احتضن قصر رياس البحر أجمل التحف والمنسوجات التي أبدعتها المرأة الجزائرية التي مزجت فيها بين أصالة الماضي وروح الحاضر في أول مهرجان للإبداعات النسوية ، هذه الحرفة التي تعاني من عدة صعوبات تحاول ممارساتها من خلال الأعمال التي تقوم بهن إحياء هذا التراث الذي يعبر عن أصالة كل منطقة عبرالوطن رغم التكاليف الباهظة التي تتميز بها المواد الأولية المستعملة و كذا الدخلاء على هذه الحرفة الذين يبحثون عن الربح و أفقدوا هذه الزرابي جودتها و نوعيتها الأصلية. تعتبر صناعة الزرابي من التراث الغني الذي تزخر به الجزائر منذ القدم حيث مارسها السكان و تفننوا في إتقانها و زخرفتها و كانت المرأة الرائدة إلى يومنا هذا في تطوير هذه الحرفة التي استعملوا فيها الأدوات و المواد التقليدية التي لا يمكن للتكنولوجيا الحديثة أن تعوضها ،و من بين هؤلاء سيدات احتضن قصر رياس البحر الأسبوع الماضي إبداعاتهن اقتربنا منهن واطلعن من خلالهن على واقع هذه الحرفة في مختلف ولايات الوطن. إبداعات تبحث عن تكفل و تسويق كانت البداية مع رئيسة جمعية حقوق الطفل والمراهق فتيحة قادري القادمة من لولاية تيميمون حيث أكدت أن الهدف من إنشاء جمعيتها أمرين أساسين وهما الاهتمام بالفتاة المراهقة في هذه المنطقة التي تترك المدرسة في سن صغيرة من جهة و من جهة أخرى رفع التحدي للنهوض بحرفة النسيج التي فقدت مكانتها و باتت مهددة بالزوال ،مشيرة أن زربية تيميمون الأصلية لم يبقى منها سوى واحدة وهي تلك التي نسجت سنة 1920 ،فما كان عليها سوى إحضارسيدات متخصصات في هذا المجال من أجل إحياء هذه الزربية وإعادة الاعتبارلها من خلال تكوين فتيات تمارسن مهنة النسيج وتعيد إحيائها من جديد. و بعد مرورخمس سنوات من العمل والتكوين و الإنتاج تعرف حرفة النسيج انتعاشا ملحوظا –تقول- حيث يقدرعدد الفتيات اللواتي تقوم بتكوينهن 12 فتاة مشيرة أن التخصص فيها ليس من شأنه التقليل من مكانة الفرد كما هو رائج لدى العديد من الناس و إنما تعتبر من أرقى المهن لما تحمله من معاني و إبداع و تطورمستمر. هذا ما لمسناه من الزرابي التي أبدعت في نسجها فتيات الجمعية والتي أبهرت الزوارفلكل واحدة لون و رموزمختلفة تعبرعن مكبوتات من قمن بها حيث كشفت محدثتنا أن الزربية عبارة عن لوحة فنية من مادة الصوف تحملها المرأة كل الأفكارالتي تدورفي داخلها و التي لا يمكنها البوح بها،وحول تلك الأشكال يستفسرالكثير من الزوارالذين تثير فضولهم فتقوم رئيسة الجمعية بشرح مختلف المعاني التي أرادت إيصالها تلك المبدعات فمنهن من رمزت في " زربيتها " إلى المرأة والرجل و كذا الخصوبة و منهن من رمزت إلى جذع النخلة و الأبناء و منهن من رسمت الصندوق الذي كانت تضع فيه ملابسها و غيرها من التعابير. وحول إقبال الزوارعلى المهرجان أبدت محدثتنا إعجابها بالكم الهائل من المهتمين الذين تدفقوا عليه والمستوى الثقافي الذي يتمتعون به،حيث قصده لرؤية تلك الإبداعات جامعيين و فنانين بالإضافة إلى مواطنين يقدرون العمل المميز الذي قامت به فتيات ولاية تيميمون، الأمرالذي دفع بالعديد منهم إلى اقتناء تلك المنسوجات وكان أول المشترين –تضيف- السفيرالإيطالي الذي أبهر بعملين إبداعيين و حرص على أن يكونا من نصيبه. و تعتز رئيسة الجمعية بالدورالذي لعبته هذه الأخيرة في مجال رد الاعتبار للزربية في تيميمون خاصة و أن المنطقة سياحية بالدرجة الأولى الأمر الذي ساهم في الترويج لها و تسويقها بسهولة كبيرة ،غيرأن ضيق المقر و قلة الإمكانيات وقف في وجه توسيع عملها حيث لا