مازال الصراع بين الشعر الفصيح والشعبي قائما في الجزائر كما في الدول العربية، ففي الوقت الذي يعتقد فيه أهل الشعر أن للشعبي مكانته المميزة التي لا يمكن ان يضاهيها الشعر الفصيح بوصفه أسهل الطرق وأوسعها باباً للشهرة، يتجه الصنف الاخر من الشعراء الى التأكيد بان الفصيح يتسيد الآن المشهد الادبي والثقافي. هذا الصراع المطروح منذ الازل أوعزه الشعراء الذين استجوبتهم الحوار الى اسباب مختلفة تتعرفون عليها في ثنايا هذا الاستطلاع. يونس عبد العزيز: ثمة عقدة مازالت تلازم شعراء الفصيح والشعبي يرجع الشاعر يونس عبد العزيز من بسكرة سبب الصراع القائم بين الفصيح والشعبي الى ما اسماه بالعقدة التي تلازم شعراء كلا الصنفين. ويرى يونس أن الحل الوحيد لوضع حد لهذه الازمة يكمن في إخلاص ووفاء الشاعر في علاقته مع نفسه ومع غيره وان يكون أكثر ابتكارا . محمد زغيب: هناك نخبة متسلطة ترغب في البقاء على حساب فئة أخرى يقول محمد زغيب من الجزائر إن سبب الصراع بين شعراء الفصيح والشعبي راجع الى التقسيم النخبوي، فهو يرى ان هناك نخبة متسلطة ترغب في البقاء والاستمرار على حساب فئة اخرى، يتعلق الامر حسبه بفئة الجماهير الشعبية، هذه الاخيرة تجد نفسها حسب زغيب دائما مهمشة، هذا التقسيم يقول عنه محدثنا إنه تقسيم الانتلجنسيا. جمال بخيث: إذا أردت أن تكون كبيرا يجب أن تكون متميزا من جانبه يرجع الشاعر الشعبي المصري جمال بخيث سبب هذا الصراع بين الشعبي والفصيح الى احتكار صنف على الاخر. فهو يعتبر ان الشعراء الكبار سواء في الشعبي او الفصيح يحاولون دائما احتكار الساحة الابداعية مهمشين بذلك المبدعين من الجيل الجديد، وفي هذا السياق يدعو بخيث الشعراء الكبار الى الاخذ بايدي هؤلاء المبدعين الشباب. ويعود بخيث ليقول ''تعلمت درسا مفيدا من شعرائنا الكبار هو انه اذا اردت ان تكون كبيرا يجب ان تكون متميزا'' في سياق مماثل يؤكد بخيث ان سبب وصول الشعراء الكبار سيما في مصر امثال الشاعر فؤاد حداد، صلاح شاهين، السيد حجاب واحمد فؤاد نجم كونهم تجربة متفردة ومدرسة قائمة بذاتها، مبرزا اهمية وضرورة اقتداء شعراء الجيل الجديد بهذه المدرسة. جورج زكي الحاج: الشعر الشعبي أسهل الطرق وأوسعها باباً للشهرة يرى الشاعر اللبناني جورج زكي الحاج ان الشعر الفصيح يتسيد الان المشهد الادبي والثقافي، ويذهب الحاج بعيدا عنما يصف ''تسيد الفصيح'' بالطغيان والطوفان الذي يشكل خطورة واضحة على الساحة الثقافية والأدبية معاً وسيقلب الموازين رأساً على عقب، وحتماً سيكون له اكبر الأثر على ميول واتجاهات الاجيال المستقبلية القادمة. لكن يعود محدثنا ليؤكد عدم اضمحلال الشعر الشعبي او رميه على رفوف النسيان. فالشعر الشعبي ''كان ومازال ملح الطعام'' والأدهى من هذا يقول زكي الحاج أن تضاؤل قرّاء الشعر الفصيح هو تحوّل العديد من الشعراء المبدعين في الفصحى لكتابة الشعر الشعبي باعتباره أسهل الطرق وأوسعها باباً للشهرة مستقبلا. ومما لا شك فيه أن للشعر الشعبي المكانة المرموقة بين أفراد المجتمع على اختلاف الطبقات وله بصماته الخاصة والواضحة وتأثيره على النفوس؛ وقد قيل: من لا تراث له لا حضارة له.