أعطى المهرجان الوطني الأول الذي نظمته وزارة الثقافة، مؤخرا، بقصر رياس البحر، حول ''النسيج ''، انتعاشا ونفسا جديدا للنهوض بهذه الحرفة التي باتت مهددة بالزوال أمام انصراف العديد من محترفيها إلى قطاعات أخرى، الأمر الذي انعكس سلبا على الحرف التقليدية أهمها الزربية، فما هو واقع صناعة الزرابي في الجزائر؟ هل مازالت المرأة الجزائرية تحتفظ بهذا الإرث الحضاري الذي كان من أولويات جهاز العروس في الماضي؟ أنامل صنعت الإبداع وصانت التراث أكدت لنا ثلة من الحرفيات، على هامش المهرجان الوطني الأول للإبداعات النسوية، أن الزربية الجزائرية مازالت تحتفظ بمكانة كبيرة ضمن جهاز العروس على غرار جهاز أمها وجدتها، وفي هذا الصدد أوضحت جازية وهي شابة من بلدية منيعة بولاية النعامة، أن العروس في هذه المنطقة هي التي تقوم بتحضير الزرابي التي تأخذها إلى بيت زوجها حتى تتباهى بعملها أمام أهل زوجها وتبين لهم أنها قادرة على شؤون بيتها ومساعدة زوجها عندما تقتضي الحاجة. من جهتها أكدت الحرفية قمردي لعكري من ولاية البويرة أن هذه الحرفة التي ورثتها عن أمها هي الآن تعمل على تلقينها لبناتها حتى لا تندثر مع الزمن وتتواصل مع الأجيال اللاحقة، وأن البنت البويرية تقوم بمحاكاة الحرفة والصنعة التي تثبت القدرة على إبراز شخصيتها سواء في بيت أهلها أو بعد انتقالها إلى بيت الزوجية، والعمل أن تكون نموذجا في التفوق، والقدرة على إحياء هذا الفن الأصيل، وهي الأداة الأولى من أدوات النسيج التي تزيد التراث إبداعا وفخرا لأسرتها. إن المرأة الجزائرية تعمل على المحافظة على هذا الإرث الذي أخذت على عاتقها مهمة توصيل رسالته للأجيال عبر وسائل تقليدية ك: المنسج التقليدي الذي يتكون من ركيزتين مصنوعيتن من خشب العرعار، خيط النيرة، القرداش، الخلالة، السداية، .... حيث تمكنت من نسج زرابٍ في مختلف الأشكال والألوان. الزربية الجزائرية مكسب حضاري ومستقبل واعد فتحت هذه التظاهرة الثقافية الباب على الثراء الثقافي الذي تمتلكه الجزائر فحّولت قصر رياس البحر إلى قطب سياحي مهم توافد عليه أكثر من 1000 زائر، حسب ما أكده أحد القائمين على هذا المعرض، خاصة من الأجانب الذين يستهويهم هذا النوع من الأفرشة التقليدية التي تشتهر بها بلادنا، وسمحت لهم باكتشاف أنواع الزرابي التي تمتلكها الجزائر والتي أبدعت فيها المرأة الجزائرية بأناملها الذهبية. وفي هذا الصدد أعربت مجموعة من السياح الأجانب في حديثهم لجريدة ''الحوار'' أن الجزائر تعد من دول الساحل الإفريقي الأكثر ثراء من حيث الزخم الثقافي، وهو ما يخول لها اكتساء طابع سياحي مميز في المستقبل. فهذه التظاهرة جعلتهم يكتشفون أنواع الزرابي التي تزخر بها الجزائر التي تنفرد، حسبهم، بروعتها وجمالها الأخاذ عن تلك المنتشرة عبر العالم الإسلامي. تعددت أشكالها والزربية واحدة خلال جولتنا في المعرض تراءت لنا أنواع متعددة من الزرابي التي شكلت فسيفساء آية في الجمال وعلى رأسها الزربية التلمسانية المعروفة بخصوصياتها المميزة، وهي تصنع باشكال هندسية مزخرفة من صوف أصلية بيضاء غير ملوّنة وغير مصبوغة، تزيّنها رسومات أمازيغية رائعة، أما منطقة غرداية فيوجد بها نوعان من الزرابي يدخل في صنعهما صوف الخروف ووبر الإبل والماعز، تختلف فيما بينها من حيث الألوان المستعملة، وفي الأشكال الهندسية التي تزين واجهاتها. زربية تيميمون قورارة يغلب عليها اللون الأحمر والبني والأخضر الداكن الممزوج بقليل من الأصفر، كما توجد بها تشيكلة جهاز العروس الصحراوية، وسعف النخيل رمز خصوبة المنطقة، أما زربية قلعة بني راشد فتتميز بالعقد المربوطة وهي معروفة في مناطق الحضنة، القرقور، الأغواط، بسكرة، شرشال، جبل عمور وصور الغزلان. تتميز منطقة وادي سوف بزرابيها المزينة برونق بصليب وادي سوف المشهور وتصنع من صوف الخروف، أما الزربية الأوراسية فيتم نسجها بشعر الماعز ممزوج بالصوف باستعمال زخارف بسيطة متكونة من أربطة عريضة مزينة بمعينات ذات ألوان مختلفة، في حين تعبّر زربية منطقة القبائل الأصيلة عن أحاسيس المرأة البربرية، انفعالاتها وأفكارها، فهي تعبر فيها عن رغبتها في الإنجاب وبناء الأسرة التي تعتبر في نفس الوقت واجبا اجتماعيا لترسيخ العائلة والقبيلة، تعدد الزوايا التي نجدها على هذه الزربية يعبر عن ولادات متتالية، أما شكل الأفعى فهي رمز للرجولة والفحولة، وقداسة الرجل من طرف زوجته بهذه المنطقة. ميلاد رابطة وطنية للحرفيات الجزائريات حفاظا على هذا الموروث الثقافي من الضياع تسعى الحرفية فاطمة الرباوي من ولاية تڤرت إلى تأسيس رابطة وطنية للحرفيات الجزائرية تضم العديد من محترفي هذه المهنة عبر الوطن، وسيكون مقرها بالجزائر العاصمة، وذلك للحافظ، حسبها، على هذا الموروث الشعبي الذي يعد من أقدم المهن التي عرفت في مختلف مناطق الوطن منذ القدم وارتبط وجودها بوجود الحيوانات كالماعز، الإبل، الخروف، ''حتى نعطي لهذه المهنة، تقول فاطمة، وجهها المشرق لأن صناعة الزربية تشكل أحد المكونات الأساسية للشخصية الجزائرية، فهي الوسيط بين الماضي والحاضر، وستتواصل عبر الزمن، وهي باقية بقاء المرأة الجزائرية التي تعمل على نقل حرفتها للأجيال المقبلة عن طريق تلقينها أصول هذه المهنة''.