تتمكن هذه الجمعية من صنع سوى 30 زربية في الشهر فقط ،معيبة عدم التفات السلطات المعنية الذين يقتصر تشجعيهم على عبارات لا تغير من الوضع شيئا. إصرار و عزيمة على إحياء حرفة النسيج تركنا ولاية تيميمون و كانت وجهتنا الثانية ولاية تيزي وزو الممثلة في وردية سكري و نصيرة حرب حيث حاولتا من خلال الأعمال التي قامتا بعرضها من إطلاع الزوار على التراث الثقافي لهذه الولاية العريقة الضاربة جذورها في عمق الجزائر، حيث احتوى معرضهما زربية العروس ذات اللون العنابي و التي تتميزعن الزرابي العادية حيث تفننت نصيرة حرب في صنعها بأشكال جميلة تتميز بها زربية هذه الولاية. هذه الشابة ورغم أنها ألمت بتقنيات هذه المهنة في مركز متخصص إلا أنها تحمل في داخلها ميولا لهذه الحرفة التي ورثتها عن عائلتها حيث تحسرت عن واقع حرفة النسيج في الولاية بسبب تناقص عدد ممتهنيها بسبب الصعوبات التي يواجهونها من جهة وعدم رغبة الجيل الجديد في حمل مشعل إحيائها معتبرينها مهنة لا تشرفهم ،و هو الأمرالخطيرالذي يحتاج إلى حلول عاجلة تنهض بهذه الحرفة التي تعاني الكثير من الصعوبات بداية من المواد الأولية الباهظة الثمن و التي تكاد تكون منعدمة مما جعل المنتوجات التقليدية تفقد جودتها بسبب استعمال المواد الأخرى في صنعها – مضيفة - أنها باتت تحمل نفس الأشكال والألوان وهذا راجع إلى الطابع التجاري الذي أصبحت تتميز به الحرفيات في هذه الولاية فهدفهن الوحيد هو الربح لا أكثرولا أقل الأمرالذي جعل زربية ولاية تيزي وزو تقتصرعلى طابع واحد بينما تحتاج هذه الحرفة إلى الإبداع ،بالإضافة إلى هذا تواجه هؤلاء النسوة من مشكل التسويق الذي يتطلب إشهارا بالمنتوج كما هو الحال بهذا المعرض الذي فتح لهن المجال للتعريف بإبداعاتهن و الترويج لها،فعلى مستوى الولاية نادرا ما يتم تنظيم مثل هذه التظاهرات و إذا حدث فإن الدعوة تكون لأولئك الدخلاء على المهنة الذين أفسدوا على الحرفي الحقيقي نشاطه. من جهتها أكدت وردية سكري أن الحرفيين لا يحضون بالعناية اللازمة وهو ما لاحظته من خلال تجربة التكوين التي قامت بها في ولاية الجلفة و التي لاحظت من خلالها أن عمل الحرفيات في هذه المنطقة يقتصر فقط على صنع البرنوس و القشابية فحسب غير محاولات الإبداع في أعمال أخرى وهذا الأمر راجع حسبها إلى القائمين على هذا المجال في المنطقة الذين لا يحاولون تطوير هذه الحرفة ، تشارك هذه المبدعة في معرض المنتوجات التقليدية و كذا معرض الإبداع الذي يضم مختلف الإبداعات التي تفننت الحرفيات المشاركات في القيام بها ، حيث عرضت ملابس من النسيج ذات ألوان و رموز جميلة جدا استقطبت كل من و طأت قدماه المكان و راح يسأل عن ثمنها بهدف اقتنائها. من خلال هذه الزيارة لاحظنا التنوع الذي تتميزبه كل منطقة من ربوع الجزائر و ما زاد من جمال تلك المعروضات المكان الذي احتضنها حيث أضفى عليها تناسقا كبيرا و كانت الفرصة للزوار من أجل الإطلاع على مختلف الإبداعات التي صنعتها تلك النسوة ومعرفة التراث التقليدي لكل ولاية من جهة والاستمتاع بالتحفة المعمارية قصر رياس البحر التي لم تسمح الفرصة لهم من قبل لزيارته. هذا ما أكدته الناسجة فاطمة الزهراء رويغي التي تنقلت من مدينة المنيعة بولاية غرداية إلى الجزائر العاصمة من أجل التعريف بالنسيج التقليدي الذي تقوم به المرأة هناك ،حيث ساهمت بفضل مسارها الطويل في ميدان التعليم و تصميم الأزياء في الاهتمام بحرفة النسيج من خلال تأسيس تعاونية للإنتاج ومنها جمعية تعمل بواسطتها على نفل معرفتها و حبها لهذا