يفصلنا أقل من أسبوعين عن تاريخ انطلاق مباريات كأس العالم بجنوب إفريقيا، أي بعد مرور حوالي 7 أشهر من تعرض المنتخب الوطني والمناصرين للاعتداء من قبل المصريين. مرور هذه المدة لم يمح من أذهان الجزائريين الهمجية المصرية خاصة ضحاياها، أمثال حملاوي هامل الذي أرادت أيدي المخربين أن ترسل من خلاله رسالة إلى كل الجزائريين، تعكس حقيقة المصريين ووجهم الذي تعرى من مشاعر الأخوة والإنسانية. الذاكرة بدأت تعود إلى هامل حملاوي الذي زار ''الحوار'' ليسرد بلسانه معاناته على أيدٍ لا تعرف الرأفة، عذبته بطريقة جد بشعة لم يلق الجزائريون مثلها على أيدي الاستعمار الفرنسي. قبل الحادثة كنت متواجدا في تونس في إطار عمل ثم توجهت إلى مصر في ذات الإطار، وتصادف تواجدي هناك مع الموعد الكروي الهام للمنتخب الوطني الجزائري فقررت أن أحضر المباراة ولا أفوت على نفسي الفرصة، خاصة أنني لست من محبي كرة القدم وإنما من محبي وعشاق المنتخب الوطني وحسب. نزلت مصر يوم 13 نوفمبر 2009 أي يوما واحدا قبل المقابلة، علما أنني عشت في مصر مدة 3 سنوات، من 1993 إلى غاية ,1995 ولم ألق من أهلها سوى المعاملة الطيبة والحسنة. لم نكن نتوقع أن يتصرف المصريون معنا بتلك الطريقة البشعة ذهبت إلى الفندق في شارع أوربا حيث كان يتواجد معظم الجزائريين، ثم حضرنا في اليوم الموالي المباراة التي جرت على ما يرام بالرغم من المناوشات الخفيفة بين الجمهورين، وخسر الفريق الوطني المقابلة بهدف مقابل لا شيء. وما أتذكره جيدا أننا حظينا بأكل منتهي الصلاحية في الملعب، أضاف حملاوي وهو يسترجع بعض تفاصيل الأحداث التي أكدت الخبرة العقلية أنها ستعود إليه تدريجيا. ولدى خروجنا من الملعب بدأنا نسمع أخبارا تداولها المناصرون الجزائريون، تفيد بتعرض مناصرين آخرين إلى الضرب من قبل المصريين، لم نصدق الأمر وحسبناها للوهلة الأولى إشاعات ومزاعم شبابية ناتجة عن تأثرهم بالنتيجة السلبية. لكن وفيما بعد ونحن نهم بمغادرة الملعب متوجهين نحو الفنادق التي ننزل بها، رفضت الحافلات نقلنا على أن يتدخل السفير الجزائري بمصر ليخصص لنا حافلات تنقلنا مباشرة إلى مقرات إقامتنا، وعندما وصلنا شارع الهرم 16 كيلومترا طلب منا سائق الحافلة أن نرفع العلم المصري حتى لا نتعرض للضرب، فنزلنا عند رغبته ظنا منا أنه يريد فعلا حمايتنا، غير أنه وبمجرد وصولنا إلى نهاية الشرع نزل السائق إلى الجماهير وراح يتحدث لهم ولم نفهم ما كان يجري بينهم من كلام وسط الأهازيج ، إلا أننا فهمنا فيما بعد ما دار بينهم من كلام، بعدها شرعت الجماهير في رشقنا بالحجارة. وما أتذكره جيدا، قال هامل حملاوي، أنني كنت مرفوقا من طرف صحفي إذاعة قسنطينة علاوة ميباركي. وبقينا مندهشين كثيرا في الحافلات المحروقة التي كانت تقل المناصرين الجزائريين، وإلى ذلك الحين لم نرد أن نضخم في أذهاننا الأحداث وقلنا إنها مناوشات بين المناصرين وحسب، وتحدث مثل هذه الأمور حتى في كبريات الدول المتقدمة. إنقاذي لبنت بلادي كان وراء ما حصل لي وصلت الحافلة التي كانت تقلنا إلى فندق أوربا الذي تمت إحاطته بعناصر الشرطة المصرية، نزلنا من الحافلة ولاحظنا تجمهرا غفيرا في الشارع المقابل لفندق أوربا، غالبيتهم جزائريون ولم يكونوا جميعهم من