قال تعالى: بسم الله الرحمان الرحيم ''يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كُتِبَ عَلَى الذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ . أَيَّاماً مَعْدُودَات'' البقرة: 183- 184 وقال سبحانه وتعالى : { شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَن كَانَ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُواْ الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُواْ اللّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} البقرة: 185 لقد فرض الله سبحانه صيام شهر رمضان لمصلحة عباده ولتهذيب نفوسهم واكتمال إنسانيتهم، فالامتناع عن المفطرات من المطعم والمشرب وغيرهما، يمرن النفس على خلاف هواها، ويعينها على التغلب على شهوات الجامعة المحرمة، ويهذبها إلى الأخذ بالأخلاق الحميدة والعمل الصالح والمعاملات الحسنة. إن من راسخ اعتقادنا أن الدين الإسلامي لا يقتصر على الأعمال الظاهرة كالصلاة والزكاة والصيام والحج وغيرها، بل يتجاوز ظاهر الأعمال ويمتد إلى آثارها الطيبة التي تظهر في سلوك المسلم وفي جوانب حياته. إن التنظيم الاجتماعي للإسلام يهتم بسلوك الفرد وسيره المتناسق مع الجماعة باعتبارهما وجهين لعملة واحدة في الحياة. إن السيرة النبوية بما تضمنته من مواقف وصفات أخلاقية وفضائل، هي منهج للحياة الاجتماعية، وبرنامج لنظام سياسي وسلوكي تربوي، شرع الله لنا سنن الهدى وفضلنا بهذا الدين على سائر الورى. فالعبادة في الإسلام تربط الفرد بخالقه بمقدر ارتباطه بالمجتمع والمحيط، والمسلم لا فرق عنده بين كونه راكعا لله في المسجد أو بائعا أو شاريا في السوق أو محسنا أينما وجد. والإحسان بما نعرفه يشمل كل موقف يستحسنه المجتمع ''الإخلاص في العمل والتعاون بين الناس على البر والتقوى، والتواصل والمساعدة في كل الأوقات ومختلف الأماكن، وقد وردت عبارات الإيمان والتوحد والتوبة وغيرها في القرآن الكريم مقرونة بالعمل الصالح، حتى أصبحت الجملة: ''إنما الدين المعاملة '' متداولة على ألسنة الناس لسلامة مقصدها وتطابق معناها مع النصوص الشرعية. ما يدعونا ونحن في مستهل شهر الصيام لنتمعن قوله عز وجل في شأن الصيام ''يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ''البقرة183 '' ولعل ''تفيد الترجي في لغة العرب ، فالذي يرجى من الصوم إذا هو تحقيق التقوى. والتقوى من أعمق قواعد صفاء النفس. ومن هنا نستجلي أن الصوم ليس مجرد الامتناع عن المفطرات الثلاث الطعام والشراب والشهوة فحسب، بل صوم الجوارح، ''كف اليد عن أذى الناس، وكف العين عن النظر إلى المحرمات، وإحالة الأذن دون سماع للمحرمات عن الموبقات والمفاسد، ومسك اللسان عن الرفث والفسوق والفجور.. قال سلى الله عليه وسلم:'' ليس الصيام من الأكل والشرب إنما الصيام من اللغو والرفث، فإن سابَك أحد أو جهل عليك فقل إني صائم إني صائم'' وفي الغيبة والنميمة والكذب ونحوها ..قال عليه الصلاة والسلام: ( من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه ). فقد اقترنت عبادة الله كمفهوم شامل بالوقف الايجابي نحو المجتمع، يبتدئ بالأسرة أصلا وفرعا وقرابة، وباليتامى والمساكين والجار ذي الجنب والجار ذي القربى والآخرين الذين لا يشاركون المسلم عقيدته، ثم تتسع الدائرة لتشمل الإحسان لأولئك الذين نعايشهم الحياة ونزاملهم السفر وقضاء الحاجات، فهؤلاء الصاحب بالجنب ممن لا قرابة ولا جوار. وكذلك العابر للبلد والسائح فيه فهو ابن السبيل وهو أحق بالرعاية ومد يد العون إليه. هذه صور مبسطة من صميم المعاملات في الإسلام، الدين حسن المعاملة إنه موضوع من أهم الموضوعات بل هو عبادة من أجل العبادات ومصلحة تبلغ الحاجة إليها مبلغ الضرورات وبالقيام بها وممارستها عبادات تحققها معاملات ،ومعاملات هي آثار طيبة للعبادات. فإذا أحسن الإنسان في الحالين فاز في الدارين وحقق الغاية التي ابتعث الله عز وجل لها النبيين وجاء ليتممها ويكملها سيد المرسلين عليه وعليهم أفضل الصلاة وأزكى التسليم، فالمتتبع للقرآن الكريم المتمعن لمقاصد الآيات العارف لها لمضامينها يدرك من خلاله كيف رسم ''بضم الراء'' الموقف الاجتماعي للفرد والجماعة في الإسلام ''..ولكم في رسول الله أسوة حسنة..'' لقد وصف الله سبحانه رسوله الكريم بأعلى الأوصاف، وأكمل النعوت، بقوله تعالى: ''وإنك لعلى خلق عظيم ''''القلم:4'' وبين ما للخلق من مقامة عنده. فخلق التواضع مثلا من الأخلاق الفاضلة الكريمة، والشيم العظيمة التي حث عليها الإسلام والرسول صلى الله عليه وسلم، كان متواضعا مع الكبير والصغير، والقريب والبعيد، والأهل والأصحاب، والعبد والجارية. كما من الصفات النبيلة والخصال الحميدة التي حيا الله بها نبيه الكريم ورسوله العظيم صفة التفاؤل، إذ كان متفائلاً في كل أموره وأحواله، رحيما، شفوقا، زاهدا، صبورا ذو مزاج ومداعبة محببتين إلى النفوس. إن الذي يدعو لطرح هذا الموضوع والتذكير به وبيان أهميته وعظم مكانته من الدين هو كثرة النصوص التي وردت في الحث على حسن الخلق، والإحسان إلى الخلق بكل قول جميل وفعل حميد، وما لصاحبه من المدح والثناء ورفعة المنزلة وحسن العاقبة في الدنيا والآخرة، هذه صورة مجملة لبعض الجوانب التي نعتزم طرحها للمعالجة خلال شهر رمضان المعظم بإذن الله تعالى