ارتبط مخيال الكثيرين منا بأشقائنا ''التوانسة'' عبر بوابات تاريخية وثقافية عديدة، لكن جيل اليوم من الشباب الذي لم يدرس أو يفقه دروس التاريخ بخصوص ذلك التلاحم الذي ربط الشعبين الشقيقين منذ ما قبل الفتح الإسلامي، اختصروا تلك العلاقة في ''السفنج'' و''الزلابية''، وتمضية شهور العسل في إطار المنظومة السياحية التي تميز الشقيقة تونس، حتى أن هذا البلد الرائع الذي لم يسعفني الحظ لزيارته نتذكره في الصيف وفي شهر رمضان. المهم أن ما شدني إلى الحركية التي عرفها الشعب التونسي على بساطته وارتباطه ب ''الزلابية'' و''الخفاف'' في الضمير المجمعي لكثير من الشباب، استطاع عبر التقوت بهذين الأكلتين التقليديتين إنتاج جيل من البشر يحمل من الطاقة ما يحمل للوقوف في وجه مصادرة الحريات والتضييق والظلم والفساد والرشوة، وتحويل المجتمع إلى مجتمع بوليسي، عدد البوليس فيه أكثر من عدد المواطنين. ومما استوقفني في مسار أحداث تونس تلك المفارقة التي صنعتها طاولة خضروات التي كانت سببا في الصعود بعائلة الطرابلسي للتحكم في مقدرات الشعب التونسي، حيث كان والد زوجة بن علي الفارّ والفارّة بائع خضروات في طاولة، لتكون نفس الطاولة التي صعد بها نجم ليلى هي سبب التهاوي السريع لزين العابدين وليلى على يد طاولة البوعزيزي. والمفارقة الثانية أن الرئيس التونسي المخلوع لم يجد بلدا يستقبله غير البلد الذي منع التوانسة من زيارته لأداء مناسك الحج قبل موسمين بدعوى أنفلونزا الخنازير، ويا أعجبها من مفارقة.