الفن إلى فتيات المنطقة، فقامت بإنشاء ورشات متخصصة في هذا المجال بعدما كانت النسوة تقوم بهذه الحرفة في منازلهن. و تعتبر رويغي واحدة من الحرفيات المستفيدات من الاتفاق الذي أبرمته سنة 2006 وزارة التضامن الوطني والإتحاد الأوروبي لتمويل مثل هذه المشاريع، ورغم العزيمة والإرادة على إعادة بعث هذه الحرفة إلا أن العزلة – تقول - التي تعيشها مدينة المنيعة حالت دون الانتشارالمرجو بالإضافة إلى غياب أي اهتمام من طرف السلطات المعنية، فمنتوجها الحرفي يسوق سواء لسكان المنطقة خاصة الفتيات المقبلات على الزواج أو للسياح الذين يقصدون المنطقة و يقتنونها كتذكار يأخذونه معهم إلى بلدانهم. وبما أن فن النسيج من أقدم الفنون التي رافقت المرأة الجزائرية منذ عصورغابرة،فلا تخلو منطقة من مناطق الجزائرمن هذه الحرفة الجميلة التي تبدع فيها المرأة،ومن بين المنسوجات التي حازت على الإعجاب أيضا تلك الملابس المطرزة تقليديا والمصنوعة من الصوف للحرفية فاطمة العرباوي من تعاونية أصالة واد ريغ بمنطقة تقرت بولاية ورقلة و الفتيات اللواتي تقوم بتلقينهن الحرفة والبالغ عددهن 100 فتاة حيث أبدعن في صنع قطعا تعتبر من أجمل و أرقى المنتجات المسوقة في بعض نقاط البيع في العاصمة. و يقدرعدد المعلمات في هذه التعاونية ثلاثة عشرة معلمة تسهرن فترة التكوين المقدرة بسنتين في تعليم الفتاة مختلف تقنيات الطرزعلى الصوف،حيث تلقى تلك المنتجات رواجا كبيرا و تعتمد بالدرجة الأولى على اللون الأبيض للصوف نظرا لقلة الألوان الأخرى و صعوبة عملها،حيث فرض عليهن الطلب تصنيع الملابس بهذا الشكل. زوار متعطشون للحرف التقليدية ولقي معرض المنسوجات التقليدية الذي دام ثمانية أيام بقصررياس البحر بالجزائرالعاصمة إقبالا منقطع النظير من قبل الزوار المحليين و الأجانب حسب العارضات خاصة أولئك المهتمين بمجال الحرف التقليدية الذين وجدوا فيه الفرصة للتعرف عن قرب بالتراث الذي تزخر به الجزائر وكذا رؤية الملابس التي كان الناس يرتدونها قديما مثل البرنوس العاصمي وغيرها من المنتوجات التي ضمها المعرض من مختلف مناطق الوطن. و توافدت عليه مختلف الفئات العمرية بالإضافة إلى الزوار الأجانب خصوصا التابعين للسفارات الموجودة في الجزائر الذين أعجبوا بمحتوياته و بالتنوع الموجود في النسيج الجزائري وفتح المعرض المجال للحرفيات بيع المعروضات وللزواراقتناء تلك التي لفتت انتباههم وجدوا فيها شيئا مغايرا لا يوجد في العاصمة و في بلدانهم فاستغلوا الفرصة لأخذها معهم كبطاقة فنية عن الجزائرالتي تزخر بتنوع و ثراء ثقافي. وعاش قصر الرياس حيوية فريدة من خلال تفاعل الزوار مع العارضات اللواتي قدمن من مختلف المناطق النائية من الوطن وإعجابهم بالمنتجات التي تخرج عن المألوف بحيث تعطي طابعا خاصا في البيوت العصرية التي أصبح أصحابها يبحثون عن اللمسة التقليدية الأصيلة و يؤكدون على ضرورة الحفاظ على هذه الموروثات التي تحمل طابعا جزائريا بحتا له علاقة مباشرة بالمناطق النائية التي ظلت المرأة متشبثة به كما هو الحال لإحدى الزائرات من العاصمة التي أكدت أنها خصصت مجالا في بيتها للأثاث التقليدي . وبالمناسبة دعت العارضات السلطات المعنية إلى مدهن بيد المساعدة خصوصا فيما يتعلق بتسهيل حصولهن على المواد الأولية التي تستعمل في النسيج خصوصا كما أكدت أحد الناسجات أن المصانع التي كانت متخصصة في صناعة الخيوط و الألوان الطبيعية تم غلقها و لم تعد تتوفر النوعية الجيدة بالإضافة إلى مشكل غلاء سعرهذه المواد الأولية بسبب المضاربة.