نزلائه، وسرعان ما دخلوا مسرعين جميعهم إلى الفندق للاحتماء بداخله. وأنا أهم بدخول الفندق سمعت صوت امرأة تستنجد بالناس وكانت لهجتها جزائرية، غير أنني لم أتمكن من العودة إلى الوراء من أجل مساعدتها من شدة خوفي على نفسي. ولدى دخولي إلى بهو الفندق وجدت رجلا كبيرا في السن مضروبا وملقى على الأرض حاملا بيده سكينا كبيرا، علمت من الناس أنه والد الفتاة المتواجدة خارج الفندق والتي تطلب المساعدة. لم يجرؤ أي شخص على الخروج لمساعدة الفتاة التي كانت في مظهر يبعث على الشفقة، كانت عارية تماما وجالسة فوق العلم الجزائري وتحاول إخفاء جسدها عن أعين مجموعة من ''البلطجية'' المصريين وهم يصورون ذلك المشهد على الشارع المقابل للفندق. لم أشعر بنفسي لحظتها وأنا أنتزع السكين من يد والدها وأخرج مسرعا لإنقاذها من أيدي تلك الوحوش البشرية، توجهت مباشرة إلى تلك الفتاة التي سارعت إلي ورافقتها إلى داخل الفندق. وأضاف محدثنا الذي بدأ يسترجع ذاكرته شيئا فشيئا، أن من كانوا شاهدين على الحادثة وقتها أخبروه أنه عاد مرة أخرى لينتزع العلم الجزائري الذي أضرموا به النار من بين أيديهم، وقال: لم يكذبوا علي في كلامهم فالفيديوهات والصور تشهد على ذلك كما أن يدي المحروقتين خير دليل على ذلك. اقتادوني من الفندق جرا من الرجل مربوطا بالعلم الجزائري لدى عودتي إلى الفندق حضر أشخاص أقوياء واقتادوني من الفندق، كانوا في الزي المدني قاموا بربطي من الرجلين وجروني أرضا على مسافة كيلومتر من الفندق وهم يسبون ويشتمون ويتلفظون بكلام فاحش حول الجزائر والجزائريين. ثم نقلوني في سيارة وتوجهوا يمينا إلى مكان غير بعيد عن الفندق، وأدخلوني إلى فيلا محاطة بسياج كبير وكان المكان باردا جدا، لم يقوموا بضربي وإنما تركوني أنتظر لمدة نصف ساعة تقريبا إلى أن حضر شخص كبير في السن، ظننته وهو يلقي علي السلام أنه طبيب وسيقوم بإطلاق سراحي، فرددت عليه السلام، سألني إن كنت جزائريا فقلت له نعم، فقال لي إنه سيحملني رسالة إن كتبت لي الحياة يجب أن أوصلها إلى ''الخنازير'' وكان يقصد الحكام الجزائريين، أما إذا إذ توفيت، وهو الأرجح، فإنك ستأخذها إلى المليون ونصف حلوف، وكان يقصد الشهداء. ثم فتح حقيبة صغيرة بحجم الجريدة، وبدأ زملاؤه يقترحون عليه ما يقوم به، حيث قال أحدهم، ننزع له كلية، وقال آخر لسانه وآخر أذنه، حسبت أنهم يحاولون إخافتي فحسب، لكن أدركت أنهم جديون، عندما تلقيت ضربة قوية في بطني من أحدهم وأن موثق اليدين والرجلين بالشريط اللاصق، فتطاير الدم مني، وسمعت الرجل الذي كان ممسكا بي من الخلف، وهو يقترح أن يكتبوا على جسدي ''عماد متعب''، فأخرج من حقيبته آلة أحدثت زلزالا ضخما في جسدي عندما شرع في استعمالها على بطني، فكان مخي يرتج، فقد كتبوا على بطني اسم اللاعب المصري ''عماد متعب'' ورسموا رمزا فرعونيا إلى جانبه. وكنت أشعر بألم حاد جدا ، خاصة عندما شرعوا في انتزاع قطع من لحمي باستعمال ''الكلابة''، ثم أدخلوا في مؤخرتي قطعة من حديد مكهربة وهناك فقدت وعيي. من عذبوني ... وحوش بشرية لم أتوقع يوما أن هناك من البشر من يمكنهم تعذيب بشر بهذه الطريقة البشعة، وصرت لحظتها أطلب الوفاة بأقل عذاب ممكن، وكنت أغيب عن الوعي وأعود إليه، في اللحظات التي