وشُرع الحج في الأكبر، ليس باتجاه البقاع المقدسة ولا لأجل حفلة عاشورائية، تلطم فيها الوجوه والأجساد، كتلك التي يحتفى بها كل سنة بكربلاء ومناطق شيعية أخرى، ولكنها الهجرة الجماعية باتجاه بلدان ''الزهو'' لأجل الاحتفال بكل راحة وبعيدا عن الأنظار ''في الستيرة'' برأس السنة الميلادية.. فالجميع تقريبا يحرص على تطبيق المثل القائل عندنا: ''لا تبدل زهو الدنيا بشقاه''.. بأموال جمعت، خزنت، كدست لهذا اليوم العظيم، بعد عناء سنة كاملة من العمل المتوصل، وأحيانا من دون ''شقاء''، أكيد لن يرى الفقير من هذه الأموال سوى الفتات، ولا صناديق الزكاة ستنعم بادخارها، كونها ستركن إلى جيوب الراقصين والراقصات، ومحبي حفلات ال ''دي جي'' ومطربي ''الراي''.. سيطير المئات بل الآلاف من الجزائريين باتجاه الضفة الأخرى من المتوسط وبلدان شقيقة كثيرة، لإحياء السهرة الكبيرة، فبعض الجزائريين يحرصون كثيرا على ''البريستيج''، والتباهي بالقدرة على الاحتفال خارج الوطن، حتى وإن كانت جل فنادق الوطن تقريبا تعرض حفلاتها الساهرة لإحياء رأس الميلاد، وبأسماء فنانين من الوزن الثقيل، لكن شتان بين ما يجري ''هنا'' وما يتوقع أن يحدث ''هناك''.. ولأن العطلة الشتوية قد تزامنت مع نهاية رأس السنة الميلادية، فإن الكثير من الجزائريين قد شرعوا في التنقل إلى البلدان المجاورة، مثلما هو الحال مع الشقيقة تونس، حيث عرف مركز ''أم الطبول'' الحدودي لعبور المسافرين ما لا يقل عن ألف شخص و 300 سيارة نهاية الأسبوع الماضي وحده، ويتوقع أن يرتفع هذا العدد إلى الضعف، مع بداية العد التنازلي. طبيعي جدا أن يخفف الواحد منا عن عناء عام شاق، بسهرة في الخارج، لكن أن يفكر تقريبا الجميع بهذا المنطق، وأن يتهافت الجميع باتجاه الحدود لأجل صرف الملايين على أن يسترزق منها الفقير، وعوائل الجزائريين تبيت تحت وطأة الحاجة والفاقة، فذاك الذي لا يمكن أن يكون عاديا أو أمرا طبيعيا. الحقيقة أن الجزائري لا يلام وحده عن طباعه ''الشينة'' تلك، فالعرب تقريبا جلهم مثلما جاء في التقرير العربي الثالث للتنمية الثقافية، يهوون ويعشقون ''السمر والسهر''، ''التنكيت'' و''التمسخير'' على أن تحمل القضايا العربية القوية محمل الجد، والزائر للبلدان العربية في احتفالات رأس السنة، سيلحظ ما أعنيه، ويتأكد مما أقوله.