تزداد معاناة المواطن الجزائري في كل يوم في البحث عن أماكن يركن فيها سيارته، فبالإضافة إلى الأزمة الخانقة التي تعرفها حركة المرور والتي تحولت إلى مصدر للتوتر والقلق، فإنه يجد نفسه في مواجهة مشكل آخر لا يقل إزعاجا وهو احتكار مجموعات من الشباب للأرصفة والشوارع وتحويلها إلى ''باركينغات'' يحكمون فيها السيطرة على مالكي السيارات ويجبرونهم على الركون في منطقتهم. تحولت الكثير من شوارع العاصمة وأزقتها الضيقة في الآونة الأخيرة إلى مستودعات عشوائية على الهواء الطلق، صار يستحوذ عليها الشباب البطال ويحولونها إلى مساحات لصالحهم وكأنها أملاك خاصة بهم ويحكمون عليها سيطرتهم وصاروا يتنافسون فيما بينهم من أجل الظفر بأكبر عدد ممكن من السائقين، وهي طريقة تجعلهم يكسبون بعض المال عن طريق اتباع سياسة اللين والكلام المعسول بهدف استمالة المواطنين. والملفت للانتباه أن هذه الظاهرة التي أصبحت منتشرة كالفطريات صارت تشكل مصدر قلق وتذمر من طرف أصحاب السيارات الذين يجدون أنفسهم مجبرين على دفع ذلك المبلغ الذي يحدده أصحاب تلك ''الباركينغات'' المزعومة رغم أنهم لا يملكون أية وثائق تثبت ممارستهم لذلك النشاط التجاري، ويصل الأمر لدرجة الإرغام والتهديد بترك السيارة تتعرض للسرقة في حال لم يسدد ما عليه من فاتورة مستحقة. وهنا يجد المواطن الجزائري نفسه مجبرا على التخيير بين بقائه محاصرا في الطرقات دون أن يتسنى له إيجاد مكان يركن فيه مركبته وبين الرضوخ للقوانين التي يضعها هؤلاء الحراس الذين يخفون جشعهم وطمعهم خلف قناع حماية ممتلكات المواطنين ويقومون بخلق فوضى عارمة داخل التجمعات السكانية ويتسيبون في إزعاج السكان عن طريق التضييق في المسالك وغلق حركة السير، ما يصعب حتى على المرتجلين المشي ويجعلهم يعيشون على أعصابهم ليلا ونهارا. لا مجال لركن السيارة في ''الحومة'' تحول هاجس العديد من مالكي السيارات، هذه الأيام، إلى البحث عن أماكن يركنون فيها سياراتهم بعدما صار من المستحيلات إيجاد متسع، حيث يضطر مجمل المواطنين إلى القيام بعدة جولات ودورات في انتظار أن يغادر أحدهم علهم يكونون محظوظين ويعثرون على أماكن شاغرة. فرغم أنهم يسكنون في ذلك الحي ويعدون من ''أولاد الحومة'' إلا أن ذلك لا يشفع لهم ولا يساهم في تسهيل المهمة، حيث يقضون فترات من الزمن ويضطرون في العديد من المرات إلى التوجه إلى الحظائر العمومية ويدفعون مبالغ تثقل كاهلهم، فالأمر لا يقتصر على يوم واحد بل على أسبوع وشهر وسنة، وعليه فالميزانية ترتفع. ولا تتوقف مشاكلهم عند هذا الحد وإنما تمتد إلى أبعد من ذلك، حيث كثيرا ما لا يأبهون للمال طالما أنها تبقى في أمان. لكن ما يحدث هو عدم ارتياحهم وهي في تلك الأمكنة خاصة أنهم لا يضمنون سلامتها طوال الليل ويتخوفون من تعرضها للسرقة. كما يستغل الكثير من شباب الحي البطال أزقة الشوارع والأرصفة، ولأنهم لم يجدوا حلا آخر إلا الاسترزاق بتلك المركبات فقد تحولت مهنتهم إلى تمضية اليوم بأكمله في ترتيبها وتنظيم ركنها. فمن المظاهر التي أصبحنا نشاهدها كل صباح ومساء هو أنهم بمجرد أن يشعروا أو يلاحظوا قدوم سيارة ويعرفون أن صاحبها غريب ولا يسكن في ذلك الشارع حتى يبدأوا في التودد إليه ويبذلون قصار جهدهم لإقناعه بأن هناك مكانا يوقفون فيه سيارته ويؤثرون على عقله ويسعون للسيطرة على