قاموا فيها بكسر أسناني وخلع أضراسي. وكنت أسمعهم يتخاصمون فيما بينهم فمنهم من كان يقول ''خلاص الجزائري مات'' ومنهم من قال إنني على قيد الحياة، فقاموا فعلا بإطلاق سراحي، حيث عادوا ورموني أمام مدخل فندق أوربا الذي اقتادوني منه أمام أعين الناس. وتركوني هناك عاريا من دون ملابس. وعلمت من الناس أن الوحيد الذي تشجع واقترب مني هو المغني ''رضا سيتي ''16 وقام بتلقيني الشهادة، وغطاني بملابسه وبالعلم الوطني، واتصل ومن كان برفقته من الجزائريين بالإسعاف ونقلوني إلى مستشفى الهرم، حيث تلقيت إسعافات أولية، ولدي كل الوثائق التي تثبت أنني عالجت على مستواه. وتقدم إلي أحد الشباب الفلسطينيين، وسألني عن اسمي وعن جنسيتي، وطلب من الجزائريين الذين رافقوني إلى المستشفى إخراجي من هناك على جناح السرعة، لأن الشرطة قادمة لأخذي. فهربوني وقاموا بإيوائي في مكان لا أعرفه قضيت فيه الليلة دون وثائق، لينقلوني منه في الصباح الباكر بعدما استلموا وثائق هويتي من الفندق الذي كنت نازلا فيه، إلى مقر السفارة الجزائريةبالقاهرة. عندما استفقت كنت غير واع بما حدث لي وكأنني كنت في حلم، واندهشت وأنا ألاحظ الجزائريين المختبئين هناك يشيرون إلي بالأصابع ويقولون ''هذا هو .. هذا هو''، واستقبلني حجار شخصيا. وقدمت الفتاة التي أنقذتها رفقة والدها تترجاني ألا أذكر اسمها، خاصة أنها متزوجة حديثا. وتلقيت العلاج على مستوى السفارة الجزائرية التي تعرضت لمحاولة اقتحام من أجل أخذي من هناك. وتعرضت في الليلة الموالية إلى مضاعفات صحية دخلت إثرها في غيبوبة، ولدى استفاقتي كان الجميع يظن أنني على حافة الموت، فطلب مني السفير الجزائري أن أطلب طلبي الأخير، فقلت له أريد أن أذهب للسودان، دهش كثيرا من طلبي هذا إلا أنه، وبعد تحسن حالتي، قام بإيفاء وعده لي ونقلني فعلا لمشاهدة المقابلة الجزائرية المصرية التي جرت في أم درمان يوم 18 نوفمبر. لما بلغت السودان لاحظت الجزائريين يسجدون على أرض المطار من شدة خوفهم من تكرر ما حدث في القاهرة. اكتشفت حقيقة الكتابة على جسدي وأنا في السودان كنت أتنقل لدى وصولي إلى السودان رفقة الجزائريين وأنا أعاني من آلام في كامل الجسد، والكل يقول لي الأمر عادي لأنك مضروب، لكنني لم أكن أعي ما يقصدونه بكلمة' 'مضروب''، وتم نقلي إلى مستشفى السودان، واستقبلني الأطباء السودانيون، واندهشوا وهم ينظفون الجراح في بطني، وقالوا لي إنه يحوي كتابة، لم أصدق ولما رأيت جراحي في المرآة فقدت صوابي تماما، ولاحظت قطعا من لحمي منزوعة تماما. وقام بزيارتي هناك كل الفنانين واللاعبين القدماء. ولدى عودتي إلى الجزائر رفعت قضية ضد مصر من هنا، خاصة أن التلفزيون المصري عرّفني على أنني رجل مخابرات، فالإعلام المصري والمخابرات المصرية عذباني كثيرا. وبقيت أعالج في قسنطينة، وخضعت للخبرة العقلية وأدليت بأقوالي لدى قاضي التحقيق. بعد محاولاتي الفاشلة في الاتصال برئيس الجمهورية، بلغ بي اليأس إلى محاولة الانتحار، وانتقلت الأسبوع الماضي إلى المغرب وكنت سأدخل في إضراب عن الطعام، إلا أنني عدلت عن هذا. التقيت حفيظ دراجي في المطار ووعدني بمساعدتي للذهاب إلى جوهانزبورغ وأتمنى أن يفي بوعده لي، كما أتمنى ان يستقبلني عبد العزيز بلخادم. ث. م