مما رسخ في الأذهان وعلمه الكثير من تاريخ أمة العرب أنهم أبناء الأرض، وأنهم قلما يخضعون لسلطان إلا سلطان الدين أو العدل المقدر للذات، ولا غرو في ذلك إذ أن الطبيعة لها جزء بارز في تكوين الشخصية الإنسانية وطبع الناس بطابعها، والمثال على ذلك بارز للعيان من ضيق أخلاق أهل العواصم المكتضة بسكانها، ورحابة صدر ساكنة الفيافي والقفار الرحبة، ونزوعهم إلى الحرية واستقلال الذات. ومما لا ريب فيه كذلك أن العنصر الثاني الذي ألمح إليه أهل العلم أن الوراثة لها جزء معتبر في الشخصية الإنسانية، ومايلحظه القاصي والداني أن طبيعة العصر رغم مسخها لكثير من الأخلاق وتحويرها لكثير من الطباع قد أبقت في العربان الممتدة من الماء إلى الماء بعضا من أخلاق الأوائل، الذي كان يقول قائلهم: قوم إذا الشر أبدى ناجذيه لهم طاروا إليه زرافات ووحدانا يجزون من غدر أهل الغدر مغفرة ومن إساءة أهل السوء إحسانا كأن ربك لم يخلق لخشيته سواهم من جميع الناس إنسانا وقد لا يعييك أن ترى بروزا لبعض هذه الأخلاق الكامنة في الانتفاضات التي تتابع يوما فيوما، ولا عجب فأجدادهم قديما أثر عنهم ''شنشنة أعرفها من أخزم''.