علمونا ما أوصلنا إليه الزمن الآن من تدبيج صحيح الكلم، ونظم المأثور من الحكم، وكانوا نعم الصابريين على رعونتنا وقلة وعينا وضيق عطن الجم الكثير من أبجديات العلوم والمعارف، وحفظونا الأسماء التي عُلمها آدم، فليس بالميسور أن يُنكر فضلهم أو أن يُجحد حقهم. كانوا الدرجة الأولى في سلم التعلم، والدليل الرفيق في طريق طلب العلم وتحصيله، وأي عالم مهما سما وأي دكتور مهما قفزت به درجات المعرفة ونيل الشهادات والأوسمة ينكر الفضل الأول ومعلميه الأوَّل. ويبدو أن طبيعة الجحود والنكران كغريزة امتدت جذورها في الناس، إذ لطالما نسوا من أحسن إليهم، وأسدى الخير والفضل العميم إليهم، وانظر حواليك إلى من كان السبب في وجودك، وتوالي الإنعام والإحسان لبقاء وجودك، كيف أن نصف المعمورة لا تثبت له ألوهية ولا تعترف له بربوبية، على الرغم من أن الكل بفضله ماخرج عن نعمة الإيجاد ونعمة الإمداد. ولربما كان الأثر الآخر الظاهر للعيان من الجحود والنكران هو العقوق الذي يطال الوالدين من ذريتهما، فمن ذا ينكر الوهن على الوهن الذي حملته الأم، ومن ذا ينسى السهر والضنى ، والبكاء لبكائك والفرح لفرحك ونجاحك، ومن ذا ينسى: غذوتك مولودا وعلتك يافعا تسر بما أجني عليك وتنهل إذا ليلة ضافتك بالسقم لم أبت لسقمك إلا ساهرا أتململ ومع كل ذلك فإنك واجد نكرانا بالغ المدى وجحودا لا حد له، تترجمه أفعال الكثر الذين يزجون بوالديهم أحدهما أو كلاهما في ديار العجزة، أو حمام الصالحين كما عبر ''كاريكاتوريست'' الحوار، لولا أن بركات وزير التضامن السعيد بركات قلصت من بناء دور العجزة لهذه الفترة إلى ثلاثة، وقد كانت العام الفارط والذي قبله أكثر من 7 دور، ملزمة الأبناء بوجوب رعاية الآباء وإلا طالهم العقاب والتغريم... بدأنا بذكر المعلمين وفضلهم، للفت النظر إلى هذه الفئة الطويلة العريضة في هرم التعليم، والتي غدت مادة دسمة للتهكم والسخرية، وكمبدإ عام فهناك الذي يحق أن يتولى أي شيء إلا أن يكون معلما لأجيال هي في طور التشكل، وكمادة العجين التي تصنع منها ماشئت، وتعجنها كيفما تريد، وهي أخطر المراحل في سني التعلم والتربية، فكيف بالله تمنح للبعض الذي لا يحسن من أبجديات العلم غير فك الكلمات وقراءة النصوص، ولعل الآخر الذي تنبه إلى أهمية هذه المرحلة إختار لها أكفأ العقول وأعلى المتعلمين شهادة وتربية وتكوينا، فلا تعجب أن تجد دكاترة في علوم النفس والتربية هم من يتولون التنشئة والتعليم والتربية في المراحل الأولى للتلاميذ المتمدرسين، التي نطلق عليها المرحلة الابتدائية أو الأساسية فيما مضى، هي دعوة للمراجعة والتقويم حتى يغدو متولي مهنة التعليم الأكفأ والأقدر والأعلم ...