حق للجزائر أن تبتهج نظير ما وصلت إليه الحال لدى الجنس اللطيف-المتمرد-، الذي ما اكتفى بممارسة المعهود مما أعرف وتعرفون إلى محاولة السطو المسلح واستخلاف ''كارلوس'' في مهماته التي يذهب البعض إلى مدحها ويذهب الكثير إلى وصمها باللاإنسانية. ومكمن الابتهاج هذا هو أن كثرة الجرائم والعصابات في المجتمعات المعاصرة صارت ترتبط بالدول الأكثر تقدما والأكثر تحضرا، فإذا ذكرت أمريكا فسوف تذكر معها حتما عصاباتها التي تجاوزت الآلاف، وستذكر حتما المطاردات البوليسية، والشد والجذب بين البوليس وأفرادها... والكل يدرك أن هذا من نعم الحداثة وبما بعد الحداثة... إحصائيات الدرك الوطني تستثير المخاوف وتستجيش مشاعر التوجس الكامنة حيال ما تلده الليالي الحبلى بأنواع المصائب والمصاعب وما تنتظره ومالا تنتظره من غدرات الزمان ولسعات الإنس والجان، قد نتصور تورط شابات رفض المجتمع إعادة إدماجهن في الحياة والنظر شزرا إليهن وكأنهن أسقطن الدول وخلعن الملوك من على تيجانهم، فهن على استعداد لممارسة مالا يدور بالخلد، لكن تصور عجائز بلغن من الكبر عتيا يحملن في -عبونهن- زجاجات مسيلة للدموع يمارسن بها مهنة السطو على التجار والباعة، ويسرقون الملايين فهذا مؤشر على تفكك النظام الأخلاقي الضابط الذي أضحى يغلب القيمة على القيم... ومما ذكرته إحصائيات سنوات التسعينات أن من أكثر الأسر تماسكا وإبقاء على وحدة العائلة الأسرة العراقية، تليها الأسرة الجزائرية، الشيء الذي يفسر تسليط قدر كبير من وسائل التفسخ والتحلل وأنواع الإرهاب بين أبناء البلد الواحد الذي يلاحظ على أهاليه استعصاء على تقبل كل وافد، ذلك الإرهاب الذي ذقنا منه نصيب الأسد، وعشنا مرارته وقاسينا آلامه المفجعة، وتذوق بلاد الرافدين الآن منه وتتجرع من الكأس التي تجرعنا، ولقائل القول دعك من نظرية المؤامرة التي حكمت تفكير العربان أصحاب العطالة الذهنية والعملية، الذين يبررون بها فشلهم وتأخرهم الصارخ بين الأجناس والأمم، ليجاب عن تساؤله: فهات لنا بلدا آخر حدث به مثل الذي حدث لدينا. والحمد لله أن أكثر أمهاتنا لا يقرأن الجرائد وما حوته من الجرائم، وإلا سُب أصحاب مهنة الصحافة لأنهم سبب في انتشار حيل السرقة والنصب بما يكتبون وينشرون، كما سُب الجاحظ قديما لتأليفه كتابا في حيل اللصوص والعيارين.