قبل استضافة كأس العالم 2010 عانت جنوب أفريقيا كثيرا من البطالة ومن مشكلات اقتصادية بالجملة، وكان المونديال بمثابة طوق نجاة للدولة بل للدول المجاورة. وشهدت منطقة الجنوب الأفريقي بأكملها رواجا اقتصاديا ودعاية استثمارية رائعة باستضافة المونديال.ولكن قطر لا تعاني من مشكلات اقتصادية ولا من بطالة، فماذا يعني فوزها باستضافة مونديال 2022؟.. الحقيقة أنه يعني الكثير ولكن ليس لقطر وحدها ولكن للأمة العربية بأثرها. ولنحسب كم فرصة عمل ستتوفر للعرب قبل وخلال المونديال؟!.. وفوق الدعاية الإيجابية للمنطقة العربية والتي من شأنها إصلاح ما أفسدته قباحة الإرهاب، الذي وصم العالم العربي عبر وسائل الإعلام الغربية. سيعرف الغرب والعالم أجمع كرم الضيافة العربي، سيدرك الجميع معنى التفاف الشعوب المنطقة وتضافرها، سيعي الغرب أن الإرهاب بلا دين ولا وطن.وفوق ذلك ستصل الجميع رسالة زوجة أمير قطر الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني الشيخة موزة بنت ناصر المسند أن للمرأة دورها وتقديرها الكامل في المنطقة العربية، وهي التي استلمت وزوجها كأس العالم من جوزيف بلاتر رئيس الاتحاد الدولي. والحقيقة أن الدعاية التسويقية والترويجية للدول الخليجية والعربية بصفة عامة لو ظلت متواصلة 100 عام، لن تكون في فاعلية استضافة المونديال لاكتشاف كنوز العرب.وحققت قطر أفضل نتائج في التصويت منذ الجولة الأولى التي حصلت فيها على 11 صوتا، مقابل 10 في الثانية و11 في الثالثة ثم 14 صوتا في الجولة النهائية مقابل ثمانية أصوات للولايات المتحدة. ولم تستسلم قطر بعد إخفاق ملف الدوحة في استضافة أوليمبياد ,2016 وقدمت قطر ملفا يشتمل على إقامة مباريات المونديال في 12 ملعبا موزعة على سبع مدن يقع أغلبها داخل دائرة جغرافية ضيقة، ما يمكن الجماهير والإعلاميين حضور أكثر من فعالية في اليوم الواحد دون قضاء أغلب الوقت في التنقل.ويتصدر ملعب لوسيل الملف القطري، حيث ينتظر إنشاؤه بسعة تصل إلى 86 ألف متفرج لاستضافة المباراة النهائية، بجانب ملعب خليفة في الدوحة الذي استضاف مؤخرا مباراة الأرجنتين والبرازيل الودية والذي ستصل سعته إلى 70 ألف متفرج. ترصد الحكومة القطرية ميزانية عملاقة للاستثمارات في المونديال تصل إلى 50 مليار دولار. فعلى أرض الواقع قطر واحدة من أغنى دول العالم، وتملك من الثروات ما يكفي مواطنيها ويجعلهم يملون أو يتوقفون عن الاجتهاد، ولكن القطريون يواصلون إثبات أن امتلاك المال دافعا للتقدم وليس عاملا مساعدا على الكسل. وقد يسأل البعض ما الذي ستستفيده قطر ماديا من استضافة كأس العالم 2022؟.. والإجابة قد تبدو معقده خاصة أن القطريين ليسوا في حاجة للمكسب المالي، كذلك لأنهم سيتكبدون المليارات من أجل تجهيز المنشآت، حيث سيقيمون استادات مكيفة الهواء لتعطي درجات الحرارة المناسبة لكرة القدم في ظل إقامة البطولة في فصل الصيف. ولكن استفادة قطر أكبر من الأموال، الاستفادة تكمن في تدوير رأس المال ودوران عجلة الاقتصاد، فالأموال ستنفق في الإنشاءات، وعلى موظفين يعملون في البطولة وللتجهيز لها، وهؤلاء يعيشون في قطر وينفقون فيها، ويخرجون ليعلنون عن الدولة الصغيرة في الحجم الكبيرة في التفكير، والسعي.