نفسيته عن طريق استعمال عبارات تحسسه بالطمأنينة مثل ''روح خويا راني هنا''، ''راهي في الحفظ والصون''، ''خاطيك كون هاني واحد ما يقيسها''، وبناء على ذلك ينصاع ذلك السائق لتعليمات حارس ''الباركينغ'' ويترك مركبته تحت رحمته ويوكل له مهمة المحافظة عليها، إلا أن ذلك صار يثير غضب السكان الذين يتوجهون إلى أحياء أخرى رغم تأخر الوقت أحيانا ويبحثون فيها عن أماكن للركون، وفي هذا الشأن أكد لنا السيد ''كمال'' مواطن يقطن ببلدية سيدي امحمد أن الوضعية في الحي الذي يسكن فيه صارت لا تطاق فكلما أراد أن يستريح قليلا في البيت ريثما يعود إلى العمل مرة أخرى يستحيل عليه ذلك لعدم وجود متسع من المكان يترك فيه سيارته، والسيناريو يتكرر معه يوميا صباحا ومساء، حيث يحتكر بعض الشباب االمساحات الشاغرة ويستحوذون عليها ويجعلونها خاصة بهم لممارسة نشاطهم ذلك. كما أن السيد ''ياسين''، وهو شاب متزوج، عندما يرغب في الذهاب لزيارة والدته في نفس البلدية وبالتحديد في الشارع المحاذي لحسيبة بن بوعلي، فإنه يحسب لذلك ألف حساب وذلك لأنه عندما يأتي عادة في حدود منتصف النهار يكون الشارع ممتلئا عن آخره بالسيارات التي يقوم أولاد الجيران بركنها على كل جوانب الطريق وحافات الأرصفة دون أن يسمحوا لأبناء الحي بالتوقف لقضاء حاجاتهم. أعطيني 50 دج حق ''الباركينغ'' هي عبارة يستعملها الكثير من حراس مواقف السيارات في الفترة الأخيرة الذين صاروا يراوغون بكل مهارة ويتسابقون لاصطياد سائقي السيارات وإرغامهم على البقاء في تلك البقعة لغاية إنهائهم لأعمالهم، إلا أن ذلك لا يتم لوجه الله فلقاء تلك الخدمة التي يجبرون المواطنين على الاستفادة منها يطلبون منهم في المقابل دفع 50 دج وذلك باستعمال نبرة الأوامر وكأنهم مطالبين بذلك ومنصوص عليه في قانون ما. فنتيجة غياب رقابة صارمة من طرف السلطات المعنية صار هذا النشاط قبلة لكل الفئات من الشباب فأي واحد يرغب في كسب المال يتعلم بعض الإشارات لتنظيم حركة السيارات ويحمل بعض الدنانير بين أصابعه ويتحول إلى حارس بين ليلة وضحاها، فيتوجه نحوك حيث تبدو على ملامحه الجدية والتحكم في العمل جيدا فيجد ابن ذلك الحي نفسه مرغما على دفع مبلغ من المال من أجل حراسة ب''السيف'' وهذا ما يحدث في العديد من الأحياء العاصمية. وفي هذا الشأن صرحت لنا السيدة ''نعيمة'' بأنه فعلا صار يصعب عليها ركن سيارتها بسبب تمادي بعض الشباب في فرض المال لقاء ذلك فحتى وإن كانت لا ترغب في ذلك تفعل ذلك رغما عنها لاسيما عندما يخبرها ذلك الحارس بأنه سيتركها تتعرض للسرقة، وهو نفس ما أكده لنا ''سمير'' الذي يضطر في كل مرة لدفع المال من أجل إبقاء سيارته أمامه. للإشارة، فإن هذا يحدث في الوقت الذي كان والي ولاية العاصمة قد وعد بإنجاز 07 حظائر جديدة للسيارات على مستوى العاصمة من النوع الرفيع بطاقة استيعاب تفوق 5000 سيارة لجميع المحاشر كمرحلة أولى هذا على مستوى كل من البلديات التالية: القبة، الأبيار، المدنية، بومعطي بالحراش، سيدي امحمد، سيدي يحيى بحيدرة، شاطوناف بالأبيار، فضلا عن عصرنة خطوط النقل بالسكك الحديدية وكهربة خطوطها ومشاريع التراموي والميترو والتليفيريك التي يتوقع أن تحل مشكلة النقل والركن في العاصمة، وهو إجراء سيعيد الأنفاس للمواطنين من البحث المتكرر عن أماكن يوقفون فيها سياراتهم.