تتعاظم أكاذيب الإدارة الأمريكية، ويتزايد تدليسها للحقائق وتلفيق الأحداث ومجريات الأمور، سواء على صعيد السياسة الداخلية للبلاد أو الخارجية ووصل الحال حد التعفن ،فأصبح يكتنفها الكثير من الغموض والجدل ،ما افقدها مصداقيتها وأي مصداقية إن لم تكتسبها أصلا ،كما أنها لم تكتسب أي عذرية سياسية لأنها سارت في الاتجاه المعاكس أي وشهوة الرياح والأهواء لا الهواء النقي ،حيث أن الأولى تلوث الثاني وينتج الاختناق و ذلك هو المصير المحتوم حتما . ذلك ما أصاب الإدارة الأمريكية خاصة في عهد الرئيس جورج بوش الأب والابن وخليفتها باراك اوباما، هذا الأخير الذي احدث ضجة وأثار الكثير من الزوابع ،ولعل أسرار ومفاتيح دخول الرجل ذو الأصول الإفريقية التي لاشك فيها بعكس ديانته وما يكتنفها من غموض محير إلى أروقة البيت الأبيض ،هي من ابرز العلامات التي جعلت تلك الشخصية يشوبها ويحوم حولها الكثير من الريب وان كان ذلك شان أخر لا يجدر بنا التطرق إليه في هذا المقام ،فهو يستحق وقفات أخرى . من كان يعتقد أن الانسحاب الأمريكي من العراق سيكون بهذه السرعة ؟واقصد هنا سرعة الجلاء لا مدة البقاء التي فاقت السبع سنوات بأرض الرافدين، فقد جاءت إليها أمريكا بنية الاحتلال و لا شيء غير ذلك ،لكنها لم تجني فيها ومنها إلا الخسائر المذلة والمهينة لسمعة قوة عسكرية كان يعتقد أنها الأقوى بقوامها ومعداتها الحربية ،التي لم تثبت نجاعتها وفاعليتها على ارض الواقع بعكس ما كان يتوقع منها، وذلك بتصدي تلك المقاومة الشعبية الباسلة التي هب إليها أبناء الرافدين الرافضين للاحتلال وتداعياته السلبية ،مقاومة سجلت على أنها أسرع مقاومة قامت فقد كانت ممنهجة وراشدة ولم تتواطأ للحظة واحدة مع وطأة أقدام الغزاة شوارع عاصمة الرشيد، وان اختلف البعض في مدة بقاء المحتل وزمن الجلاء فلم يختلف احد حول الضربات الموجعة والخسائر الفادحة التي تلقتها القوات الأمريكية في العراق على يد المقاومة الباسلة ،سواء في المعدات أو الأرواح حتى ووصفت ارض الرافدين بالمستنقع رغم محاولة الإدارة الأمريكية التكتم عن حجم الخسائر لتغليط الرأي العام وإخفاء إخفاقها وهزيمتها النكراء ،فقد فاقت خسائرها في العراق وحده خسائرها في فتنام، ذلك ما جعل سرعة الجلاء أو الانسحاب المرتبك السابق لأوانه تفوق سرعة الاجتياح وعجل به وكان انسحابا لا إراديا غير مشروط ، وحق أن نقول كان بمثابة التبول اللا إرادي وهناك تعريف بسيط أو سببين رئيسيين للتبول اللا إرادي عند الأطفال دعوني اذكرهما ففيهما مفارقة طريفة: السبب الأول يكمن عند مرض الطفل ودخوله إلى المستشفى للعلاج حيث يسبب له ذلك صدمة نفسية من رؤيته للمحاليل والحقن وصراخ المرضى من مما يصيبه بالذعر الذي يظهر بعدم القدرة على التحكم بالبول فينتج عنه التبول اللا إرادي . السبب الثاني الانتقال من بلد إلى بلد أخر أو الهجرة هو أيضا من العوامل المولدة للقلق والخوف من المجهول والبعد عن كل ما اعتاد عليه الطفل في محيطه فيعبر الطفل عن شعوره هذا بالتبول اللا إرادي، وحالات التبول هذه أو المرض الشائع اعتقد أنها الأقرب إلى الحالة الأمريكية لان أمريكا أصابها مرض الطمع والغرور فتوهمت أنها ستجد العراق لقمة سائغة تلتهمها ،وهو ما لم يكتب لها بعد أن صدمت بمقاومة شرسة فأصيبت بالذعر وأرغمت على المغادرة مكرهة فقد قطع دابرها ولم تجد موطئ القدم في بلد ليس ببلدها ،جاءت إليه مهاجرة وغازية بلد تجهل عنه كل شيء ما سبب لها الخوف والقلق والرعب دفعت فيه ثمن مغبتها وحماقتها ،فراح ضحية ذلك الآلاف من الجنود الذين قضوا أو أصيبوا بعاهات مستديمة أكثرها النفسية الخطرة، هذا وباختصار على الصعيد العسكري وسبب التبول اللا إرادي للقوات الأمريكية والانسحاب ، أما على الصعيد السياسي فأعتقد أن الخسائر كانت أعظم على المستويين الداخلي والخارجي للبلاد، حيث وبنفس الضربات الموجعة التي تلقتها على يد المقاومة في العراق وحتى أفغانستان، فقد شهدت وتشهد الولاياتالمتحدةالأمريكية هزات سياسية داخلية وخارجية متزايدة ومتتالية أحدثت شروخا عميقة بدت عواقبها السلبية تلوح إلى العلن، بدءا من انقسامات الرأي العام الأمريكي والتراجع الكبير في تأييد الإستراتيجية الأمريكية وما لحقها من انتقادات حادة للرئيس باراك أوباما خاصة داخل الإدارة الأمريكية والخلافات المستمرة والفضائح الأخلاقية والجرائم اللا إنسانية وغيرها، دفعت بالرئيس أوباما إلى البحث ورسم ملامح جديدة لإعادة بناء أو ترميم سياسي جديد لعل وعسى ولو عن طريق التسول لتلميع صورتها وربما محاولة عبثية منه لإعادة بعث ما فقدته من قوة أو على الأقل الهروب بها من فضائح أخرى، فكان لابد له من تعجيل الانسحاب من العراق الذي كشف عورتها وعرى سياستها ،وذلك لكسب بعض الود والكشف عن النوايا الحسنة وهذا لا يمكن إلا أن يوضع في خانة التسول السياسي الذي عادة ما يسبق الحملات الانتخابية وهو لا يخلوا من الكذب والنفاق والتدليس،لا وبذلك تبقى الإدارة الأمريكية تدور في فلك واحد وهو الكذب والتلفيق ولا شيء غيره.