يذكر أن دولة قطر شبه جزيرة محاطة بمياه الخليج من ثلاث جهات وتبلغ مساحتها 11 ألفا و437 كلم مربع، ويقترب تعدادها السكاني من 1.7 مليون نسمة، ويعتبر قطاع الطاقة وبخاصة الغاز والبترول من أهم أعمدة الاقتصاد. أول العقبات التي واجهت الملف القطري قبل تقديمه كانت الارتفاع الشديد في درجة الحرارة في فترات استضافة المونديال وهو شهر جوان و جويلية حيث تصل درجات الحرارة إلى 50 درجة مئوية، ما يستحيل معه اللعب. وكان عائقا كبيرا دعا البعض للتشكيك في قدرة قطر على تنظيم المونديال، ولكن القطريون استعانوا بأكبر الخبرات العالمية لإزالة العقبات من وجه ملف الاستضافة.وكان الفيفا يرى أن حرارة الصيف هي مصدر القلق الوحيد المتعلق بالملف القطري. وبالفعل استحدثوا فكرة تزويد الملاعب بمنظم لدرجات الحرارة، لجعل الفرق تلعب في درجة الحرارة الطبيعية والملائمة للعب كرة القدم.بحيث تستقر درجات الحرارة عند 25 مئوية وهو المقترح الذي لاقى صدىً إيجابيا لدى شخصيات عالمية مثل مدرب نادي مانشستر يونايتد الإنكليزي أليكس فيرغسون. وقبل تقديم الملف شكك كثيرون في القدرة على تحديث البنية التحتية لاستضافة الملايين من المشجعين المتعطشين لمتابعة المونديال، وبالفعل وضعت قطر خطة متكاملة لاستيعاب كل الجماهير في الملاعب وخارجها، من فنادق ومقاهي وملاهي، ووسائل مواصلات مختلفة ومتنوعة كي تشعر الجماهير باتساع مدى الاستضافة وبالراحة في التنقل. وكانت الأفكار المبتكرة من أهم ما يميز الملف القطري وفقا لتقارير لجنة التقييم بالفيفا، مثل تصميم ملعب ''الخور'' الذي سيكون على شكل قوقعة بحرية، بجانب ملعب الشمال الذي يصل المشجعون إليه بحراً. ولم تقتصر قوة الملف القطري على المنشآت والقدرات المالية ولكن أيضا ااستقطبت قطر أيضا سفراء عالميين لملفها لهم ثقلهم الدولي مثل الفرنسي زين الدين زيدان، والإسباني بيب غوارديولا ومدرب برشلونة والذي لعب سابقا في قطر، مثله مثل الهداف الأرجنتيني التاريخي غابرييل عمر باتيستوتا، بالإضافة للنجم الكاميروني روجيه ميلا. والحقيقة أن اقتصار المنافسة على تنظيم مونديال 2022 بين قطر والولايات المتحدة الأميركية يضحد كل الشكوك، التي تناولتها الأقلام بشبهة الرشوة، فالتفوق المالي للولايات المتحدة والنفوذ لا يقل بل يزيد عن النفوذ القطري. وبالتالي فالفوز كان مستحقا، ولكنه لم يكن للقطريين فقط بل كان فوزا للأمة العربية وللشرق الأوسط أجمع.. وكما قال الشيخ سعود بن عبد الرحمن الأمين العام للجنة الاولمبية القطرية أن قطر ''وضعت كرة القدم في الشرق الأوسط على خارطة العالم''.. ونضيف أنه إذا كانت أميركا وضعت خطة الشرق الأوسط الجديد، فاستضافة مونديال 2022 في الخليج هو بمثابة إعلان عربي عن شرق أوسط جديد ومختلف عن المخططات الأميركية.