لحظات تمر بأمة من الأمم هي في تقدير الزمن سنوات معدودات، لكنها في تاريخ الحضارات نقاط فاصلة بين زمنين وجيلين، ومثلما تمر بالفرد لحظات من التألق الفكري المتوهج الذي يستطيع به ومن خلاله وصول أعلى الدرجات، فكذلك هي أعمار تمر بنهر الزمن لشعب من الشعوب تستطيع التألق والتفرد الحضاري بحسن استغلال طاقاتها واستثمار مقدراتها البشرية، والعكس بالعكس حين تنطفئ جذوة التفكير المتقد السليم، فترى الفرد في مؤخرة الطريق وذيل القافلة. وبين الرحلتين أمم تنهض وتحبو وما تكاد تستقيم حتى تكبو، وفي لحظات السقوط دروس وأي دروس لمن أحسن منها الاستثمار، وادكر فأحسن الاعتبار، وكم ممن تعلم من الفشل والسقوط أكثر مما تعلم من النجاح والارتفاع، ولعل ما مر بالجزائر من نكبات سود قد علمنا أمرين مهمين: أما أولهما: فهو الملمح الذي أشرنا إليه من زعمنا أنها ستكون بداية للنهوض بعد الخيبات التي مرت بنا، إذ تاريخ الأمم الصاعدة قد بين أنها ما تقدمت وازدهرت إلا بعد سيل من الدماء موار، وإلا بعد إحن وقلاقل استفزت أولي النهى للحيلولة دون تماديها حتى لا تأتي على البقية الباقية من المناطق التي بقيت على درجة من الصلاح. وأما ثاني هذه الأمور: فهو الأمر الذي نشكو منه ويشكو أولو الأبصار من بقاء جذوة له خامدة ينفخ فيها فإذا روح وفكر متطرف كان السبب فيما آلت إليه البلاد يشتعل ليطلع بأفكار لا تصلح إلا لزيادة الاعوجاج، والابتعاد عن السليم من السبل، وقد جرب البعض طرق العنف والغي وقد أدت إلى ما سمعنا ورأينا بأم أعيننا، ود وكلوا إلى إيمان تجارب والمؤمن لا يلدغ من جحر مرتين، ونحن نستحضر قيمة من قيم ''أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف'' في ذكرى هذه المناسبة التي كانت لبنة من لبنات إعادة الاستقرار والطمأنينة إلى ربوع هذا الوطن المفدى.