' الفخمة بغض النظر عن هذه المداهمة، فقد شهدت حصيلة الأربعة الأشهر الأولى من السنة الجارية، ارتفاعا في عدد الجنح وكذا عدد الموقوفين بذات الولاية، وهذا راجع إلى تكثيف عملية المراقبة، وتنشيط الجانب الإستعلاماتي، خاصة في مجال تزوير المركبات، حيث سجل ارتفاعا في عدد القضايا المعالجة بمبادرة من قادة الوحدات الذي يدخل في إطار مخطط عمل قائد المجموعة الولائية، والمتمثل في احتلال الميدان وتواجده الدائم فيه، والاعتماد على عنصر الاستعلام والمفاجأة في تنفيذ مختلف المهام، فقضايا التزوير كانت في ارتفاع، أي بمعالجة بلغت 141 قضية مع إيداع 85 متورطا، فتزوير المركبات كانت في المقدمة، تليها 6 شاحنات وسيارة مزورة، وهذا راجع إلى تكثيف ودقة مراقبة الوثائق، والرقم التسلسلي على الهيكل، من خلال مختلف السدود والمداهمات، كون جل المهربين يلجؤون إلى استعمال السيارات المزورة، وكذا الشاحنات ذات خزان الوقود المزدوج، للإفلات من المتابعات القضائية وصعوبة التعرف على مالكيها. وفي مجال معالجة جرائم الاعتداء على الاقتصاد الوطني، هذا الأخير قد شهد ارتفاعا، والسبب يكمن من خلال توجيه مجهودات الوحدات في مكافحتها، حيث سجل ارتفاع في عدد قضايا سرقة المواشي، كون المنطقة شبه رعوية تجلب مربي الأغنام، مما يجعلهم عرضة للسرقة، غير أن وحدات المجموعة تمكنت خلال شهر أفريل من السنة الجارية من تفكيك 4 شبكات مختصة في سرقة المواشي مع استرجاع معظمها، وهذه الشبكات كانت وراء أغلب الجرائم المسجلة خلال الأربعة أشهر الأولى من السنة الجارية، كما تم استرجاع 6 سيارات مسروقة : سيارتين '' كيا سيرانتو + مرسيدس'' من ولاية سطيف، وواحدة '' لاقونا'' من ولاية خنشلة، وأخرى '' مرسيدس'' من ولاية تلمسان، وسيارتين من ولاية تبسة، سلمت إلى أصحابها. هذا وسجل ارتفاع في عدد القضايا المعالجة المتعلقة بالمخدرات إلى 13 قضية، وكذا الكمية المحجوزة والتي قدرت ب 3,141 كلغ من الكيف المعالج والأشخاص الموقوفين ب 29 شخص، مقارنة بالأربعة أشهر الأولى من السنة الفارطة، وذلك راجع إلى توجيه مجهودات الوحدات لمحاربة هذه الآفة، والاستعمال الأمثل لفصيلتي الأمن والتدخل والسينو التقني المتخصص في الكشف عن المخدرات، ومن خلال التقرير نلاحظ ارتفاع القيمة المالية للمحجوزات، وذلك راجع إلى نوعية القضايا المعالجة، كما سجل ارتفاع ملحوظ في عدد الأشخاص المودعين، مقارنة مع الأربعة أشهر الأولى للسنة الفارطة، حيث قدرت القيمة المالية للمحجوزات ب 19 مليار و889 مليون لهذه السنة، حيث تم تفكيك عدة شبكات متخصصة في تهريب المفرقعات والسجائر الأجنبية، الوقود والمواد الغذائية، كما تم تسجيل تهريب مواد جديدة تتمثل في طيور الطاووس، التمور، الصنوبر الحلبي، هذا الأخير أدى إلى ارتفاع في عدد المركبات المحجوزة، جراء تضييق الخناق على المهربين، فما كان على المهربين غير الالتجاء إلى استعمال طرق بدائية ''الاحمرة '' واتخاذ المسالك الوعرة، كما سجل أيضا ارتفاع في الجرائم المتعلقة بالأسلحة والذخيرة والمواد المحظورة، وأغلبها قضايا حمل السلاح الأبيض خاصة لدى فئة الشباب، مبررين استعماله بالدفاع عن النفس، غير انه يستعمل في غالبية الأحيان في مختلف الاعتداءات. وشملت نشاطات الشرطة الإدارية 530 جنحة، من بينها 3 جنح خاصة بالأسلحة والمتفجرات، 4 جنح للأجانب، القوانين الخاصة ,510 و13 جنحة بتنظيم التجارة وتسيير الأسواق، وفي هذا الصدد سجل ارتفاع في عدد الجنح بنسبة فاقت 1000 بالمائة، وهذا راجع للأهمية من خلال توجيه الوحدات لتفعيل وتنشيط ميدان الشرطة الإدارية والإلمام بمختلف القوانين الخاصة، من خلال إقحام فصيلتي الأمن والتدخل في مداهمة أوكار الجريمة، وبرمجة عمليات مداهمة مفاجأة مبنية على الاستعلامات في مناطق اللاأمن وإثارة العنف واللصوصية، المراقبة الدائمة والمستمرة لطرق المواصلات، مع تفتيش المركبات والأشخاص المشكوك فيهم.