بفضل العلاج بالموسيقى والمسرح والرسم التشكيلي، تحولت حياة كل من أمين وعمر وعبير وآخرين كثر، من حياة عادية لأطفال ذوي احتياجات خاصة أو مصابين بأمراض مزمنة إلى أطفال ذوي مواهب فنية حقيقية يساهمون بإبداعاتهم الصغيرة الكبيرة في رسم البسمة على شفاه أقرانهم الصغار من المرضى، وشد العديد من البالغين بأعمالهم الفنية التي لا تقل جودة عن تلك التي ينتجها المحترفون. أضاءت جمعية ''شمس للفنون العلاجية'' طريق الصغار ذوي الاحتياجات الخاصة والمصابين بالأمراض المزمنة والأطفال الذين يعانون من الانطوائية أو التوحد، القاطنين بالجزائر العاصمة وأرشدتهم وأولياءهم إلى طريقة ممتعة وخلاقة تمكنهم من تخطي العراقيل التي يواجهونها في الاندماج في المجتمع والعيش فيه كأقرانهم العاديين. ويجتمع أكثر من 50 طفلا في إحدى القاعات المتواجدة بدار الشباب للقبة بالجزائر العاصمة ليتلقوا دروسا في الموسيقى والمسرح والرسم بمعدل ثلاث حصص في الأسبوع، مرفقين بأوليائهم، وهي الحصص التي مكنت من اكتشاف مواهب عديدة لهؤلاء الأطفال تحولت فيما بعد لطاقات إبداعية مميزة. ويساهم العلاج بالموسيقى والأشكال الأخرى من الفنون، حسب السيد جمال مراحي، رئيس جمعية شمس، على تنمية قدرات الأطفال المرضى الذين يعانون من مشاكل في الاتصال مع غيرهم لأسباب عضوية أو نفسية كما يعمل على خلق مساحات للتعارف وتبادل الأفكار بين مختلف الشرائح ومساعدتهم على تخطي عتبة الإعاقة والمرض. هذا النوع من العلاج حول نفسية الأطفال ساعد على رفع المؤشرات الإيجابية المتعلقة بطرق التعامل التي أصبحوا يتبنونها مع محيطهم من عائلة وأصدقاء وزملاء، كما دعمهم في أدائهم التربوي الذي سجل قفزة نوعية لدى كل الشرائح، يقول جمال مراحي المربي المختص في علم النفس الحركي. وتظهر آثار العلاج بالموسيقى والفنون المسرحية والتشكيلية بجلاء على الأطفال الذين صادفناهم في بعض حصص التدريب ولاسيما منهم الذين داوموا على ممارسة الحصص لسنوات، فقدرتهم على التواصل وعرض الأفكار كافية لتجعل المستمع إليهم يخلط بينهم وبين أطفال أصحاء. الفنون العلاجية لم تفد الأطفال المرضى فقط، بل تعدتهم لأوليائهم الذين اندمجوا بكل عفوية مع الدروس مع الصغار، لتتحول قاعة العرض إلى قاعة علاجية مشتركة مفتوحة على أمل أن يتخطى الصغار عراقيلهم الصحية والتخفيف من الضغط النفسي الذي يعيشه الأولياء خاصة بالنسبة للأمهات اللائي أصبحن يعتقدن اليوم اعتقادا لاشك فيه، بأن أولادهن قادرون على العطاء الفني مثل أي طفل في سنهم زيادة على تمكنهم من التكفل بقسط كبير من حاجاتهم اليومية بأنفسهم كالأكل والدراسة والاستحمام، ناهيك عن تمكنهم من التواصل بطريقة عادية وهادئة مع أفراد العائلة والأصدقاء، وهو ما يعني تخفيف الأعباء على الأمهات والأسرة بكاملها، تقول إحدى الأمهات المرافقات. الأداء الفني لهؤلاء الأطفال قد يتعدى كل التوقعات خاصة بتواجد المحفزات النفسية اللازمة، حيث يفاجئ هؤلاء المتدرجون في الفنون أساتذتهم وأولياءهم بأعمال ممتعة وهادفة تعبر عن مشاعر بريئة وسامية. ويتعامل الأساتذة مع حالات مرضية مختلفة تستدعي صبرا وذكاء لتحويل مسار الأزمة إلى منحى تصاعدي يتجه نحو الإبداع مثل ما حدث مع المربي مراحي وأحد تلاميذه في إحدى الحصص الموسيقية، حيث يتم تهدئة الطفل الذي دخل في دوامة من الصراخ بإعطائه فرصة للبروز والغناء، ليحظى بعد ذلك بتصفيقات زملائه وأوليائه. ويشرف على تدريب وتلقين هذه المجموعة عدد هام من الأساتذة في الموسيقى والمسرح بالإضافة إلى فنانين تشكيليين مدعومين بأخصائيين نفسانيين ومربين يعملون على إلقاء الدروس الفنية لهؤلاء الصغار وأوليائهم بطريقة بيداغوجية خاصة، تجمع بين الصرامة والليونة والمعاملة العادلة للجميع بغض النظر عن نوع مرض الطفل، وهو ما يتحدث عنه كل من المعلمين ولد علي محمد ارزقي وبشبش خالد مدرسين للتمثيل المسرحي في جمعية ''شمس''.