خبر ليس ككل الأخبار، وذكرى ليست ككل الذكريات، في الرابع من سبتمبرعام 1990م، أعلن الرئيس الأمريكي جورج بوش إعفاء مصر من ديونها العسكرية للولايات المتحدة، وسط جو مشحون بالمغالطات والمتناقضات في منطقة الشرق الأوسط. فما هي أهداف ذلك القرار ؟. وللإجابة نستعرض جملة المسائل نرى أن لها دور ما في صنع ذلك القرار، في مقدمتها العقل البشري الذي هو كرم رباني، وهو أفضل الفضائل على بني آدم، وأساس حركة الإنسان في حياته، هو المنظم والموجهة للفعل الآدمي الواعي، ووجوده في الحياة فضل للإنسان على المخلوقات، قال تعالى: {ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلاً} الاسراء/.70 فالعقل أداة تكريم وموطن منطق وتسخير كل شيء للإنسان هذا المخلوق العجيب. والعقل هو الدعامة الأساسية للكائن البشري ودليل منطلقاته، فبدونه يستحيل سواده، ففي عقول البشر تبنى قصور الدنيا وتتولد شرارات الحروب وتقوم حصون السلام وتترسخ بصمات الوقائع، وهو الذي دفع الإنسان الأول إلى طرح الأسئلة والتطلع إلى ما حوله بحثا عن حقيقة حوله، وقيام الذات وجعله مجبولاً على العلم والمعرفة. وقد تضمن إعلان الميثاق التأسيسي لمنظمة الأمم المتّحدة للتربية والعلوم والثقافة في بنده الأول:{.. كرامة الإنسان تقتضي بالضرورة نشر الثقافة وتنشئة الناس جميعاً على أهداف العدالة والحرية والسلام، فإن ذلك واجب مقدّس يتحتّم على جميع الأمم الاضطلاع به بروح التعاضد والاهتمام...'' إن أهمية الدور الثقافي والتربوي في التخفيف من حدّة التوترات الدولية وبلوغ السلام العالمي يتعاظم يوما بعد يوم، غير أن عقول الساسة العرب لم تستوعب بعد هذه الحقيقة بل بعضها ظل معاديا لكل ما هو منطقي عقلاني وبات معاديا حتى لإرادته الذاتية . نتذكر جميعا أن قرار الرئيس الأميركي جورج بوش يوم 04 سبتمبر 1990م بإعفاء مصر من الديون العسكرية، ولا أحد يجهل أن هذا الإعلان كان بمثابة مكافأة لمصر.كل ذلك كان يجري في محيط سياسي عالمي تميز بطغيان أساليب التهويل ووسائل الطغيان، و الرعب الذي عاشه العالم في ظل تزايد انتشار الأسلحة النووية، والتسابق إلى التسلح، أمام فشل الجهود المبذولة في كبح ذلك الصراع، وإقناع أطراف الصراع أن ذلك خيار الكارثة التي تقضي البشرية. فمنذ أن استطاع الاتحاد السوفييتي ''سابقا'' إنتاج أول قنبلة نووية، وموازنة التسلح النووي الأمريكي الذي أعطى امتيازا للولايات المتحدة الأميركية، بعد هيروشيما وناغازاكي، وأرعبت العالم ودفعته إلى التسليم بالتفوق الأمريكي. منذ ذلك الوقت فرض توازن الرعب النووي نفسه وقلب الموقف على الساحة الدولية، وظهرت تحركات القوى الكبرى لجمع الدعم والتحالفات...ما أوجد بؤرة صدام في منطقة الشرق الأوسط.، حيث مخزون الطاقة بأشكالها، والمعابر بأهميتها والفضاءات بشساعتها..فالتقت يد الأميركان والروس على أرض الرشيد { العراق}، ووقع صدام التسابق. وافتعلت الأسباب ونمقت المقاصد وتم غزو العراق عام 1990م تحت غطاء حماية الحريات وسيادة الأوطان، ومنع العراق من أسلحة الدمار الشامل، فكانت الحرب ودمرت القدرات العسكرية لبلد عربي واهين شعبه. لما أحست مصر بخطر العاصفة أصدرت رئاسة الجمهورية يوم 20 جوان 1990 م بيانا أهابت فيه بجميع ''الأشقاء العرب'' إعطاء الأولوية القصوى لتعزيز التضامن العربي، ..مؤكدة أن الأسلوب الذي يخدم المصالح العربية العليا هو تسوية الخلافات بالحوار بعيدا عن التوتر، وقام الرئيس مبارك بجولة سريعة يوم 24 جوان 1990م إلى بغداد والكويت، وجدة، أثمرت نتيجتين: تعهد عراقي بعدم الاعتداء على الكويت. واتفاق طرفي الخلاف التسوية السلمية واستبشر العرب خيرا..لكن التحضيرات الأميركية بحشد الدعم الدولي ضد العراق جعل الأحداث تتسارع وقلب الأوضاع، و بدأ الغزو في 2 أوت 1990م . واتضح قبيل صدور القرار الجاهز، 678 في 29 نوفمبر 1990م الخاص بجواز استخدام القوة ( تزكية الغزو) لإجبار العراق على الانسحاب{.}. وقد تبين بما لا يدع مجالا للشك أن الدبلوماسية المصرية كانت تجهل الكثير من الحقائق مما جعل فكرة الصلح تتخمر بذورها وتنتج فسائل تحمل جينات الحرب، ظهر الميل المصري والتوجه نحو الموافقة على ضرب العراق، وهو ما يفسر إعلان الرئيس الأميركي جورج بوش عن إعفاء مصر من ديونها العسكرية للولايات المتحدة. والسؤال الذي يطرح نفسه اليوم :ماذا استفادت مصر أو العرب بعد عقدين من ذلك الإعفاء ؟. إن الواقع يجيبنا، حرب دمرت الإنسان العربي، واحتل الغرب المنطقة برمتها اقتصاديا وسياسيا واستراتيجيا، واستولى الأمريكان على العراق كليا. حروب عشر سنوات شنتها الولاياتالمتحدة في الشرق الأوسط الكبير، أسفرت تلك الحرب عن دروس وعبر بالغة، وجعلت أول عقد من الألفية الثالثة يغرق وسط انهار من الدماء وأكوام من الأشلاء، وساحات عنف وكراهية بين الشعوب في أنحاء العالم. إذا لم يكن الرئيس الأمريكي جورج بوش يمزح عندما قال :'' أن الحرب على الإرهاب هي أولى حروب الألفية الثالثة''وإنما قال ذلك لاعتقاده الراسخ أن الهيمنة التي يحاولون بسطها على العالم لا تحقق إلا بزحزحة الخطر الأخضر عن مكانته وهو الهدف الأسمى لكل تحرك أميركو - صهيوني، وما يدور اليوم حول قضية فلسطين ولبنان إلا مرتكزات جديدة لمناورات الحرب المعلنة.