أكثر ما يثير دهشتي أياما قليلة قبيل انطلاق شهر رمضان المعظم، هو واقع الإعلام العربي ونزوعه إلى البرامج الترفيهية، والتنافس المحموم بين القنوات الفضائية لجذب أكبر عدد من المشاهدين، حتى أن بعض هذه الفضائيات اختار لها شعارا ''رمضان يجمعنا''، وهو شعار يلفت فعلا نظر الجمهور العربي إلى ما تقدمه كل قناة من برامج الترفيه ومسلسلات الدراما التي لا تعرّف معروفاً ولا تنكر منكراً، فذاك ينتظر الجزء الثالث ل''أبواب الحارة'' وهذا يعقد العزم أن ''اسمهان'' سيكون أنجح مسلسل. فيما يعول آخرون على ''أبو جعفر المنصور'' ومسلسلات أخرى لا تعد ولا تحصى.. غير أنه كان الأجدر بنا أن نرفع شعار ''رمضان يفرقنا''، كيف لا والقائمون على هذه الوسائل لا يعيرون أي اهتمام بشعور المسلم الذي يقدس أيام هذا الشهر الكريم بأوقات وأزمنة للعبادة لا يجدر أن تكدّر صفوها مضامين ساقطة أو إعلانات ساذجة، والملاحظ أن بعض مضامين الترفيه غير البريء فكرا وأسلوباً هي البرامج الأكثر تأثيرا، حتى يخيل للمتتبع أن رمضان هو موعد للضحك، وتبلّد الإحساس، والتخمة الإعلامية التي تقدم وجبات من الاستهزاء بالدين والسخرية من قيم المجتمع، والأهم أن قناة اليتيمة شرعت تسير منذ سنوات على هذا المنوال. فإذا كانت هذه القنوات ترفع شعار ''رمضان يجمعنا'' من أجل العبث واللهو وكسب المال وزيادة رصيد الأرباح للمؤسسة الإعلامية، وإذا كانت الحقيقة هي أن هذه الظاهرة تتكرّر علينا كل عام، فإنه صار لزاما علينا تجاه ذلك أن نرفع شعار ''احموا أنفسكم من مثل هذه البرامج'' وأن نترجمه إلى واقع عملي من خلال زيادة جرعة الوعي لدى أفراد الأسرة الواحدة التي تجتمع نهاية كل يوم حول مائدة الإفطار لتستمتع ببعض هذه البرامج، فقناتنا الوطنية غالبا ما تسقط في مثل هذه المطبات مثلما حدث في السنوات الماضية عندما برمجت إدارة التلفزة الجزائرية مسلسل ''بابور دزاير'' الذي لم يحمل في مضمونه سوى تفاهات بالية، أو مثلما حدث معها ثانية مع المسلسل العربي ''خالد ابن الوليد'' الذي تبين أنه كان يحمل رسائل ضمنية لأقلية عقائدية سعت إلى تحريف سيرة أحد الخلفاء الراشدين رضي الله عنهم وأرضاهم. يجدر علينا في خضم كل هذا أن نحصن أنفسنا من سلبيات مضامين هذه البرامج خاصة إذا كان فيها تطاول على قيم المجتمع، أو قفزات على ثوابت الدين، وكما هو معلوم فإنه لا بقاء لأية وسيلة إعلامية بدون جمهور متتبع.